Site icon السعودية برس

هل تستطيع الدول الأكثر تلويثاً خفض انبعاثاتها؟

إن الجهود المبذولة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أدنى مما يحض العلماء على فعله لتجنب تغير المناخ الكارثي. سيكون أحد أهم الأسئلة المطرحة أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع هو ما إذا كانت الدول ستلتزم بخفض أجرأ. ويُتوقع أن تفصّل الحكومات الوطنية في اجتماعها في 24 سبتمبر أحدث خططها لتحقيق أهداف الانبعاثات بموجب اتفاقية باريس لعام 2015.

تبدو الخلفية قاتمة، إذ إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يبذل قصارى جهده لعكس مسار العمل المناخي الأميركي. بينما تسرّع حكومات عدة التحول إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية المتجددة، فإن هذا غالباً ما يخدم تلبية نمو الطلب فقط بدل إزاحة مصادر الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري. والأكثر من ذلك، أن شهية العالم الشرهة للبلاستيك، الذي غالباً ما يُحرق بدل إعادة تدويره، تدعم الطلب الوفير على النفط الخام.

العالم يواجه ارتفاعاً قياسياً في الحرارة خلال السنوات المقبلة

تقدَّم المساهمات المُحدَّدة وطنياً، التي تُحدِّد تعهدات الدول بخفض الانبعاثات حتى عام 2035، كل خمس سنوات إلى الأمم المتحدة. ولم يبلغ عدد الدول التي قد قدّمت تعهدات جديدة حتى منتصف سبتمبر  40 دولة من أصل 195 وقعت اتفاقية باريس، وقد حثَّت الأمم المتحدة الدول الأخرى على أن تفعل ذلك في الاجتماع المنعقد في نيويورك.

فيما يلي نظرة على ما فعلته الدول الملوثة الرئيسية لخفض الانبعاثات، وأين تترك الجهود العالمية للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض.

ماذا يُمكن أن يحقق اجتماع أممي آخر للمناخ؟

التزمت الحكومات التي وقَّعت على اتفاقية باريس بالحفاظ على الاحترار العالمي عند أقل من درجتين مئويتين، مع تفضيل أن تكون الزيادة 1.5 درجة مئوية فقط. تعمل الاتفاقية بما يُسمى آلية أداة الشد، ما يعني أن الدول تعود كل خمس سنوات إلى طاولة المفاوضات بتعهدات محدثة لخفض الانبعاثات وإظهار مدى إيفائها بالتزاماتها. حالياً، لا تفعل ذلك إذ إن مع ما نحقق حتى الآن، ما يزال الكوكب على مسار احترار يداني 3 درجات مئوية في هذا القرن.

بعد اجتماع نيويورك، ستصدر الأمم المتحدة تقريراً بحلول نهاية أكتوبر يحلل جميع المساهمات المحددة وطنياً لتقييم مدى انحراف العالم عن المسار الصحيح. بعد أسبوعين، سيجتمع المفاوضون في قمة المناخ (COP30) في مدينة بيليم الأمازونية لتحديد ما يجب فعله لسد الفجوة.

ماذا يحدث في الدول الأكثر تلويثاً؟

الولايات المتحدة، التي تسببت في انبعاثات تفوق أي دولة أخرى في التاريخ، هي واحدة من الدول القليلة التي قدمت مساهمات محددة وطنياً، ومع ذلك فقد فعلت ذلك في أواخر عهد إدارة جو بايدن، الذي قدمت حكومته تعهدها بخفض التلوث المسبب للاحتباس الحراري بنسبة 61% على الأقل بحلول عام 2035. الآن ينقلب ترمب على سياسات بايدن المناخية ويعد بزيادة هائلة في إنتاج الوقود الأحفوري. لذا تبدو المساهمات المحددة وطنياً للولايات المتحدة الآن غير مؤثرة إلى حد كبير.

لقد استقرت انبعاثات الصين العام الماضي قرب مستوياتها القياسية. وللإيفاء بأهدافها المناخية -والطلب المتزايد على الكهرباء- غمرت الصين شبكتها بالطاقة المتجددة وتنشر الآن مزيداً من الطاقة الشمسية على أساس سنوي أكثر من بقية العالم مجتمعاً.

2025 عام لا يبعث على التفاؤل مناخياً

تجاوزت الصين هدف عام 2030 بإضافة 1200 غيغاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح قبل ست سنوات تقريباً، وحوالي نصف المركبات الجديدة المباعة في البلاد كهربائية، وفقاً لأرقام بلومبرغ إنتليجنس.

لكن الفحم ما يزال يولد أكثر من نصف كهرباء الصين، وفي العام الماضي شرعت البلاد في أكبر طفرة في بناء الطاقة التي تعمل بالفحم منذ عقد، مع بدء بناء ما يقرب من 95 غيغاواط من الجيل الجديد.

وتبنت الهند، ثالث أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، تركيزاً مماثلاً على مصادر الطاقة المتجددة. تمثل تقنيات الوقود غير الأحفوري بما فيها الطاقة الشمسية والنووية والطاقة الكهرومائية حوالي نصف قدرة التوليد، ما يضع الهند على المسار الصحيح لتحقيق هدفها للطاقة النظيفة لعام 2030. 

3 من أسوأ أخبار المناخ المتغافل عنها هذا العام

لكن، نظراً لأن إمدادات الطاقة المتجددة متقطعة، وتفتقر البلاد إلى ما يكفي من البطاريات لتخزينها، ما يزال الفحم لقيم إنتاج الجزء الأكبر من كهرباء البلاد.

ما يزال الطلب على الطاقة في الصين والهند ينمو، مدفوعاً جزئياً بموجة جديدة من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي كثيفة الاستهلاك للطاقة وتكييف الهواء الإضافي للتعامل مع الطقس الأشد حرارةً.

كجزء من ردهم على تلبية هذا الطلب هو بناء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم والغاز، لذا فإن انبعاثاتها إما لا تنخفض (الهند)، أو لا تنخفض بالسرعة الكافية (الصين)- على الرغم من أن كليهما حقق أهداف المساهمات المحددة وطنياً لعام 2030 للطاقة المتجددة قبل الموعد المحدد.

وكالة الطاقة: الفحم سيحطم الأرقام القياسية سنوياً حتى 2027

ولم تلتزم الهند ولا الصين بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، أو حتى بخفض الانبعاثات المطلقة. وبدلاً من ذلك، ركزوا على خفض “كثافة الكربون”- الكربون المنبعث لكل وحدة من نشاط اقتصادي محدد.

هذا يترك الباب مفتوحاً لمزيد من النمو في انبعاثات الكربون مع توسع اقتصاداتهم بسرعة. وقد انتقد نشطاء المناخ هذا النهج لأنه يسمح للحكومات بادعاء النجاح مع تجنب التخفيضات الفعلية للانبعاثات.

قالت نانديني داس، خبيرة اقتصادية في مجال المناخ والطاقة في مشروع أبحاث متتبع العمل المناخي: “نظرياً، ستكون الهند قادرة على تحقيق أهداف مساهماتها المحددة وطنياً لعام 2030. لكن في الواقع، لا يمكن لأي من هذه الأهداف خفض الانبعاثات المطلقة”.

إذاً، ما الذي يتعين على الدول الأكثر تلويثاً فعله؟

للعودة إلى مسار يُرجح أن يحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين، ستحتاج انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين من قطاع الطاقة إلى خفضها بنسبة 43% بحلول عام 2035 عن مستويات عام 2005، وفقاً لأرقام بلومبرغ إن إي إف. ستحتاج الهند إلى الحد من ارتفاع انبعاثاتها إلى حوالي 27% خلال نفس الفترة للحفاظ على هذا المسار.

إحدى النقاط المضيئة المحتملة هي تحسين المساءلة والشفافية في تقارير المناخ. يُتوقع أن تغطي مساهمات الصين المحددة وطنياً لعام 2035 لأول مرة جميع غازات الاحتباس الحراري، كما يُتوقع أن تتحول البلاد من الضوابط القائمة على كثافة الانبعاثات إلى نهج يركز على الانبعاثات المطلقة.

ما أسباب الخلاف في مفاوضات معاهدة البلاستيك العالمية؟

يُحتمل أن تفيد سياسة مناخية أكثر طموحاً الصين، التي لديها مصلحة اقتصادية في التحول العالمي إلى مصادر الطاقة المتجددة: تصنع البلاد 80% من الألواح الشمسية في العالم، و60% من توربينات الرياح، وحوالي ثلاثة أرباع المركبات الكهربائية في العالم، وفقاً لمتتبع العمل المناخي.

 

ماذا عن الدول الأكثر طموحاً؟ لقد أضعفت عودة ترمب إلى البيت الأبيض تحالف الدول التقدمية التي ساعدت في دفع الالتزامات الكبيرة في اجتماعات قمم المناخ السابقة، بما في ذلك التعهد بالانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري الذي تعهدت به في (COP28) في دبي.

تعرضت حكومات عدة دول متقدمة لضغوط لإبطاء التحول إلى مصادر طاقة أنظف بعد أن أقنع السياسيون المتشككون في المناخ كثيراً من الناخبين بأن سياسات الحياد الكربوني كانت تضخم فواتير طاقة الأفراد.

كتبت فيكتوريا كومينغ، المحللة لدى بلومبرغ إن إي إف، في تقرير صدر في مايو: “إن ضغط الأقران الذي اعتمدت عليه اتفاقية باريس لفترة طويلة سيقوضه خروج الولايات المتحدة من التعهد، وإصرار الاقتصادات النامية على استخدام أشكال أقل صرامة لتحديد الأهداف”.

الاحترار العالمي قضية اليوم ولم يعد مشكلة أحفادنا

طرحت المملكة المتحدة بعضاً من أكثر أهداف خفض الكربون طموحاً بين الاقتصادات المتقدمة. تكافح الدول السبع والعشرون في الاتحاد الأوروبي للاتفاق على أهداف مناخية جديدة، وسيفوت الاتحاد الموعد النهائي لتقديم تعهده في الأمم المتحدة، وسيأتي بدلاً من ذلك ببيان نوايا فقط لتقديم تعهد بخفض الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 62.5% و72.5%.

سيعتمد الكثير على نتيجة النقاش بين القادة الوطنيين في نهاية أكتوبر. يكمن الخطر في الفشل في التوصل إلى اتفاق، أو تقديم هدف منخفض، ما يخفف الضغط على الصين وبقية العالم لتكثيف طموحاتهم الخاصة خلال مؤتمر الأطراف الثلاثين في البرازيل.

هل هناك أموال كافية لتمويل جميع تخفيضات الانبعاثات هذه؟

لا. اتفقت ما يقرب من 200 دولة في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين الذي عُقد العام الماضي في أذربيجان على مضاعفة مبلغ الأموال المتاحة للدول النامية التي تواجه ارتفاعاً سريعاً في درجات الحرارة ثلاث مرات.

لكن الاتفاق لم يرقَ إلى مستوى المطلوب للانتقال المتوافق مع اتفاقية باريس. تعهدت الدول الغنية بتوفير ما لا يقل عن 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035 من خلال مجموعة واسعة من المصادر، بما في ذلك التمويل العام بالإضافة إلى الصفقات الثنائية والمتعددة الأطراف.

كما دعت الاتفاقية الأطراف إلى العمل على إطلاق ما مجموعه 1.3 تريليون دولار سنوياً، ويُتوقع أن يأتي معظمها من خلال التمويل الخاص.

إن ندرة التمويل تعني أن الدول النامية قد تقدم أهدافاً مناخيةً أقل طموحاً، أو تستخدم الالتزامات المستقبلية كوسيلة ضغط في المفاوضات للحصول على الأموال اللازمة لإعادة تجهيز أنظمة الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري وبناء البنية التحتية التي يمكن أن تساعد السكان المتزايدين على التكيف مع درجات الحرارة الأكثر دفئاً.

ما هي العقبات الأخرى التي تحول دون خفض الانبعاثات؟

اختناقات الشبكة، على سبيل المثال. انخفضت تكلفة تركيب وتشغيل مصادر الطاقة المتجددة منذ توقيع اتفاقية باريس، حيث انخفضت تكلفة الكهرباء لطاقة الرياح البرية بنحو الثلثين وانخفضت تكاليف توليد الطاقة الشمسية ذات المحور الثابت بنسبة 78%. وهذا يجعلها أرخص بكثير من محطات الطاقة التي تعمل بالغاز ذات الدورة المركبة، وفقاً لتحليل بلومبرغ إن إي إف. لكنها ما تزال بحاجة إلى شبكات يمكنها التعامل مع الطاقة التي تنتجها. وكانت الحكومات بطيئة في دفع تكاليف تحسينات الشبكة الكبيرة. كما كانوا مترددين في وضع قيود على استخدام الفحم والغاز، حيث يمكن أن تكون هذه الصناعات مصادر مهمة للوظائف والإيرادات الحكومية.

قال لوري ميليفيرتا، المحلل الرئيسي في مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف ومقره هلسنكي: “لقد حقق المهندسون بالفعل ما وعدوا به، لكن صانعي السياسات لم يحققوا ما وعدوا به إلى حد بعيد”. إن العوامل الاقتصادية “واعدة أكثر بكثير مما كنا نتخيله في باريس”.

هل هناك أي أمل في تجنب تغير المناخ الكارثي؟

إذا حققت الدول أهدافها الحالية للمساهمات المحددة وطنياً لعام 2030، يُتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار 2.6 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول نهاية القرن.

يقول علماء المناخ إن ذلك سيؤدي إلى موجات حر شديدة ومتكررة وحرائق غابات وعواصف ونفوق فصائل وارتفاع مستويات سطح البحر بشكل كبير بسبب ذوبان الصفائح الجليدية بسرعة. سيكون هناك مزيد من الأحداث الجوية المتطرفة “المركبة”، حيث ينتقل أحدها إلى آخر متسبباً بأضرار واضطرابات كبيرة.

Exit mobile version