Site icon السعودية برس

ورثة تريليون دولار في الخليج عينهم على صناديق التحوط والعملات المشفرة

في عام 2020، تقدّم شقيقان شابان من عائلة تجارية خليجية عريقة يعود تاريخها إلى 135 عاماً، إلى أحد مديري ثروة العائلة باقتراح، وهو الاستثمار في عملة “بتكوين”. 

التوأمان عبدالعزيز وعبدالله كانو، وهما من الجيل الخامس للعائلة، كانا مستثمرَين في رأس المال الجريء، لكنهما لم يقدّما من قبل أي مقترح استثماري إلى مكتب العائلة.

جيمس بيرك، الذي يشرف على وحدة استثمارات العائلة في أسواق الأسهم والأوراق المالية المدرجة، كان قلقاً من أن تنعكس هذه المراهنة سلباً، فشرع في إعداد ورقة تحليلية لتفنيد المقترح. لكنّه أدرك في نهاية المطاف أن الشابين، البالغين من العمر 22 عاماً، ربما توصلا إلى فكرة واعدة.

عرض بيرك الفكرة على لجنة الاستثمار في مجموعة كانو، التي صوّتت بتأييد المقترح، باستثناء بعض الأعضاء الأكبر سناً الذين تحفظوا عليها. استثمر بيرك مبلغاً محدوداً في عملة بتكوين، وتمكّن العام الماضي من بيعها محققاً أرباحاً. 

قد يهمك: مكتب العائلة” يطلق منصّة الاستثمار القائم على الأهداف

تأسيس شركة مالية متخصصة

التوأمان، اللذان يبلغان الآن 28 عاماً، أسّسا شركة خدمات مالية مستقلة متخصصة بالأصول الرقمية، تستثمر في العملات المشفّرة لصالح عملاء خارجيين ومكاتب عائلية أخرى. وواصل مكتب العائلة انكشافه على سوق العملات المشفّرة، لكنه فضّل هذه المرة الدخول إليها عبر صناديق التحوّط. كما يفتح الاستعداد لتجربة فئة أصول جديدة نافذة على التحوّلات التي تشهدها مجموعة من أكبر الثروات العائلية في العالم. 

نقل الثروات للجيل القادم

العائلات الثرية في المنطقة، التي يُتوقّع أن تنقل ثروات تُقدّر بنحو تريليون دولار إلى الجيل المقبل خلال آتي السنين، باتت تميل باطراد إلى الاستعانة بمديري ثروات محترفين. وعلى الصعيد العالمي، يُقبل الأثرياء على الاستثمار في فئات أصول جديدة.

 إلا أن التحوّلات داخل العائلات في الخليج، تبدو لافتة وتخضع لمتابعة دقيقة، إذ إن هذه العائلات كانت لعقود طويلة تركز استثماراتها في العقارات أو في شركاتها الخاصة. بينما لم ُتتح للشركات الأجنبية سوى فرص محدودة للنفاذ إلى أموال العائلات الثرية في الخليج.

اقرأ أيضاً: الإمارات تحث العائلات الثرية على حوكمة توريث أعمال بتريليون دولار 

توسّع البنوك العالمية في الخليج

أما اليوم، فتُوسع البنوك ومنها “سيتي غروب” و”باركليز” و”دويتشه بنك” حضورها في منطقة الخليج من خلال تعيين كوادر جديدة لتعزيز وحدات إدارة الثروات المحلية.

وبعض المكاتب العائلية، مثل “مجموعة كانو”، كانت تستثمر منذ سنوات في صناديق التحوّط والائتمان الخاص، لكن مع انضمام عدد متزايد من المكاتب إلى هذا المسار، يُتوقَّع أن يجني كلا القطاعين فوائد أكبر.

اقرأ أيضاً: “HSBC” قادم جديد لإدارة الثروات في الإمارات

يرى ماتياس غونزاليس، رئيس قسم الاستثمارات لدى بنك “باركليز” الذي يقدّم خدمات إدارة الثروات للأفراد والعائلات الثرية في منطقتي الشرق الأوسط وسويسرا، في مقابلة أن “الكثير من الثروات التي جُمعت في الشرق الأوسط تمرّ حالياً بمرحلة انتقالية غير مسبوقة من حيث الحجم والتأثير”. 

هذا التحوّل يستقطب اهتمام المستشارين وشركات المحاماة وغيرهم من الخبراء المتخصصين في مجال تخطيط الممتلكات.

دبي وأبوظبي مركزان لصناديق التحوّط

 تحوّل مركز دبي المالي إلى مقر لأكثر من 70 صندوق تحوّط، فيما تستضيف العاصمة أبوظبي عمالقة مثل “بيرفان هوارد أسيت مانجمنت” (Brevan Howard Asset Management) و”مارشال ويس” (Marshall Wace). 

وبحسب إدون لورنس، الرئيس التنفيذي لشركة “نيتستون كابيتال أدفايزرز” (Nettlestone Capital Advisors) في دبي، التي تقوم بدور الوسيط بين صناديق التحوط والمستثمرين الإقليميين، فإن تزايد حضور صناديق التحوط في المنطقة شجع على تدفق الاستثمارات، إذ بات المديرون قادرين على لقاء العائلات مباشرة.

أضاف أن فرق الاستثمار داخل المكاتب العائلية أصبحت أكثر نضجاً وخبرة وقدرة على إعداد عمليات الفحص والتقييم الاستثماري بنفسها، بدلاً من الاكتفاء بتوصيات البنوك. 

اقرأ أيضاً: نمو قياسي لمركز دبي المالي بفضل صناديق التحوط وإدارة الثروات

الاستثمار الصغير وأهميته لصناديق التحوّط الصغيرة

يشير لورنس إلى “الاستثمار بمبلغ 5 ملايين دولار يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً بالنسبة لصندوق تحوّط صغير، وهو ما ينسجم مع رغبة المكاتب العائلية في تحقيق التنويع داخل محافظها الاستثمارية”. 

مع ذلك، فإن جذب أموال المكاتب العائلية الخليجية ليس سهلاً. أفاد تقرير صادر عن “إتش إس بي سي” و”كامدن ويلث” (Campden Wealth) بأن محافظ المكاتب العائلية في المنطقة ما تزال أكثر سيولة، وتحتوي على نسب أعلى من الاستثمارات العقارية مقارنة بنظيراتها في أميركا الشمالية وأوروبا. كما أن استثماراتها في فئات الأصول الأعلى مخاطرة، مثل صناديق التحوط والعملات المشفرة والائتمان الخاص، ما تزال محدودة.

وبناءً لمستشارين فإن هذه العائلات تواجه غالباً خلافات في الرؤى بين الجيل الشاب والأجيال الأكبر سناً الأكثر تحفظاً.  وتتّبع بعض العائلات عدة طبقات من آليات المراجعة والموافقة قبل اتخاذ قرارات الاستثمار. 

يصرح عبد الله كانو في مقابلة: “كونك شركة عائلية يعني أنه عليك المرور بعدة مستويات من الحوكمة وإدارة المخاطر قبل اتخاذ أي قرار”. تنحدر “مجموعة كانو” من البحرين، فيما وُلد التوأمان في السعودية ويقيمان حالياً في دبي. مع ذلك، يبدو أن مزيداً من أموال المكاتب العائلية في الخليج الرعبي تتجه بالفعل نحو الاستثمار في أصول حول العالم.

توظيف مديري استثمار محترفين

يفيد بهاسكار داسغوبتا، رئيس شركة “أبيكس” (Apex) لمنطقة الشرق الأوسط والهند، والمتخصصة في تقديم خدمات لصناديق التحوط، أن العائلات المحلية باتت توظف الآن مديري استثمار محترفين أكثر دراية بصناديق التحوط.

وأفصح: “العملات المشفّرة تحظى بشعبية كبيرة بين العائلات الإماراتية المحلية.. كما أن الاستثمارات في صناديق التحوط تشهد نمواً مطرداً”. كاشفاً أن الجيل الشاب، الساعٍ نحو استثمارات مؤسسية أكبر، بدأ يستثمر في صناديق التحوط المرتبطة بالأصول الرقمية، أو الصناديق المرمّزة أو الأصول الحقيقية المرمّزة مثل العقارات.

وبأخذ داسغوبتا من فعالية نظّمتها شركة “أبيكس” في أبوظبي العام الماضي مثالاً، حيث شهدت طلباً واسعاً على استراتيجيات صناديق التحوط، وجاءت أربع أو خمس استراتيجيات-مثل الشراء والبيع لتحقيق مكاسب من جانب الصعود والهبوط، وماكرو للتربح من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية الكبيرة، ضمن المراتب العشر الأولى بين الخيارات المفضّلة لدى مديري الأموال العائلية المحلية.

المشاركة في رأس المال الخاص

في غضون ذلك، أوضح استطلاع منتدى “ثروات” الإقليمي للأعمال العائلية أن أكثر من 70% من 34 مكتباً عائلياً في الشرق الأوسط شاركوا في استثمارات رأس المال الخاص بصفتهم مستثمرين مشاركين. في المقابل، يستثمر نحو 60% منهم أيضاً في رأس المال الجريء، بحثاً عن فرص لدعم وتمويل الشركات الناشئة.

 وينوّه هانِس هوفمان، الرئيس العالمي لمجموعة المكاتب العائلية في “سيتي غروب”، بأن المحافظ الاستثمارية باتت أكثر تنوعاً، مع توجيه نسب كبيرة إلى الولايات المتحدة، وبعضها إلى أوروبا، وتزايد متواصل للاستثمارات في آسيا.

باتت دبي وأبوظبي مواطناً لعائلات ثرية قادمة من مناطق مختلفة حول العالم. وتؤدي هذه الهجرة الضخمة للثروات إلى انكشاف المكاتب العائلية الإقليمية على اتجاهات واستراتيجيات استثمارية جديدة. 

التركيز على الاستثمارات البديلة

أحمد الأحمدي، الرئيس التنفيذي لشركة “الباهر العقارية”، يساهم في إدارة مكتب العائلة الاستثماري ومقره في أبوظبي. ويقول الأحمدي، 32 عاماً، وسبق أن عمل لدى بنك دولي وصناديق سيادية محلية، إن العائلة أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر نشاطاً في الاستثمارات البديلة بالتعاون مع مؤسسات ذات سمعة طيبة.

على سبيل المثال، ركزت العائلة على منح الائتمان الخاص للشركات المتوسطة الحجم في الولايات المتحدة؛ “كما تماهينا في المكتب مع نهج صناديق التحوط، وأصبحنا أنشط في تداول الخيارات والمشتقات المالية بهدف تعزيز العوائد”، بحسب الأحمدي.

اقرأ أيضاً: “ستون بيك” للاستثمارات البديلة تؤسس مقراً في أبوظبي

الجيل الشاب واستثمارات مستدامة

الجيل الشاب في الخليج لم يعد يركز فقط على الأرباح، بل يسعى أيضاً لتحقيق أهداف أوسع وأكثر استدامة. كيفن شلهوب، 31 عاماً، وهو من عائلة شلهوب الفرنسية-السورية العاملة في تجارة السلع الفاخرة، يدير شركة لتأجير السيارات الكهربائية وتشغيلها في دبي، ويقول إنه يسعى لإقناع عائلته بالاستثمار في المجالات المرتبطة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG).

أوضح شلهوب في مقابلة: “لا أعتبر الأمر صراعاً بين الجيل الجديد والقديم، لكنني أرى أن هناك وعياً متزايداً بأهمية الاستدامة… العائلة تفكر في مستقبل أبنائها وحال الكوكب الذي سيعيشون عليه”.

Exit mobile version