بعد أشهر من التراسل مع الجهات الناظمة والأطراف صاحبة المصلحة، أعلنت شركة ”أوبن إيه آي“ (OpenAI) بأنها تدنو من التحول إلى شركة تقليدية هادفة للربح، وهي خطوة رئيسية في مساعيها لتأمين مليارات أخرى من رأس المال لبناء منتجات ذكاء اصطناعي متطورة.
كجزء من إعادة الهيكلة، تعتزم مالكة ”تشات جي بي تي“ (ChatGPT) تشكيل شركة ذات منفعة عامة يُفترض أن تكون أكثر جاذبية للمستثمرين. سيستمر كيان ”أوبن إيه آي“ غير الربحي بالإشراف على الأعمال التجارية عموماً، وسيحصل على حصة أسهم تزيد عن 100 مليار دولار في الشركة الجديدة.
اتفاق أولي لإعادة هيكلة “OpenAI” للتحول نحو شركة تقليدية
واجهت ”أوبن إيه آي“ معارضة من موظفين سابقين وأكاديميين ومنافسين، منهم إيلون ماسك الذي أثار مخاوف بشأن إعطاء الشركة الأولوية للأرباح على تطوير الذكاء الاصطناعي الآمن. يُعد نهج شركة ذات منفعة عامة محاولة لتحقيق توازن معقد من شأنه أن يخفف تلك المخاوف. إذاً ما هي شركة المنفعة العامة، وكيف سيؤثر التغيير على عمليات ”أوبن إيه آي“؟
ما هي شركة النفع العام؟
وضع قانون في ولاية ديلاوير هذا التصنيف، وهو يسمح للكيانات الربحية بالسعي إلى تحقيق أهداف متوازية تتعلق بتحسين المجتمع. ويتوجب على مديري وتنفيذي شركات النفع العام الموازنة بين مصالح المساهمين ومصالح “المتأثرين مادياً بسلوك الشركة” والمنافع العامة المحددة في ميثاق الشركة. ولا يُلزمون بإعطاء أولوية لمجموعة مصالح على حساب أخرى.
لماذا إنشاء شركة نفع عام؟
لأن هيكل شركة النفع العام يمنح الشركات حرية السعي لتحقيق أهداف اجتماعية ومالية بالتوازي. يمكن أن يسمح ذلك للشركة بتمويل استثماراتها الضخمة بسهولة أكبر مع الاستمرار في اتخاذ موقف ضد المستثمرين الذين يضغطون على الشركة للتخلي عن رسالتها الاجتماعية وإعطاء الأولوية لعوائد مالية أعلى.
كيف يقارن هذا بالهيكل الحالي لشركة ”أوبن إيه آي“؟
تعمل ”أوبن إيه آي“ حالياً في إطار هيكل هجين حيث تعد شركة ”أوبن إيه آي إنكوربوريتد“ مؤسسة غير ربحية وشركة ”أوبن إيه آي ليميتد لايابيليتي كومباني“، التي تملك فيها شركة البرمجيات العملاقة ”مايكروسوفت“ حصة أقلية، تعمل كشركة تابعة تسعى للربح.
يتضمن هذا الهيكل نموذج “الربح المحدد”، حيث يوافق المستثمرون على الحد الأقصى لعوائدهم المالية مع الالتزام بالأهداف الخيرية للمنظمة غير الربحية. وبموجب الخطة المعدلة، ستحول ”أوبن إيه آي“ المنظمة الربحية إلى شركة نفع عام وتزيل الحد الأقصى للعوائد المالية، وهي خطوة من المرجح أن تجذب الداعمين الحاليين والمستقبليين، حتى مع بقاء الكيان غير الربحي مسيطراً.
ما سبب الرهان بمئات المليارات على تقنية ذكاء اصطناعي واحدة؟
قال رئيس ”أوبن إيه آي“ التنفيذي سام ألتمان في مكالمة مع الصحفيين في مايو: “بينما كنا نبحث في خيارات مختلفة، أردنا بالتأكيد شيئاً يناسب المستثمرين، أو على الأقل يعمل بشكل جيد بما يكفي للمستثمرين بحيث يسعدون بمواصلة تمويلنا بالدرجة التي نعتقد أننا سنحتاجها”.
ومع ذلك، ما يزال هيكل الحوكمة قيد التطوير. وبموجب الخطة الجديدة، سيكون للمنظمة غير الربحية مجلس إدارة منفصل عن المنظمة الربحية، لكن سيتألف كلاهما في البداية من المديرين الحاليين للمنظمة غير الربحية. وبمرور الوقت، ستتمكن المنظمة غير الربحية من اختيار أعضاء مجلس الإدارة للمنظمة الربحية.
لكن لم يحدد بعد ما إذا كانت المنظمة غير الربحية ستتمكن من طرد مديري أو مسؤولي ”أوبن إيه آي“ في الشق الربحي، وفقاً لما نقلته بلومبرغ نيوز عن شخص مطلع على الأمر. وهذه تفاصيل بالغة الأهمية، لأن إرساء مجلس إدارة المنظمة غير ربحية فيما مضى أطاح لفترة وجيزة بألتمان من منصب الرئيس التنفيذي في 2023.
ما هي عيوب شركة النفع العام؟
لا يُطلب من شركات النفع العام استخدام أي معايير مستقلة لتقييم الامتثال لأهدافها الاجتماعية أو البيئية، لذا يمكن أن يؤدي ذلك إلى اتهامات “بالتلاعب بالأخلاق”.
هذا موضوع حساس بالنسبة لشركة ”أوبن إيه آي“، التي تتعرض لضغوط متضاربة لتحقيق التوازن بين هدفها المتمثل في بناء “ذكاء اصطناعي آمن ومفيد لصالح البشرية” مع الاستمرار في تحقيق عائد على استثماراتها الضخمة في القدرة الحاسوبية.
شركات النفع العام هي نوع جديد نسبياً من الكيانات القانونية، لذا ليس واضحاً كيف ستفسر المحاكم وتقيس تفويضات زيادة كل من الأرباح والسلع الاجتماعية عندما يتعلق الأمر بشركة ”أوبن إيه آي“. فقط المساهمين الذين لديهم 2% على الأقل من أسهم الشركة يمكنهم مقاضاة الشركة إن لم تف بالتزامها بتحقيق المنفعة العامة.
من يعمل أيضاً كشركة نفع عام؟
حظي هذا الهيكل بشعبية بين شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة التي يرغب مديروها في تحقيق الربح، مع الاستجابة للمخاوف العامة من أن التقنية تشكل تهديداً للبشرية. لدى شركة ”أنثروبيك“، وهي شركة ذكاء اصطناعي تأسست في عام 2021 كشركة نفع عام، مهمة عامة تتمثل في “بناء أنظمة ذكاء اصطناعي موثوقة وقابلة للتفسير والتوجيه”. كما أن شركة ”إكس إيه آي“ (xAI) التابعة لإيلون ماسك من هذا النوع.
من الأمثلة البارزة الأخرى على هذه الشركات خارج قطاع التقنية علامة الأحذية ”أول بيردز“ (Allbirds) وشركة النظارات ”وربي باركر“ (Warby Parker). لكن نهج ”أوبن إيه آي“ يختلف نظراً للقوة المستمرة لمؤسستها غير الربحية.
ما الخطوات المتبقية قبل إكمال إعادة الهيكلة؟
تخوض”أوبن إيه آي“ و“مايكروسوفت“ محادثات منذ أشهر لإعادة هيكلة علاقتهما، ويهدف ذلك جزئياً إلى ضمان موافقة ”مايكروسوفت“ على إعادة هيكلة الشركة الناشئة.
في سبتمبر أعلنت الشركتان أنهما وقعتا “مذكرة تفاهم غير ملزمة للمرحلة التالية من شراكتنا”. كما قالتا إنهما “تعملان بنشاط على الانتهاء من الشروط التعاقدية في اتفاقية نهائية”.
“أوبن إيه آي”: إنفاقنا قد يتجاوز 115 مليار دولار حتى 2029
ليس الحصول على موافقة ”مايكروسوفت“ العقبة الوحيدة أمام محاولات ”أوبن إيه آي“ لإعادة الهيكلة. يراجع المدعي العام لولاية كاليفورنيا روب بونتا والمدعية العامة لولاية ديلاوير كاثي جينينغز التغييرات المالية والحوكمة المقترحة للشركة. في سبتمبر، أصدر مكتبيهما خطاباً مشتركاً إلى مجلس إدارة ”أوبن إيه آي“ يعرب عن مخاوف بشأن التقارير الأخيرة حول كيفية تفاعل منتجات ”أوبن إيه آي“ مع الأطفال، بما في ذلك أحد سكان كاليفورنيا الذي قال بونتا إنه مات منتحراً بعد تفاعله مع روبوت محادثة.
تواجه ”أوبن إيه آي“ أيضاً معارضة لإعادة هيكلتها من ماسك، وهو أحد الداعمين الأوائل الذي انفصل عن الشركة واتهم الشركة الناشئة بالاحتيال على المستثمرين بشأن التزامها بمهمتها الخيرية في دعوى قضائية نشطة. رفضت شركة ”أوبن إيه آي“ ادعاءات ماسك وقالت إن الملياردير يحاول إبطاءها.