تخطط اليابان لرفع الإنفاق الدفاعي إلى مستوى قياسي جديد في السنة المالية القادمة، وذلك في ظل تزايد المخاوف بشأن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، والضغوط الأمريكية لزيادة مساهمة الحلفاء في التكاليف، والتحديات الاقتصادية التي يفرضها ضعف الين. يأتي هذا القرار في وقت تشهد فيه العديد من الدول حول العالم زيادة في ميزانياتها العسكرية استجابةً للتطورات الأمنية العالمية.
أقر مجلس الوزراء الياباني يوم الجمعة مقترحًا لإنفاق دفاعي يقدر بنحو 9.04 تريليون ين (حوالي 57.9 مليار دولار أمريكي) للسنة المالية التي تبدأ في أبريل 2026. يمثل هذا المبلغ زيادة بنسبة 3.8% عن السنة المالية الحالية، وهو الأعلى على الإطلاق بالنسبة لليابان. يشمل هذا الإنفاق تكاليف متعلقة بمحافظة أوكيناوا، بالإضافة إلى مساهمة اليابان في تكاليف تواجد القوات الأمريكية في المنطقة.
تزايد الضغوط على ميزانية الدفاع اليابانية
يعكس هذا الارتفاع في الإنفاق الدفاعي تحولًا في السياسة اليابانية، مدفوعًا بتقييم متزايد للتهديدات الأمنية المحيطة بها. تعتبر الصين وكوريا الشمالية من أبرز مصادر القلق، خاصةً في ظل التوترات المستمرة بين طوكيو وبكين بشأن قضية تايوان.
أعلنت وزارة الدفاع اليابانية أن النفقات المقومة بالدولار في الميزانية الجديدة قد تم حسابها على أساس سعر صرف يبلغ 149 ينًا للدولار الواحد. ومع ذلك، فإن سعر صرف الين الحالي، الذي يتداول حول 156.10 ينًا للدولار، أضعف من هذا التقدير، مما قد يؤدي إلى زيادة التكاليف الفعلية لشراء المعدات العسكرية المستوردة.
تأثير ضعف الين والتضخم
بالإضافة إلى ضعف الين، يساهم التضخم المحلي في زيادة تكاليف الإنفاق الدفاعي. فقد ارتفعت تكلفة بناء الفرقاطات إلى 104 مليارات ين مقارنة بـ 87 مليار ين قبل عامين، بينما زاد سعر الطائرة المقاتلة الأمريكية من طراز “إف-35 إيه” إلى 18.7 مليار ين بدلاً من 14 مليار ين في عام 2024، وفقًا لبيانات وزارة الدفاع. كما من المتوقع أن يرتفع الإنفاق على الطعام والمؤن لقوات الدفاع الذاتي بنسبة 14% بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
ردود الفعل الدولية
أعربت الصين عن انتقادها لخطط اليابان لزيادة الإنفاق الدفاعي، واصفةً إياها بأنها تعكس “نوايا خبيثة” من جانب القوى اليمينية اليابانية التي تسعى إلى إعادة التسلح وإحياء النزعة العسكرية. وتذكرت الخارجية الصينية بالتاريخ الاستعماري لليابان في الصين، وما تسبب به من معاناة.
من جهة أخرى، تواجه اليابان ضغوطًا متزايدة من الولايات المتحدة لزيادة مساهمتها في التكاليف العسكرية المشتركة. وقد أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أن اليابان يجب أن تتحمل نصيبًا أكبر من تكاليف استضافة القوات الأمريكية على أراضيها، واصفًا الوضع الحالي بأنه “غير عادل”. ومن المتوقع أن تبدأ طوكيو وواشنطن مفاوضات جديدة بشأن اتفاق الدعم المقدم من الدولة المضيفة في العام المقبل.
تحديات التمويل والخطط المستقبلية
على الرغم من الحاجة الملحّة لزيادة الإنفاق الدفاعي، تواجه الحكومة اليابانية صعوبات في تأمين مصادر تمويل مستقرة. وقد استغرق الأمر ثلاث سنوات لتثبيت تدابير التمويل الخاصة بخطة عام 2022، ولم يتفق الائتلاف الحاكم إلا مؤخرًا على البدء في رفع ضريبة الدخل اعتبارًا من عام 2027 لتغطية جزء من العجز المالي.
تعتمد اليابان على زيادة الإيرادات الضريبية لتحقيق هدف الإنفاق الدفاعي الذي حددته، والذي يهدف إلى الوصول إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، فإن النمو الاقتصادي والتضخم يؤثران على القيمة الاسمية للناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل تحقيق هذا الهدف أكثر صعوبة.
أكدت وزيرة المالية اليابانية ساتسوكي كاتاياما على أهمية تعزيز القدرات الدفاعية لليابان، مشيرةً إلى أن ذلك سيعزز موقفها في الحصول على دعم الولايات المتحدة. وقالت كاتاياما إن اليابان يجب أن تثبت استعدادها للدفاع عن نفسها، بغض النظر عن قوة التحالف الأمني مع الولايات المتحدة.
من المتوقع أن تستمر اليابان في زيادة الإنفاق الدفاعي في السنوات القادمة، مع التركيز على تطوير قدرات جديدة لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة. وستراقب الأسواق والمحللون عن كثب تطورات الميزانية، وتأثيرها على الاقتصاد الياباني، والعلاقات مع الدول الأخرى في المنطقة.






