Site icon السعودية برس

وسط نزاع ترمب-ماسك.. هل تتمكن “ناسا” من العمل دون “سبيس إكس”؟

من بين كل التهديدات التي تبادلها الرئيس دونالد ترمب وإيلون ماسك عند انهيار تحالفهما، قد تسبب تلك المرتبطة بعقود ماسك مع الحكومة الأميركية الضرر الأكبر.

ففي أحد السجالات الحادة التي اندلعت نتيجة انتقاد ماسك لمشروع قانون ترمب الرئيسي للضرائب والهجرة، هدد الرئيس الأميركي بإلغاء عقود فيدرالية بأكثر من 22 مليار دولار مع “سبيس إكس” (SpaceX)، الشركة التي يديرها الملياردير. فيما أعلن ماسك أنه سيوقف تشغيل مركبة الفضاء التي تستخدمها “سبيس إكس” لنقل الإمدادات والأفراد إلى محطة الفضاء الدولية، قبل أن يتراجع عن هذا التصريح.

ترتبط وكالة “ناسا” (NASA) والبنتاغون بعلاقات وثيقة مع “سبيس إكس”، المتخصصة في إطلاق الصواريخ وتقديم خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، بعد التعاقد معها على أداء مهام بالغة الأهمية. وسيُعد الانسحاب من هذه الاتفاقات خطوة يترتب عليها خللاً كبيراً، وتنطوي على تعقيدات قانونية بالغة، إذ يصعب توقع كيفية وقف التعاون بينهم فجأة، حتى لو رغبوا في ذلك حقاً.

ماذا تقدم “سبيس إكس” إلى “ناسا”؟

أصبحت “سبيس إكس” مقدمة خدمات الإطلاق الرئيسية لـ”ناسا”، كما أن الشركة طورت صاروخ “فالكون 9” (Falcon 9) وكبسولة “دراغون” (Dragon) بمساعدة تمويلية من الوكالة لنقل الإمدادات، والأفراد أيضاً في الفترة الحالية، إلى محطة الفضاء الدولية. كذلك تعمل “سبيس إكس” على صنع مركبة تُخرج المحطة من مدارها بعد إخراجها المتوقع من الخدمة بنهاية 2030.

كما تعاقدت “ناسا” مع الشركة لتحويل صاروخ “ستارشيب” (Starship) العملاق إلى مركبة للهبوط على القمر، بوسعها نقل رواد الفضاء إلى القمر ضمن برنامج “أرتميس” التابع للوكالة. علاوةً على ذلك، تُعد “سبيس إكس” طرفاً رئيسياً في العديد من بعثات “ناسا” إلى الفضاء العميق؛ حيث استخدمت الوكالة صاروخ “فالكون هيفي” (Falcon Heavy) في أكتوبر لإطلاق مركبة فضاء مصممة لاستكشاف قابلية الحياة على قمر أوروبا المغطى بالثلوج الذي يدور حول كوكب المشتري.

ما الخدمات الأخرى التي تقدمها “سبيس إكس” إلى الحكومة الأميركية؟

أرست وزارة الدفاع على “سبيس إكس” عقوداً غير مصنفة سرية لا تقل قيمتها عن 6.2 مليار دولار منذ 2003 مقابل خدمات الإطلاق وتكنولوجيا الأقمار الصناعية. ويُعد “فالكون هيفي” و”فالكون 9″ ضمن مجموعة نخبة الصواريخ القادرة على إطلاق أقمار صناعية مخصصة للأمن القومي لصالح قوات الفضاء الأميركية.

كما يستخدم البنتاغون شبكة “ستار شيلد” التي طورتها “سبيس إكس”، وهي نسخة عسكرية من شبكة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية التي طورتها الشركة، وتوفر إشارات سرية مشفرة، ما يجعل اختراقها أو التشويش عليها أكثر صعوبة.

لماذا تعتمد “ناسا” على شركة خاصة مثل “سبيس إكس”؟

يربط الناس في الأغلب بين “ناسا” والصواريخ التي تنطلق من كيب كانافيرال، وهذا أمر مفهوم، إذ أدارت الوكالة خلال أغلب تاريخها كل أوجه بعثاتها إلى الفضاء، ما يشمل تصميم وتصنيع وتشغيل المعدات اللازمة للوصول إلى الوجهة.

لكن الوكالة غيرت وضعها خلال العقدين الماضيين من مُشرفة ومشغّلة لمعدات الصواريخ الجديدة إلى عميل يشتري من الشركات الخاصة ما يحتاجه من خدمات، سعياً لتوفير الوقت والمال.

بدأت الوكالة في عهد إدارة جورج بوش تدرس إسناد مزيد من الأعمال إلى القطاع الخاص، وتضمنت خطة “رؤية استكشاف الفضاء” (Vision for Space Exploration)، التي أعلن عنها الرئيس بوش في 2004، التخلي التدريجي عن المكوك الفضائي دون توفير بديل في الوكالة.

بدلاً منذ ذلك، وجهت “ناسا” دعوة لشركات الصواريخ التجارية لتطوير مركبات بمقدورها نقل الشحنات إلى محطة الفضاء الدولية، على غرار ما كان يفعله المكوك. وعبر هذا البرنامج، طورت “سبيس إكس” صاروخ “فالكون 9″، وكبسولة “دراغون” لنقل الإمدادات إلى محطة الفضاء لصالح “ناسا”.

كثّف الرئيس باراك أوباما وتيرة استعانة “ناسا” بمقدمي الخدمات التجاريين، كما دعا الشركات إلى تطوير وسائل لنقل الأفراد إلى محطة الفضاء الدولية. واستجابت “سبيس إكس” للدعوة، وحولت كبسولة “دراغون” إلى مركبة بوسعها نقل البشر أيضاً.

انخفضت حصة “ناسا” من الميزانية التقديرية الفيدرالية المخصصة للوكالات خلال العقود الثلاثة الماضية، ما دفع إدارتها إلى دراسة سبل لخفض التكاليف. وكشفت الوكالة في 2020 أنه يُتوقع أن يؤدي “برنامج الطاقم التجاري” (Commercial Crew Program)، وهي مبادرة تهدف إلى مواصلة نقل الأطقم إلى محطة الفضاء الدولية باستخدام مركبات الفضاء التي تصنعها وتشغلها شركات مثل “سبيس إكس”، إلى توفير ما بين 20 و30 مليار دولار تقريباً.

هل بوسع شركات أخرى إطلاق الصواريخ لصالح “ناسا”؟

نعم. فـ”يونايتد لاونش أليانس” (United Launch Alliance)- المشروع المشترك بين “بوينغ” و”لوكهيد مارتن”- و”نورثروب غرومان”، و”بلو أوريجين” (Blue Origin) المدعومة من جيف بيزوس، و”روكيت لاب”، و”فاير فلاي إيروسبيس” (Firefly Aerospace)، كلها شركات لديها عقود لإطلاق الصواريخ لصالح “ناسا”.

مع ذلك، لم تطرح “يونايتد لاونش” و”بلو أوريجين” صاروخيهما الرئيسيين الجديدين، “فولكان” و”نيو غلين” على التوالي، سوى في الآونة الأخيرة، وتمضي وتيرة تشغيل المركبتين ببطء. كذلك، يخضع صاروخ “أنتاريس” من إنتاج “نورثروب” لعملية تحديث طويلة، بينما لا تندرج الصواريخ التي تشغلها “روكيت لاب” و”فاير فلاي” في نفس فئة “فالكون 9”. وتصمم الشركتان صواريخ أكبر قد يمكنها المنافسة، لكنها غير متوفرة حتى الآن.

لا تقترب أي شركة أخرى من مضاهاة وتيرة إطلاق “سبيس إكس” ولا موثوقيتها، إذ استأثرت بنحو 90% من عمليات الإطلاق إلى المدار في الولايات المتحدة العام الماضي، بحسب تقرير أصدرته “إيفر كور آي إس آي” (Evercore ISI) في مايو. كما أن صاروخي “فالكون 9″ و”فالكون هيفي” قابلان لإعادة الاستخدام جزئياً، وتزعم “سبيس إكس” أن هذا أسهم في خفض تكاليف الإطلاق.

كم تبلغ قيمة عقود “ناسا” مع “سبيس إكس”؟

منذ بدء الشراكة بينهما في 2006، أبرمت الشركة مع “ناسا” عقوداً بأكثر من 16 مليار دولار. وقد أرست الوكالة على “سبيس إكس” عقوداً بقيمة 4 مليارات دولار ليهبط “ستارشيب” حاملاً رواد فضاء أميركيين على القمر اعتباراً من 2027. كما تبلغ قيمة العقد الذي أُرسي على الشركة لصنع مركبة بوسعها إخراج محطة الفضاء الدولية عن مدارها 843 مليون دولار.

استحوذت الشركة على نحو 10% من إنفاق “ناسا” المسجل على العقود في العام الماضي، والذي بلغ إجمالاً 21 مليار دولار، بحسب البيانات التي جمعتها “بلومبرغ”. وبذلك تصبح “سبيس إكس” ثاني أكبر مؤسسة مستفيدة من ميزانية الوكالة لعام 2024 بعد معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا “كال تك” (Caltech)، المؤسسة البحثية الخاصة التي تستضيف مختبر الدفع النفاث التابع لـ”ناسا”.

قلل ماسك في يونيو من أهمية اعتماد شركته على “ناسا”، وأوضح أن إيرادات “سبيس إكس” ستبلغ نحو 15.5 مليار دولار في 2025، تمثل منها “ناسا” حوالي 1.1 مليار دولار.

هل يمثل اعتماد “ناسا” على “سبيس إكس” مشكلة؟

اعتباراً من يوليو، تُعد “سبيس إكس” خيار “ناسا” الأميركي الوحيد المعتمد لنقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية. بينما تمثل صواريخ “سويوز” (Soyuz) الروسية البديل المُجرب والموثوق.

الولايات المتحدة وروسيا شريكتان في محطة الفضاء الدولية، حتى حينما تدهورت علاقاتهما بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في 2022، واصلت “ناسا” استخدام صواريخ “سويوز” في عدد من الرحلات إلى المحطة. ولا تزال الولايات المتحدة تستخدم صواريخ “سويوز” من حين لآخر، كان أحدثها لنقل رائد الفضاء جوني كيم برفقة رائدين روسيين إلى المحطة في أبريل.

تقتصر رحلات مركبة “سيغنوس” (Cygnus) التابعة لـ”نورثروب” على نقل الشحنات إلى المحطة، واستخدمت “ناسا” في الآونة الأخيرة “فالكون 9” لوضع “سيغنوس” في المدار، بدلاً من صاروخ “أنتاريس” الذي تنتجه “نورثروب”.

ينظر خبراء القطاع إلى هيمنة “سبيس إكس” في سوق عمليات الإطلاق على أنها نقطة ضعف لـ”ناسا”، ودعوا إلى زيادة المنافسة.

وأوضحت إميلي هورن، المتحدثة السابقة باسم مجلس الأمن القومي والمستشار الأول لشركة الاستشارات الحكومية “ويست إيكزيك أدفايزرز” (WestExec Advisors)، لـ”بلومبرغ” في يونيو، أنه “من غير المناسب أن تعتمد الحكومة على شركة واحدة في مهمة حيوية للأمن القومي”.  وأضافت أن خلاف ماسك مع ترمب “يمثل لحظة إدراك عميق لهذه المسألة بشكل خاص”.

هل بمقدور ترمب إلغاء العقود الحكومية مع “سبيس إكس”؟

يملك ترمب الصلاحية القانونية لفعل ذلك، لكن هذا قد يؤدي إلى توقف برنامج الفضاء الأميركي فعلياً.

رغم أن معظم العقود الفيدرالية تتضمن بنوداً تسمح “بالإنهاء الاختياري”، فإن القيام بذلك غالباً ما يفرض على الحكومة تعويض المتعاقدين عن مليارات الدولارات من التكاليف الغارقة والعالقة.

كذلك، فإن الطابع العلني للخلاف بين ترمب وماسك يُحتمل أن يساعد ماسك في الاعتراض على إنهاء أي عقد أمام القضاء، إذ قد يُثبت أنه ناتج عن دوافع سياسية وليس بسبب أي إخفاق في الأداء من جانب “سبيس إكس”، أو تغيير في أولويات “ناسا”.

من قد يتولى المهمة في حال تنحية “سبيس إكس” عن المشهد؟

إذا بدأت “ناسا” برنامجاً جديداً كاملاً للصواريخ، فإن تنفيذه سيستغرق سنوات طويلة، وهي فترة أطول من اللازم لتتمكن من منافسة “سبيس إكس” في الرحلات المتجهة إلى محطة الفضاء الدولية قبل إخراجها من الخدمة.

طرحت “يونايتد لاونش” صاروخها الجديد “فولكان” (Vulcan)، الذي يُعد منافساً محتملاً لـ”فالكون 9″، في 2024، لكن أحد معززيّ الدفع تعرض لانفجار طفيف خلال ارتفاع الصاروخ. وتخطط الشركة لأقل من 10 عمليات إطلاق هذا العام، بما يشمل “فولكان” وصاروخ “أطلس” الأقدم طرازاً، وتصب تركيزها حالياً على الحمولات المرتبطة الأمن القومي وتلك ذات الطابع التجاري، بدلاً من الاهتمام ببعثات “ناسا”.

أما “بلو أوريجين” المدعومة من بيزوس، فهي خصم آخر ليس جاهزاً لمنافسة شركة ماسك. فأطلقت “بلو أوريجين” صاروخ “نيو غلين”، الذي طال انتظاره، لأول مرة في يناير، وكشفت أن الرحلة الثانية قد تنطلق في الربيع. لكن هذا لم يحدث. ويُحتمل حالياً أن يُجرى الإطلاق المقبل في موعد أقربه أغسطس، بحسب الشركة.

تواصل “ناسا” إطلاق صواريخها خلال الفترة الحالية، لكن الخيارات أمامها محدودة. فأطلقت الوكالة في 2022 “نظام الإقلاع الفضائي”، الذي طورته “بوينغ”، وأرسلته في رحلة حول القمر في بعثة أُطلق عليها اسم “أرتميس 1”. وتعتزم الوكالة إطلاق الصاروخ في بعثة مأهولة ثانية حول القمر باسم “أرتميس 2” في 2026.

لكن “نظام الإقلاع الفضائي” مُصمم لاستكشاف الفضاء العميق. أما متى تعلق الأمر بنقل الشحنات والأفراد إلى المدار الأرضي المنخفض، فلا يوجد من يضاهي “سبيس إكس” حتى الآن.

Exit mobile version