Site icon السعودية برس

هل روسيا تسعى لقتل رئيس تنفيذي ألماني؟

كانت ليلة صافية في أواخر أبريل 2024 حين تسلل مشعلو حرائق إلى حي سكني أنيق في هيرمانسبورغ، وهي قرية ألمانية يسكنها نحو 8000 نسمة وتجاورها سهول زراعية ومحميات طبيعية حراجية وقواعد عسكرية.

تحت جنح الظلام، وصلوا إلى منزل كبير مبني من طوب أحمر، حيث أضرموا النار في بيت حديقة خشبي وشجرة زان شاهقة في فنائه، وفروا قبل وصول رجال الإطفاء. استيقظ الجيران في صباح اليوم التالي على رائحة الخشب المحترق.

مالك ذلك المنزل هو أرمين بابرغر، الرئيس التنفيذي لشركة ”راينميتال“ أكبر شركات الدفاع في ألمانيا. لم يكن بابرغر، وهو مهندس مكتنز القوام أبيض الشعر بلغ من العمر 62 عاماً، في المنزل في ذلك الوقت.

في الواقع، يقول السكان المحليون إنه لم يتواجد هناك منذ 2022، عندما شنت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا. لقد جعلت الحرب بابرغر رجلاً كثير الانشغال، فقد كان يحول عملاقة صناعة غافية إلى عملاقة صناعة دفاع دولية كانت تستعد لتجني إيرادات تداني 10 مليارات يورو (11.6 مليار دولار) في ذلك العام.

وقد زودت ”راينميتال“ أوكرانيا بالفعل بمركبات مدرعة وشاحنات عسكرية وذخيرة، وأعلن بابرغر حديثاً عن خطط لإنشاء أربعة مواقع لإنتاج الأسلحة داخل البلاد.

رسالة مشبوهة وتحذير أميركي

سرعان ما ظهرت رسالة مجهولة المصدر على منصة يسارية على الإنترنت تتبنى المسؤولية عن هجوم الحرق العمد. وانتقدت الرسالة ”راينميتال“ لاستفادتها من غزو روسيا وانتهت بمطلب غريب: إطلاق سراح عضو سابق في فصيل الجيش الأحمر وهو جماعة مسلحة قتلت رجال أعمال ألمان بارزين وشخصيات عامة في السبعينيات والثمانينيات، منهم الرئيس التنفيذي لـ”دويتشه بنك“ في عام 1989.

كتب الجناة المجهولون عن بابرغر: “إن ملاذه ليس آمناً”. بعد بضعة أشهر، كشفت شبكة (CNN) أن وكالات الاستخبارات الأميركية حذرت ألمانيا في وقت سابق من هذا العام من أن روسيا تستعد لقتل بابرغر، وأن تلك هي الخطة الأكثر تقدماً ضمن سلسلة خطط لقتل كبار المسؤولين التنفيذيين في صناعة الدفاع في جميع أنحاء أوروبا.

لم يذكر التقرير هجوم الحرق العمد، الذي بدا أنه جاء من قبيل الترهيب وليس استهدافاً فعلياً للرئيس التنفيذي، لكن أشخاصاً مطلعين على الوضع قالوا إن مؤامرة الاغتيال التي تضم وكلاء روس كانت نشطة في ذلك الحين. لم يُقبض على منفذي الحرق العمد، ما يترك تورطهم المحتمل في المخطط الأوسع لغزاً.

أجهزة الاستخبارات تجد صعوبة في غربلة البيانات لكثرتها

في يناير من هذا العام، أكد جيمس أباتوراي، الذي يرأس استجابة الناتو للحرب الهجينة، علناً خلال جلسة للبرلمان الأوروبي أن روسيا كانت تخطط لقتل بابرغر. قال أباتوراي لبلومبرغ بيزنس ويك قبل أن يصبح المدير الإداري المؤقت لمسرع الابتكار الدفاعي للحلف في يوليو: “تشير جميع الدلائل إلى أن الروس لديهم شهية أكبر بكثير للمخاطرة بحياة مواطنينا لتحقيق أهدافهم، ويقابل ذلك رد فعل كبير جداً منا“.

إن استهداف بابرغر يبلغ حدوداً جديدة، حتى عند مقارنته بتاريخ روسيا الطويل والموثق في العنف ضد الأعداء الذين يعيشون على أراضٍ أجنبية. قبل الحرب، ركزت موسكو هجماتها على “الدول المجاورة“، دول البلطيق والأعضاء السابقين في الكتلة السوفيتية، أو على الروس الذين اعتبرتهم خونة.

أظهرت محاولة تسميم سيرغي سكريبال في إنجلترا عام 2018 استعداد روسيا لاستخدام مادة كيميائية محظورة في دولة عضو في الناتو، معرضة المدنيين لخطر الإصابة. لكن سكريبال كان عقيداً روسياً تجسس لصالح المملكة المتحدة – وليس الرئيس التنفيذي لشركة دفاع غربية كبرى.

بعد غزو أوكرانيا، تسارعت بشدة الحرب الهجينة الروسية، ليس فقط الاغتيالات ولكن أيضاً التخريب والتضليل والهجمات السرية على البنية التحتية الحيوية، وبلغت ذروتها العام الماضي.

التدابير النشطة

خلال الحرب الباردة، عُرفت هذه الأساليب باسم “التدابير النشطة”. قال محللون إن حجم وكثافة التكتيكات كان أكبر خلال السنوات الثلاث الأولى من حرب أوكرانيا مما كان عليه في أوج الاتحاد السوفيتي، برغم أن الوتيرة تباطأت في 2025. يُعد بابرغر الهدف الأشهر في هذا العصر الجديد. كما أنه محوري في جهود أوروبا لتسليح أوكرانيا، وهي المستفيد الرئيسي من أكبر استثمار للقارة في الدفاع منذ عقود.

في حين أن المديرين التنفيذيين المنافسين أبقوا رؤوسهم تحت المتاريس، فقد كان بابرغر يقود بصخب حملة إعادة التسلح الأوروبي، وشراء المنافسين، وزيادة الإنتاج، وحتى التعامل بصدر رحب مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف.

لقد أدى هذا، إلى جانب الإعلان الأخير للحكومة الألمانية بأنها ستزيد الإنفاق الدفاعي بشكل كبير، إلى جنون بين المستثمرين، فارتفع سهم ”راينميتال“ بأكثر من 18 ضعفاً منذ بدء الحرب. وهي الآن شركة الدفاع الأعلى قيمةً في أوروبا، برأس مال سوقي يبلغ حوالي 81 مليار يورو.

أعرب بابرغر عن أسفه لأن المستثمرين “نبذوا” صناعة الدفاع لسنوات، وكتب في رسالة بريد إلكتروني رداً على أسئلة من مجلة بيزنس ويك: “نحن الآن لاعب رئيسي في دورة الدفاع العالمية… كنا دائماً على استعداد، وهذا يؤتي ثماره الآن“.

دول “الناتو” تتفق على رفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من اقتصادها

على مدى العامين الماضيين، استثمرت راينميتال، وهي أكبر منتجي الذخائر في ألمانيا، أكثر من 8 مليارات يورو في الصفقات والإنتاج الجديد. صرّح بابرغر بأن ”راينميتال“ تبني أو توسّع بشكل كبير 10 مصانع.

إنه يعتبر نفسه مدافعاً عن النظام الدولي القائم على القواعد. وكتب في رسالته الإلكترونية: “لطالما كان واضحاً لنا أن المجتمعات الحرة يجب أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها. السلام والحرية لا يأتيان بلا مقابل”.

رفض بابرغر التعليق على مؤامرة اغتياله، والتي ما يزال كثير من جوانبها مجهولاً. في يونيو 2024، أوقف المدعون المحليون التحقيق في هوية من زرع العبوة الحارقة في منزله، مشيرين إلى نقص الأدلة. كما حققت شرطة دوسلدورف في مؤامرة الاغتيال الأوسع نطاقاً، لكنها أيضاً تركت تحقيقها، وقالت إنها لا تملك “أدلة قاطعة“.

أثار ذلك دهشة كثير من الأشخاص المطلعين على الوضع الذين قالوا إن المخابرات الأمريكية زودت المسؤولين الألمان بتفاصيل مستفيضة، بما في ذلك معلومات محددة عن الأفراد المشتبه بهم ونواياهم.

حراسة رأس دولة

حتى قبل الحريق المتعمد، عززت الحكومة الألمانية أمن بابرغر بهدوء إلى مستوى يُضاهي أمن المستشار الألماني، وكان ذلك في وقت أبكر من الإعلان عنه. اليوم، يُحيط بابرغر حراس شخصيون على مدار الساعة في جميع أيام الأسبوع.

يتمركز حارسان مسلحان مزودان بمدافع رشاشة خارج المقر الرئيسي الحديث لشركة ”راينميتال“ في دوسلدورف إلى جانب شاحنتين للشرطة. كما يوجد في منزله المبني من الطوب الأبيض في ضاحية ثرية شرطيان مسلحان بمدافع رشاشة وشاحنتي شرطة وكشك شرطة في المقدمة. وعادةً ما يرافقه كثير من الحراس إلى الغداء أو الاجتماعات.

لقد حمت هذه الجهود المكثفة بابرغر من أي مهاجمين محتملين. لكن، وفقاً لأحد الأشخاص المطلعين على الأمر، فإن الأفراد الذين يخططون لقتله كانوا ما يزالون طلقاء في ألمانيا حتى نهاية 2024 على الأقل.

شولتس يدعو إلى تخفيف قيود الديون وتعزيز الإنفاق الدفاعي في أوروبا

لم يمض وقت طويل منذ كان الإهتمام ببابرغر أو شركته ضئيلاً. فقد خفضت ألمانيا إنفاقها العسكري بعد سقوط جدار برلين. وما يزال شبح التاريخ العسكري المخزي للبلاد يخيم عليها – منذ أدارت ”راينميتال“، التي كانت تعمل تحت السيطرة النازية، معسكرين فرعيين لمعسكر اعتقال بوخنفالد.

كان الدفاع محظوراً على المستثمرين الذين اتبعوا القواعد البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، وكان سعر سهم الشركة في ركود. حتى أن بعض المصرفيين اقترحوا على ”راينميتال“ التوقف عن إنتاج الذخيرة والمركبات العسكرية للتركيز على وحدتها التي تصنع قطع غيار السيارات.

قال فرانسيس توسا، محرر مجلة ”ديفنس أناليسي“ (Defense Analysis)، وهي نشرة متخصصة بهذا القطاع ومقرها لندن: “قبل خمس سنوات، بدت (راينميتال) وكأنها شركة غارقة في مجالات غير صحيحة البتة… في ذلك الوقت، لم يكن أحد ليقول إنه يجب عليك الاستثمار في الذخيرة. الذخيرة شيء من القرن التاسع عشر.“

مسيرة مهنية قوية

انضم بابرغر إلى الشركة في 1990 كمهندس في إدارة مراقبة الجودة وارتقى سلم الترقيات بثبات. في 2010، صعد إلى مجلس إدارة وحدة الدفاع. وبعد عام، وقع المجلس على عقد بقيمة تقارب 120 مليون يورو لبناء مركز تدريب عسكري كبير لعميل جديد: روسيا برئاسة فلاديمير بوتين.

يقع المركز خارج نيجني نوفغورود شرق موسكو، ويشمل محاكاة للقتال الحي وميادين إطلاق نار حديثة لما يصل إلى 30 ألف جندي روسي. صرح رئيس ”راينميتال“ التنفيذي آنذاك كلاوس إيبرهارت لصحيفة ألمانية أنه ينظر إلى روسيا على أنها “سوق مستقبلية” واعدة. ورفضت ”راينميتال“ مناقشة دور بابرغر في القرار. وقال متحدث باسم الشركة: ”عُقدت الصفقة بناءً على طلب صريح من حكومة ألمانياً”.

في ذلك الوقت، طورت ألمانيا وروسيا علاقات اقتصادية قوية اعتقاداً منهما أن”التغيير من خلال التجارة” سيمنع الأعمال العدائية بين البلدين. في نفس العام، افتتحت المستشارة أنغيلا ميركل آنذاك أول خط أنابيب نورد ستريم، لنقل الغاز الطبيعي السيبيري تحت بحر البلطيق مباشرة إلى ألمانيا، متجاوزاً أوكرانيا وجاعلاً الصناعة الألمانية مدمنةً على الطاقة الروسية.

أكبر ميناء في أوروبا يتأهب لحرب محتملة مع روسيا

أصبح بابرغر رئيساً تنفيذياً في عام 2013 وأعاد هيكلة الشركة لتعزيز سيطرته. قال المطلعون إنه يدير ”راينميتال“ كما لو كانت شركة عائلية، ويتخذ القرارات الكبيرة والصغيرة بمجلس إدارة قوامه أربعة أعضاء.

يرتدي بابرغر عادةً ملابس غير رسمية، مثل جينز وقميص بأزرار، ويتجول أحيانًا في المصنع للحديث عن عملية الإنتاج والتواصل مع العمال. يُعرف بابرغر بصراحته، إلا أنه يفقد صبره أحياناً إذا شعر أن المدراء يضيعون وقته في الاجتماعات الاستراتيجية، كما روى أشخاص على دراية بأسلوبه.

وبصفته مدمناً على العمل، يرسل أحياناً رسائل بريد إلكتروني في الرابعة صباحاً يقول فيها: “أحتاج إلى كذا و كذا“.

مدمن على العمل

بأسلوبه كرجل أعمال، يطرح أسئلة على العمال من أعلى إلى أسفل في سلسلة إدارته مثل: “لو كانت هذه أموالكم، فهل ستستثمرونها في هذا؟” لسنوات، دأبت شركة بابرغر على استقطاب الزبائن في رحلات صيد نهاية الأسبوع السنوية للخنازير البرية والغزلان في غابة أونترلوس، حيث تملك ”راينميتال“ موقعاً خاصاً واسعاً لاختبار الأسلحة مساحته 50 كيلومتراً مربعاً، وهو الأكبر في أوروبا، إلى جانب مصانعها التي تنتج الذخيرة والمركبات العسكرية.

وقد اشتهر أن الشركة تتيح للمستثمرين والشخصيات البارزة الذين يزورونها ركوب دبابة ”ليوبارد“، وهي مشهورة بقدرتها على التنقل على أرض وعرة فيما يقبع كوب من شراب الشعير على ماسورة مدفعها من عيار 120 ملم تصنعه ”راينميتال“ دون انسكاب شيء منه.

لأول مرة.. الإمارات تزود “راينميتال” الألمانية بنظام دفاع صاروخي وطني الصنع

في العام الذي تولى فيه بابرغر المسؤولية، حققت وحدة الدفاع في ”راينميتال“ إيرادات أقل من وحدة السيارات، التي تصنع المكابس وأنظمة التحكم في الانبعاثات وغير ذلك. 

في ربيع 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وأرسلت قوات خاصة إلى دونباس في شرق أوكرانيا، مثيرةً إدانة دولية. وبدا عقد ”راينميتال“ مع الكرملين فجأة وكأنه سوء تقدير محرج.

منعت الحكومة الألمانية ”راينميتال“ في النهاية من إكمال مركز التدريب. في ذلك الوقت، أعلن مسؤولون روس إن المنشأة اكتملت بنسبة 95%. قال متحدث باسم ”راينميتال“ إن الشركة شحنت “أنظمة تخزين صغيرة” إلى روسيا لكنها لم تسلم أبداً برامج ومكونات لمركز التدريب.

في ذلك العام، أعلنت وحدة الدفاع التابعة للشركة عن خسارة تشغيلية بلغت 9 ملايين يورو، وراوح الإنفاق الدفاعي الألماني حول 1% من الناتج المحلي الإجمالي. بدأت شركة بابرغر في بناء مصانع أسلحة خارج ألمانيا لتصديرها إلى أسواق جديدة، بينما أخفقت الحكومات الأوروبية في الاستثمار رداً على استيلاء بوتين على أراضي شبه جزيرة القرم. كانت ”راينميتال“ تعاني، مع وجود احتمالات نمو قليلة خارج إنتاج السيارات.

في الأشهر التي سبقت فبراير 2022، أجرت شركة بابرغر محادثات سرية مع شركات استحواذ حول تحويل الشركة إلى شركة خاصة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، طلبوا عدم كشف هوياتهم لأن المحادثات كانت خاصة. في ذلك الوقت، كانت قيمة راينميتال حوالي 4 مليارات يورو فقط.

تبخرت تلك المحادثات حين شقت جنازير الدبابات الروسية طريقها نحو كييف. في 27 فبراير 2022، أعلن المستشار الألماني آنذاك أولاف شولتز عن “نقطة التحول” الألمانية وضخ 100 مليار يورو في الإنفاق العسكري الجديد.

أوروبا تواجه معضلة دفاعية تتطلب 3 تريليونات دولار

تعهد برفع ميزانية الدفاع في البلاد إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي. في اليوم التالي، وفي مقابلة مع صحيفة هاندلسبلات الألمانية، عرض بابرغر تسليم ذخيرة ومركبات مدرعة ومعدات أخرى بقيمة 42 مليار يورو، وبدا ذلك لبعض العاملين في الصناعة بمثابة استحواذ استعراضي على زهاء نصف المخصصات الجديدة.

لم تأت تصريحات عامة سريعة مثل هذه من منافسات مثل ”تيسين كروب“، التي تنتج الغواصات والسفن الحربية، أو ”كي إن دي إس“، وهي شركة دفاعية ألمانية فرنسية تصنع دبابة ”ليوبارد“ مع ”راينميتال“. بدأت مخصصات الـ 100 مليار يورو بداية بطيئة في عهد وزيرة الدفاع آنذاك كريستين لامبرخت، التي سُخر منها على نطاق واسع لتقديمها لأوكرانيا 5000 خوذة بدلاً من المساعدات الفتاكة قبل غزو روسيا مباشرة.

قدمت ألمانيا في النهاية أسلحة لأوكرانيا قبل أن تعلن لامبرخت في أبريل 2022 أن مخزونات الحكومة قد استنفدت بالفعل وأن منتجي الأسلحة سيتعين عليهم التدخل.

صفقات توسع

ذهب بابرغر للبحث عن صفقات. في نوفمبر من ذلك العام، وافقت ”راينميتال“ على شراء شركة ”إكسبال سيستمز“ الإسبانية لصناعة الذخيرة مقابل 1.2 مليار يورو. في ذلك الوقت، بدا الأمر وكأنه رهان باهظ.

وعندما استقالت لامبرخت في يناير 2023 بعد سلسلة زلات، أشار خلفها، بوريس بيستوريوس، إلى موقف أكثر صرامة. وفي غضون شهر من توليه الوزارة، زار موقع الإنتاج الرئيسي لشركة ”راينميتال“ في أونترلوس التي قالت إن تلك “أول زيارة من وزير ألماني لشركة مقاولات دفاعية منذ فترة طويلة”.

عادةً ما ترعب شركات الدفاع بالحصول على طلب مسبق قبل أن تباشر إنفاق أموالها على مرافق إنتاج جديدة. ولكن بالنسبة لبابرغر، كان التزام المصافحة من بيستوريوس بأن الحكومة الألمانية ستشتريه كافياً لبدء الاستثمار؛ إذ لم يأتي توقيع عقد فعلي بقيمة 8.5 مليار يورو لتوريد ذخيرة مدفعية عيار 155 ملم إلى القوات المسلحة الألمانية إلا في يونيو 2024.

ترمب يرسل أسلحة إلى أوكرانيا ويهدد بفرض رسوم على روسيا

كانت هذه أكبر طلبية في تاريخ ”راينميتال“، وربما كانت الخطوة الأجرأ من شركة بابرغر هي محاولة الاستثمار في أوكرانيا نفسها. عندما بدأ المسؤولون الأوكرانيون يتحدثون مع الشركة في 2022 حول إنشاء تصنيع محلي، كان المسؤولون التنفيذيون في ”راينميتال“ مترددين في البداية بسبب مخاوف أمنية، وفقاً لشخص مطلع على الوضع.

لكن في مارس 2023، وصل بابرغر إلى كييف لإبرام صفقة، حيث التقى بزيلينسكي في مكتبه الرئاسي المزخرف بديكورات ذهبية في شارع بانكوفا شديد التحصين في وسط العاصمة.

كان يرتدي بنطال جينز وسترة بغطاء رأس باللونين الأزرق والأصفر الفاتحين، ألوان العلم الأوكراني، وتحدث بابرغر مع زيلينسكي حول إنشاء قدرة إنتاج محلية. وبعد شهرين، وقعت الشركة اتفاقية لإنشاء مشروع مشترك مع شركة الأسلحة الأوكرانية الحكومية ”يوكروبورونبروم“ (Ukroboronprom). تطلب وضع التفاصيل شهوراً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن ”راينميتال“ كانت تطالب بنسبة مسيطرة قدرها51%.

عندما أُبرمت الاتفاقية رسمياً في نهاية 2023، اتفق الطرفان على التركيز في البداية على مركز صيانة للمركبات العسكرية في غرب أوكرانيا. ولكن في مارس 2024، ذهب بابرغر إلى أبعد من ذلك، مُعلناً عن خطط لبناء أربعة مصانع داخل أوكرانيا لإنتاج الذخيرة والمركبات العسكرية والبارود وأسلحة مضادة للطائرات. قال: “إنه لأمر عزيز على قلوبنا أن نبذل قصارى جهدنا لدعم أوكرانيا في صراعها من أجل البقاء”.

خطة قيد التنفيذ

في ذلك الوقت تقريباً، حذّرت الاستخبارات الأمريكية نظيراتها في ألمانيا من أن عملاءً استأجرتهم المخابرات العسكرية الروسية (GRU) كانوا يستعدون لقتل بابرغر. كانت الوكالات الأمريكية تتعقب عدة مشتبه بهم من أنحاء مختلفة من الاتحاد السوفيتي السابق، الذين يُعتقد أنهم يُدبّرون العملية، وبينهم مواطن روسي واحد على الأقل. خلص تقييم الاستخبارات الأمريكية إلى أنها لم تكن مجرد خطة على الرف، بل كانت قيد التنفيذ.

عكست المؤامرة اتجاهاً أوسع: تبدو روسيا مستعدة لخوض مخاطر غير مسبوقة، وربما تكبد خسائر بشرية. قد لا يبدو احتراق سقيفة حديقة بالقرب من منزل ريفي فارغ تهديداً جيوسياسياً. لكن هجوم هيرمانسبورغ مثّل خطوةً ذات دلالة في عملية التخريب الروسية الأوسع نطاقاً والمتزايدة في جميع أنحاء أوروبا.

لطالما استأجرت روسيا مجرمين لتنفيذ هجمات، يتضمن كثير منها إضرام النار في شيء ما. في المملكة المتحدة، أُضرمت النيران في مستودع في شرق لندن يُخزّن فيه مساعدات إنسانية لأوكرانيا؛ وفي بولندا، دمّر حريق مركزاً تجاريًا كبيراً؛ وفي لاتفيا، سُجن ثلاثة رجال لإلقائهم زجاجة مولوتوف. من خلال نافذة متحف احتلال لاتفيا.

بدء التحقيق في تسرب خط غاز البلطيق وسط اشتباه بعمل تخريبي

في الصيف الماضي، علمت وكالات الاستخبارات الأمريكية أن المخابرات الرئيسية الروسية استأجرت وكلاء لزرع أجهزة حارقة مموهة في شحنات من أجهزة التدليك الكهربائية المرسلة عبر شبكة الشحن الجوي لشركة ”دي إتش إل“: (DHL). انفجر جهاز في منشأة شحن تابعة لشركة ”دي إتش إل“ في مدينة لايبزيغ بشرق ألمانيا. تسببت حزمة شحن أخرى في حريق في مستودع لشركة ”دي إتش إل“ في المملكة المتحدة.

يعتقد مسؤولو الاستخبارات الأمريكية أن الطرود، التي أُرسلت جميعها من ليتوانيا، كانت بمثابة اختبار تجريبي لجهاز المخابرات الرئيسية الروسية لاستهداف رحلات الشحن إلى أمريكا الشمالية، وقد حذر مسؤولون أمريكيون روسيا وراء الأبواب من خطر التصعيد.

الحرق العمد هو أحد الأساليب الواسعة النطاق التي تهدف إلى الإزعاج والتعطيل وتأجيج الخوف. أما استخدام الطائرات بدون طيار هو أسلوب آخر. اشتبهت السلطات الألمانية في أن التجسس الروسي وراء سلسلة طائرات بدون طيار غامضة تحلق فوق مواقع عسكرية، ومنها موقع أونترلوس التابع لشركة ”راينميتال“.

مسيرات كبيرة

قال مسؤول عسكري ألماني كبير لمجلة بيزنس ويك إنه عندما بدأ الجيش الألماني تدريب الجنود الأوكرانيين في قاعدة ويلدفلكن العسكرية في بافاريا في أواخر 2022، رصدوا طائرتين في الأسبوع الأول، ثم لاحظوا تزايد عدد الطائرات المسيرة، التي كانت كبيرة جداً بحيث لا يمكن للهواة اقتناؤها.

في العام الماضي، أسقط الجيش الألماني طائرة مسيرة فوق منطقة تدريب عسكرية، لكنه لم يتمكن من تتبع مصدرها، وفقاً لمسؤول عسكري ألماني رفيع المستوى، طلب عدم كشف هويته لأنه غير مخول بالحديث علناً.

إن الهدف من كل هذه الإجراءات النشطة المتنوعة هو تأجيج الانقسامات في الغرب وتقويض دعم استمرار المساعدات لأوكرانيا من خلال زيادة التكلفة، والسمة المشتركة بينها هي أنها تقع تحت الحد الأدنى الذي من شأنه أن يحرك رداً عسكرياً، كما يتيح انكار المسؤولية بشكل معقول.

السويد تنضم لحلف شمال الأطلسي “الناتو”

مؤكد أن نشطاء يساريين شاركوا أحياناً في هجمات حرق متعمد في ألمانيا، لكن إعلاناً مجهولاً بالمسؤولية عن الهجوم على منزل بابرغر من ما يبدو أنها جماعة يسارية يتوافق مع النهج الروسي.

أثبتت ألمانيا أنها أرض خصبة بشكل خاص لأجهزة المخابرات الروسية التي تبحث عن عملاء أو وكلاء مأجورين. جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB)، الخليفة الرئيسي لجهاز المخابرات السوفيتي ”كي جي بي“، ووكالات أخرى، تمكنوا من تجنيد كثير من الروس الذين هاجروا إلى ألمانيا على مر السنين. قال غيرهارد كونراد، الضابط السابق في جهاز المخابرات الفيدرالي الألماني (BND)، الذي ترأس مركز الاستخبارات والأوضاع التابع للاتحاد الأوروبي حتى عام 2019: “لدى جهاز الأمن الفيدرالي شبكة واسعة من المخبرين الدائمين أو العرضيين بين الروس في ألمانيا. لا بد أن لديهم مئات أو حتى آلاف الأسماء التي يمكنهم التواصل معها وتفعيلها للحصول على الدعم“.

أصبحت جهود روسيا أسهل عندما أوقف جهاز المخابرات الألماني عمليات مكافحة التجسس في التسعينيات. ولم يستأنفها إلا في 2017.

موسكو صامتة

يُولي بوتين اهتماماً خاصاً بألمانيا يعود تاريخه إلى نهاية الحرب الباردة. فقد شهد الإذلال الكبير الذي تعرض له الاتحاد السوفيتي عندما كان عميلاً لجهاز المخابرات السوفيتية في مدينة دريسدن الألمانية في أواخر الثمانينيات.

عندما حاول المتظاهرون اقتحام مكاتب جهاز المخابرات السوفيتية في دريسدن في نهاية 1989، اتصل بوحدة عسكرية سوفيتية طلباً للمساعدة، وكان الجواب أنهم بحاجة إلى أوامر من موسكو “وموسكو صامتة“.

غادر بوتين دريسدن في يناير 1990 متجهاً إلى سانت بطرسبرغ وسرعان ما دخل عالم السياسة.

منذ بداية الحرب، ظهرت سلسلة من فضائح التجسس الروسية في ألمانيا. اعتقلت السلطات الألمانية ضابط مخابرات في جهاز المخابرات الألماني للاشتباه في تجسسه لصالح روسيا في نهاية 2022، واحتجزت متآمر مشارك بعد شهر. وما تزال هذه القضية قيد النظر.

حرب بوتين في أوكرانيا تنعش صناعة الأسلحة الألمانية

في عام 2023، قُبض على ضابط في الجيش الألماني واتُّهم بنقل معلومات عسكرية حساسة إلى روسيا. في العام الماضي، حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ونصف بتهمة التجسس بعد اعترافه بمعظم القضية المرفوعة ضده. هدد نظام بوتين علناً بمهاجمة ”راينميتال“. في أكتوبر 2024، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن منشأة إصلاح ”راينميتال“ في أوكرانيا كانت “بالتأكيد” هدفاً مشروعاً للجيش الروسي. في غضون ذلك، اتخذ المستشار الألماني فريدريش ميرتز موقفاً عدوانياً ضد الحرب الهجينة، داعياً الكرملين علناً إلى ذلك. وقال بعد قمة الناتو الأخيرة: “نحن نتعرض بالفعل لهجوم من روسيا”.

لكن لم يسفر التحقيق الألماني في هجوم الحريق المتعمد في بابرغر عن أي شيء. وقال متحدث باسم المدعي العام المحلي في لونيبورغ، التي لها الولاية القضائية على هيرمانسبورغ، ردًا على أسئلة من مجلة بيزنس ويك: “لم يكن هناك شهود عيان معروفون على عملية الحريق المتعمد نفسها، ولم تكن هناك تسجيلات فيديو تلتقط الحادث، ولم تكن هناك أدلة عُثر عليها في مكان الحادث مناسبة للتحليل الجيني“.

وصرح مسؤول كبير في وزارة الداخلية الألمانية، طلب عدم كشف هويته لأنه غير مخول له بالتحدث علناً، لمجلة بيزنس ويك أن استخدام روسيا للجهات الإجرامية المحلية لتنفيذ عمليات التخريب يجعل تتبع أنشطتها إلى موسكو صعباً.

خارج نطاق الاتحاد الأوروبي

بالنسبة لضباط المخابرات الروسية في موسكو البعيدين عن نطاق سلطات إنفاذ القانون الغربية، لا يمكن فرض سوى أشكال أقل من العقوبة. على سبيل المثال، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الضابط الذي يُعتقد أنه نسق حريق لاتفيا في ديسمبر 2024، إلى جانب قائده وأعضاء آخرين في وحدة المخابرات الرئيسية الروسية رقم 29155، التي قالت بروكسل إنها نفذت “أنشطة اغتيال وزعزعة استقرار في جميع أنحاء أوروبا“.

واجهت ألمانيا تحديات في الحد من الهجمات الهجينة الروسية بسبب القيود المفروضة على المراقبة والفصل الصارم بين أجهزة المخابرات وأجهزة إنفاذ القانون. وقد وُضعت هذه الضوابط بعد الحرب العالمية الثانية، بهدف منع نشوء ”غستابو“ جديد.

لكنها تساعد في جعل ألمانيا واحدة من أسهل أهداف التخريب في أوروبا. بعد أقل من شهرين من هجوم الحريق المتعمد، سافر بابرغر مجدداً إلى أوكرانيا، إلى منشأة ”راينميتال“ لإصلاح المركبات المدرعة بالقرب من الحدود البولندية.

هذه المرة جاء مع كثير من سيارات الدفع الرباعي المدرعة وحراس شخصيين وارتدى سترة واقية من الرصاص. تناول الغداء مع المسؤولين الأوكرانيين وغادر بعد بضع ساعات.

بوتين وترمب يجبران أوروبا على إعادة النظر بالصناعة الدفاعية

حاول بابرغر قيادة توحيد صناعة الدفاع في أوروبا، والتي ما تزال مجزأة، إذ تواصل الحكومات الوطنية شراء الأسلحة بشكل مستقل في الغالب. قال بابرغر في منتدى صناعي في بروكسل في يوليو: “يجب أن تصبح العقود أوروبية… نحن نستثمر مليارات الدولارات، لكن لا يوجد تنسيق بعد.“

في العام الماضي، وقع بابرغر اتفاقية لبناء مصنع ذخيرة في ليتوانيا، حيث تنشئ ألمانيا، في أول انتشار خارجي لها منذ الحرب العالمية الثانية، لواء جديد لحلف شمال الأطلسي سيضم في النهاية ما يقرب من 5000 جندي. كما دخلت ”راينميتال“ في مشروع مشترك مع شركة الدفاع الإيطالية ”ليوناردو“ لإنشاء ما سمّاه بابرغر ”دبابة أوربية جديدة من الوزن الثقيل”. وانتقل لتعزيز موطئ قدم الشركة في الولايات المتحدة، ووافق على دفع ما يقرب من مليار دولار لشركة ”لوك بيرفومانس برودكتس“ (Loc Performance Products) المتخصصة بالمركبات في ميشيغان، في محاولة للتعاقد مع البنتاغون لبرنامج بقيمة تقدر بنحو 45 مليار دولار لبناء خليفة دبابة القتال ”إم 2 برادلي“ (M2 Bradley).

استحواذ فاشل

لم تنجح طموحات بابرغر لتوسيع ”راينميتال“ على الدوام. في وقت سابق من هذا العام، فشل في محاولة للسيطرة على وحدة بناء السفن البحرية والغواصات التابعة لشركة ”تيسين كروب“، التي تسمى ”مارين سيستمز“ (Marine Systems)، وفقاً لأشخاص مطلعين على الوضع طلبوا عدم كشف هوياتهم لدى مناقشة معلومات سرية.

كان من شأن الاستحواذ أن يضع ”راينميتال“ في وضع يسمح لها بإضافة جناح بحري إلى أعمال الذخيرة والمركبات البرية. (في النهاية، قررت ”تيسن كروب“ طرح حصة أقلية في الوحدة في سوق الأسهم). قالت المصادر أن بابرغر كان يتطلع أيضاً إلى شركة ”هينسولدت“ (Hensoldt)، التي تصنع الرادارات مقرها قرب ميونيخ، لكن الشركة ضغطت على الحكومة الألمانية للمساعدة في الحفاظ على استقلاليتها. رفضت ”راينميتال“ و“هينسولدت“ التعليق.

يعود مصنع الإنتاج الرئيسي لشركة ”راينميتال“ في أونترلوس الآن إلى الوضع الذي كان عليه إبان الحرب الباردة، مع بناء ضخم يجعل ”راينميتال“ حاسمة في إعادة تسليح القارة بأكملها. في أحد أيام أواخر أبريل، كانت المعدات الثقيلة تتحرك وتسوّي التراب لتوسيع مصنع ذخيرة تزمع افتتاحه في نهاية أغسطس. مع إضافة ”إكسبال“ والقدرة الإنتاجية الجديدة في أونترلوس، تهدف ”راينميتال“ إلى إنتاج 1.5 مليون قذيفة مدفعية سنوياً بحلول 2027 مقارنة مع 70 ألف قذيفة قبل الحرب في أوكرانيا.

“ثمن هتلر”..كيف أصبحت ألمانيا الحلقة الأضعف أوروبياً في الأزمة الأوكرانية؟

قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته في يونيو إن روسيا تنتج في ثلاثة أشهر كمية الذخيرة التي تنتجها دول الحلف في عام. بالنسبة لشركة ”راينميتال“، فإن اللحاق بالركب يعني تدفقاً ثابتاً من الطلبات.

قال توسا، محرر ”ديفنس أناليسيس“: “لقد نظر الجميع في مخابئ ذخيرتهم وقالوا: يا إلهي، هل هذا كل ما لدينا؟… في أوروبا، (راينميتال) هي إمبراطورة تجارة الذخيرة. إنهم ينتجون أكثر من أي شركة أخرى وينمون أسرع من أي شركة أخرى. (راينميتال) تنقذ أوروبا حالياً.“

كما تنافست ”راينميتال“ أيضاً للدخول في أكثر مجالات صناعة الدفاع سخونة: الطائرات بدون طيار. وقد أظهرت الحرب في أوكرانيا أن المعارك ستُخاض بشكل متزايد باستخدام أسراب من المركبات غير المأهولة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي – وهو مجال لا تملك ”راينميتال“ فيه سوى قليل من الخبرة الواقعية.

المسيرات ضرورة

انهارت العام الماضي شراكة مع شركة ”هيلسينج“ التي تتخذ في ميونيخ مقراً لها، وهي شركة الدفاع الناشئة الأكبر قيمةً بين نظيراتها في أوروبا. في أواخر 2024، كشفت ”راينميتال“ عن شراكة مع شركة ”أوتيريون“ (Auterion)، وهي شركة لتصنيع برمجيات الطائرات بدون طيار ومقرها قي فيرجينيا، لإنتاج مشترك لـ “أنظمة طائرات بدون طيار جوية وبرية وبحرية”. ثم في يونيو، أعلنت ”راينميتال“ عن شراكة استراتيجية مع شركة ”أندوريل إندستريز“ (Anduril Industries)، التي شارك في تأسيسها بالمر لوكي، مؤيد دونالد ترمب، لتطوير طائرات بدون طيار لأوروبا.

الشركة التي لم تكن تعلم ما إذا كانت وحدتها الدفاعية قادرة على الصمود تواجه الآن مشكلة مختلفة: تلبية الطلب الاستثنائي على منتجاتها. بحلول مارس، سجلت راينميتال رقماً قياسياً في تراكم الطلبات بلغ 63 مليار يورو. تعمل شركة بابرغر على زيادة طاقتها التصنيعية وتبحث عن مصانع جديدة محتملة، لكن بعض المحللين تساءلوا عما إذا كانت ستتمكن من الإيفاء بالعقود في الوقت المحدد.

كما أن توظيف المهندسين هو معركة أخرى لشركة بابرغر. وقد لجأت الشركة إلى توزيع منتجات شخصية تحمل علامة ”راينميتال“ التجارية على من تسعى لتوظيفهم مع شعار “السلامة مهمة، دائماً“.

هل يستطيع الناتو وأوروبا التعويل على ألمانيا بمواجهة روسيا؟

في ظلّ مواجهة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) لعجز بملايين قذائف المدفعية اللازمة لسد النقص في الإمدادات المُقدّمة لأوكرانيا، تُعدّ قدرة بابرغر على الإيفاء بوعوده أمراً بالغ الأهمية. فتوسيع منشأة الإنتاج في أونترلوس متأخر عن موعده، ولم تتجاوز جهود الشركة لبدء إنتاج الأسلحة داخل أوكرانيا منشأة إصلاح للمركبات المدرعة.

في العام الماضي، صرّح بابرغر بأنه يهدف إلى تحقيق مبيعات سنوية بقيمة 20 مليار يورو بحلول 2027، ارتفاعاً من أقل بقليل من 6 مليارات يورو في 2021. ويُرجح رفع هذا الهدف مُجدداً جرّاء تدفق الطلبات.

وفي يوليو، صرّح بأن راينميتال تُجري محادثات مع سبعة مُشترين مُحتملين لأعمال الشركة المدنية، حتى تُركّز على الإنتاج الدفاعي. وتُقدّر قيمة الشركة الآن بأكثر بكثير من شركات صناعة السيارات الألمانية الشهيرة ”فولكس فاجن“ ومجموعة ”مرسيدس بنز“ و“بي إم دبليو“.

ما تزال ”راينميتال“ هدفاً. في أبريل، زعمت مجموعة قراصنة يُزعم ارتباطها بروسيا أنها حصلت على 750 غيغابايت من بيانات الشركة، ونشرت رابطاً على الإنترنت المُظلم. لتنزيل 1400 وثيقة عن دبابات ”بوما“ ومحركاتها وأجهزة الكمبيوتر. قالت ”راينميتال“ إن المواد غير حساسة وتعود إلى خمس سنوات مضت. وقال بابرغر عبر رسالة بريد إلكتروني إن الهجمات الإلكترونية “تشكل تهديداً مستمراً لنا جميعاً”.

في مايو، وصل بابرغر سراً إلى لاتفيا على متن طائرة حكومية ألمانية وتوجه عبر العاصمة ريغا في موكب سيارات بدون علامات ليتحدث مع مسؤولين عن إنتاج معدات دفاعية محلياً. كانت هذه أحدث رحلة، وربما لن تكون الأخيرة، التي كانت تحت ستار من الإجراءات الأمنية المشددة لتعزيز صناعة الأسلحة في أوروبا – ولإظهار أن ”راينميتال“ لا تردعها التهديدات الروسية.

قال لمجلة بيزنس ويك: “لقد عززنا إجراءاتنا الأمنية بقدر كبير… أنا أشعر بالأمان”.

Exit mobile version