Site icon السعودية برس

هل سيقضي “تشات جي بي تي” على أخلاقنا وتهذيبنا؟

هل جرب أي منكم اختبار هوية الذكاء الاصطناعي لدى “بلومبرغ”؟ لقد خضت ذلك، وصنّفني على أنني “متفائل حذر”. بدا ذلك صحيحاً، لكن تفاؤلي خضع لاختبار الأسبوع الماضي.

لم يكن هذا الاختبار نتيجة قراءة كتاب “إن بناه أحد، سيموت الجميع”، ولم أكن أحاول تحديد ما إذا كان روبوت الدردشة سيكذب أو يخطئ أو يكشف عن جوانبه غير الأخلاقية. بل كنت أستمع إلى زميل يقدّم لي شرحاً تعليمياً عن كيفية استخدامه.

قال: “لا تكن مهذباً”، وهو يحذف كلمة “من فضلك” أثناء تعديل أمر كان يوشك على إرساله إلى “تشات جي بي تي”. أضاف: “إن قول من فضلك يسبب هدراً لطاقته وموارده. فلتكن مباشراً”.

بيع الوهم.. نجوم افتراضيون من الذكاء الاصطناعي يقتحمون عالم البشر

تبادر لذهني أنه إذا تعلّم الناس التوقف عن استخدام لغة مهذبة عند التحدث إلى مساعد شبيه بالبشر، ألن يقلّ احتمال استخدامهم للغة مهذبة عند التحدث إلى أناس آخرين؟

إن اللياقة والأخلاق عادات. بمجرد تكوينها، تصبح طبيعةً ثانيةً. لكن إذا أصبح استخدام الذكاء الاصطناعي أيضاً طبيعة ثانية، كما يحدث مع أفضل التقنيات في نهاية المطاف، هل سيُضعف المجاملات البسيطة الضرورية للعلاقات الإنسانية؟

بعد أن قدّم “تشات جي بي تي” المسودة الأولى، أنهى مُدرّب الذكاء الاصطناعي سؤالاً طويلاً بأن كتب بأحرف كبيرة توحي بفوقية الخطاب: “عليك أن تقدم ما هو أفضل. يمكنك أن تقدم ما هو أفضل بكثير”.

اختيار الأحرف الكبيرة بالإنجليزية يسيء للكاتب والمتلقي

تبادر لي أن هذه لهجة عدائية. غالباً ما تُقارن روبوتات الدردشة بالمتدربين ذوي الكفاءة العالية الذين يحتاجون إلى توجيه مُحدد، لكن هذا بدا أشبه بمدرب كلاب يوبخ جرواً أو مدرب كرة قدم يوبخ لاعباً في خط الدفاع أخطأ في التصدي.

تخيل كتابة رسائل نصية أو رسائل بريد إلكتروني مليئة بالأوامر لزملاء العمل بأحرف كبيرة. قد لا يكون هذا انتهاكاً بمقاييس قسم الموارد البشرية، لكنه ليس الطريق لتصبح المدير العام أيضاً.

هل ستجعل المحادثات مع روبوتات الذكاء الاصطناعي الوقاحة أمراً طبيعياً؟ حاولتُ الاستفسار عن ذلك بألطف طريقة ممكنة، فقلت: “هل يتعرّف روبوت الدردشة على الأحرف الكبيرة على أنها تُعبّر عن تركيز وإلحاح مُفرطين؟”

كان مدربي مباشراً بجوابه، إذ قال: “نعم، أفضل طريقة هي الصراخ”، وقد جعلت هذه الإجابة قلبي ينقبض، فقد وصل الصياح في خطاباتنا العمومية مستويات مروعة، والآن تحفّزه أشد تقنيات عصرنا ثوريةً.

كفوا عن مقارنة الذكاء الاصطناعي بالبشر عبثاً

بعد ساعتين، التقيتُ بزوجتي على العشاء في قرية غرينتش في مطعم “أرتورو” للبيتزا على الفحم، الذي تأسس عام 1957. جلسنا إلى الطاولة واستمعنا إلى موسيقى جاز خافتة لثلاثي عازفين، وهمسات رجل يتناول طعامه بمفرده. بدا كل شيء طبيعياً، حتى رفعت رأسي ورأيت روبوتاً بشرياً.

لم أتوقع أن أشهد المستقبل في مطعم بيتزا عتيق، لكنه كان هناك، يرتدي ملابس رمادية بالكامل، ويتحرك بثبات لكن بتأنٍّ وهو يخرج من المطعم. لم تكن لدينا أدنى فكرة من أين جاء أو ما الذي كان يحدث.

كان عليّ أن أسأل الرجل الذي يحمل كاميرا كبيرة ويصوّر الروبوت، لكنه كان مشغولاً بالتصوير، وكنتُ مشغولاً بتناول بيتزا سجق وبصل.

“يونيتري” الصينية: الروبوتات الشبيهة بالبشر ما زالت تفتقر إلى الذكاء الاصطناعي

بعدما شاهدت الروبوت يحيي الناس على الرصيف، لاحظت رسالة نصية من صديقٍ ينتج ناديه للكتاب مجلةً أدبية.

كنتُ قد ساعدتُ حديثاً في تحكيم مسابقة للنشر، إذ قيل لنا إن إحدى القصص كُتبت بمساعدة الذكاء الاصطناعي، ولكننا لم نُحدد أيها. أكدت الرسالة أسوأ مخاوفي: كان اختياري لأفضل قصة وأفضل كتابة هو المُقدم بمساعدة الذكاء الاصطناعي.

ربما يكون هذا سبباً للتفاؤل، فالذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُساعد في العملية الإبداعية، لكنني وجدت ذلك مُحبطاً. كثير من التاريخ هو احتفالٌ بالعبقرية الإبداعية. فما الذي تركه لنا الذكاء الاصطناعي لنحتفل به في الفنون، مساعدة الروبوت؟

تأدب بشري ذكي، فهل نقود أو نُقاد؟

بعد العشاء، مشينا مسافة مربعين سكنيين إلى مؤسسة عريقة في البلدة هي “ذا بيتر إند”، وهو نادٍ موسيقي استضاف بوب ديلان وستيفي وندر وجوني ميتشل وعدداً يكاد لا يُحصى من الفنانين الأسطوريين الآخرين.

كنا هناك لمشاهدة صديقنا كزافييه كاردريش يقدم عرضاً موسيقياً. بين الأغاني، رحّب بالجمهور بلغات متعددة، فالنادي يجذب جمهوراً من جميع أنحاء العالم، ثم نطق بكلمات متنوعة بلغات مختلفة جعلت الجمهور، وأنا منهم، يتساءل عما قاله.

شرح أنه نطق بأهم الكلمات التي تجب معرفتها (إلى جانب شراب الشعير والحمام) عند السفر وهي: من فضلك، شكراً، ومعذرةً، وقال إنها تحدث فرقاً كبيراً.

الذكاء الاصطناعي لا يكذب فحسب… بل يعبث بذاكرتك الشخصية

كان هذا هو الدرس الثاني لهذا اليوم عن الذكاء، لكن هذه المرة كان حقيقياً، ونابعاً من التجربة الإنسانية. إن الاحترام الذي تحمله كلماته البسيطة جزء صغير ولكنه أساسي من كيفية تعاملنا مع الآخرين، وحتى، كمجتمع ديمقراطي، نعزف الموسيقى معاً.

في صباح اليوم التالي، بينما كنت أخرج من عربة المترو متجهاً نحو الدرج، توقفت المرأة التي أمامي فجأةً وعكست اتجاهها، وكادت تصطدم بي. قالت: ”معذرةً”. فرددتُ بتلقائية: “آسف”.

ربما مع تطور الذكاء الاصطناعي، يُمكننا تعليم روبوتات الدردشة والروبوتات الإصرار على معاملتها بأدبٍ أساسي، بدلاً من تعليم الناس التعامل معها باستخفاف. أنا متفائلٌ بحذر.

Exit mobile version