Site icon السعودية برس

هل أصبح العالم يكره العلامات التجارية الأميركية الشهيرة؟

على مدى 66 عاماً، كان قبر لينين أكثر أماكن موسكو ارتياداً حتى افتتحت سلسلة ”ماكدونالدز“ مطعماً هناك في 1990. في ذلك العام، اصطف نحو 10 ملايين إنسان لساعات طويلة أرتالاً ليتذوقوا طعم “بيغ ماك” ومعه نكهة الثقافة الأميركية لأول مرة، وتجاوزوا عدد 3.2 مليون شخص انتظروا لرؤية مؤسس الاتحاد السوفييتي المسجى محنطاً.

قال أحد سكان موسكو الذين كانوا مصطفين أمام أقواس ”ماكدونالدز“ الذهبية لمطعم لصحفي من مجلة ”فورتشن“ آنذاك: “على الأقل يمكنك الحصول على شيء تأكله هنا. من يريد الوقوف في رتل ليرى جسد رجل ميت؟”.

خروج “ماكدونالدز” من روسيا يشي بإسدال ستار حديدي جديد

ربما لا يوجد مثال أفضل على كيف أن العلامات التجارية الأميركية لم تستفد فقط من القوة الناعمة الأميركية حول العالم، بل ساهمت أيضاً في تسهيل انتشارها. وكما قال الخبير الاقتصادي أندرو روز: “كسب القلوب والعقول يجلب المبيعات أيضاً”.

يشير ذلك إلى أنه مع تخلي إدارة ترمب عن أساليب كسب القلوب والعقول في التسلط والإكراه الاقتصادي، أصبح بقية العالم أقل اهتماماً بما تبيعه أميركا، سواءً علاماتها التجارية أو القيم التي أصبحت تُجسدها.

مشاعر العداء تجاه الولايات المتحدة

في مكالمة أرباح حديثة، حذرت ”ماكدونالدز“، التي غادرت روسيا في نهاية المطاف عام 2022 بعد غزو أوكرانيا، من أن “تصاعد المشاعر المعادية لأميركا” قد يؤدي إلى تراجع مشتريات المستهلكين من العلامات التجارية الأميركية.

أشارت شركة ”ليفي شتراوس آند كو“ إلى “تصاعد المشاعر المعادية لأميركا” في المملكة المتحدة، قائلةً إن ذلك قد يدفع المستهلكين بعيداً عن منتجاتها. وتضع محلات السوبر ماركت في كندا والدنمارك لافتات على المنتجات الأميركية لتلبية رغبة متزايدة من المتسوقين بتجنبها. وتقدم تطبيقات متعددة خدمة مماثلة.

ترمب يريد ضم غرينلاند إلى أميركا.. حسابات الربح والخسارة لجزيرة الجليد الدنماركية

ليس المستهلكون الأوروبيون أو الكنديون وحدهم من يبتعدون عن الولايات المتحدة. أظهر استطلاع رأي أجرته شركة ”كانتار“ للبيانات والتحليلات، وشمل أكثر من 10000 شخص في 20 دولة، أن 37% من المشاركين خارج الولايات المتحدة قالوا إنهم سيتوقفون عن شراء المنتجات والخدمات الأميركية بسبب الرسوم الجمركية. وترتفع هذه النسبة إلى 57% في كندا، التي صرح ترمب بأنه يرغب في جعلها الولاية رقم 51.

ينبغي على الشركات الأميركية أن تقلق من أن هذا الأمر يتجاوز مجرد المقاطعة، لأن المقاطعة عادةً ما تتلاشى ونادراً ما تكون كبيرة الأثر. بل قد يكون هذا “تحولاً هيكلياً محتملاً طويل الأمد” بعيداً عن العلامات التجارية الأميركية، وفقاً لتوقعات خبراء اقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي.

نتائج “ماكدونالدز” تتأثر بالمقاطعة في الشرق الأوسط وتباطؤ النمو الأميركي

لقد وجدت أبحاثهم أن المستهلكين الأوروبيين كانوا مدفوعين لشراء المنتجات غير الأميركية بدافع التفضيل أكثر من ارتفاع الأسعار المرتبط بالرسوم الجمركية، مما يعني أنه كان قراراً عاطفياً وليس اقتصادياً.

كما أن المنتجات الأميركية معرضة لخطر فقدان بريقها أمام علامات تجارية عالمية أخرى، تُدرك بلدانها الأصلية أهمية القوة الناعمة. ما تزال الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى في مؤشر القوة الناعمة لعام 2025 الذي تعدّه شركة ”براند فاينانس“، إلا أن الشركة الاستشارية تُشير إلى ركود درجات أميركا مع تضرر سمعتها العالمية. في غضون ذلك، صعدت الصين إلى المركز الثاني، لتصل إلى أعلى مرتبة بلغتها على الإطلاق، متجاوزةً المملكة المتحدة لأول مرة.

الصين تعزز مكانتها عالمياً

على النقيض من الولايات المتحدة، بذلت الصين جهوداً متضافرة للاستثمار في صورتها العالمية، بما في ذلك تعزيز علاماتها التجارية. من منكم لا يرغب بدمية ”لابوبو“؟. كما تقدمت كوريا الجنوبية 12 مركزاً، بعد أن عززت مكانتها جزئياً بفضل منتجات ثقافية مثل ”كي-بوب“ و“سكويد جيم“.

أحد الحلول للشركات الأميركية هو النأي بنفسها عن سياسات إدارة ترمب. لكن حتى الآن، لم يكن هذا هو المسار الذي كان الرؤساء التنفيذيون الأميركيون على استعداد لاتخاذه، خوفاً من الانتقام. 

الرسوم الجمركية تشعل أزمة بين إدارة ترمب و”أمازون”

لقد شاهدوا شركة ”أمازون“ تُنهي مداولاتها حول ما إذا كانت ستُحمّل بعض المنتجات زيادات في الأسعار بسبب الرسوم الجمركية -وهو ما وصفته الإدارة بأنه “خطوة عدائية وسياسية”- بعد أن تلقى جيف بيزوس مكالمة من الرئيس.

كما دعا ترمب علناً مجموعة ”غولدمان ساكس“ إلى استبدال كبير اقتصادييها، وسخر من الرئيس التنفيذي ديفيد سولومون لتوقّعه أن الرسوم الجمركية ستؤدي في النهاية إلى زيادة التضخم.

قد يكون الحل هو التصرف كشركة متعددة الجنسيات تلبي احتياجات الأسواق المحلية، وليس كعلامة تجارية أميركية تُزيّن نفسها بالألوان الأحمر والأبيض والأزرق.

لعلّ شركة ”ولمارت“ هي أفضل من فعل ذلك. خارج حدود الولايات المتحدة، نادراً ما تُوصف أكبر شركة في البلاد من حيث المبيعات بأنها أميركية. قال ديف ماركوت، نائب الرئيس الأول للاستشارات الاستراتيجية لتجارة التجزئة في كانتار: “هذا جزء من جهد حثيث”. ونتيجةً لذلك، تمكنت ”ولمارت“ من تجاوز الإدارة، والتحدث مباشرةً إلى زبائنها.

ترمب يهاجم “ولمارت” بعد عزمها رفع الأسعار بسبب الرسوم

في كندا، حيث تسود مشاعر معادية لأميركا، تُعدّ ولمارت واحدة من أسرع شركات التجزئة نمواً؛ في يناير، ضخّت أكبر استثمار لها على الإطلاق في البلاد. وفي المكسيك، شاركت الشركة في مبادرة لتوظيف المواطنين المرحّلين من الولايات المتحدة، مما يُبرز مكانتها كشركة كبيرة لتوفير فرص العمل في البلاد.

تأتي استراتيجية ”ولمارت“ بعد دروس قاسية حول ما قد يحدث عند التوسع الدولي بغرور كبير. خرجت الشركة من ألمانيا عام 2006 بعد فشلها في تعلم واتباع معاييرها الثقافية؛ فقد كانت تُعبّئ البقالة في أكياس، وتُجبر البائعين على الابتسام للزبائن، وتصطدم مع النقابة المحلية- وهي كلها ممارسات مرفوضة تماماً في تلك السوق. حتى أن الألمان واجهوا صعوبة في نطق اسم الشركة.

بعد تلك الكارثة، أصبح مرجحاً أن تتعاون ”ولمارت“ مع الشركات المحلية عند دخولها بلداً جديداً، بل وتعمل أحياناً تحت اسم آخر. (ما تزال الشركة غائبة عن ألمانيا).

حتى الآن، كان الاعتماد على السمعة العالمية للولايات المتحدة استراتيجيةً فعالةً ومعقولةً في الغالب للشركات الأميركية في الخارج. لكن مع تزايد التشكيك في مصداقية العلامة التجارية الأميركية، ستضطر شركات كثيرة لأن تسعى لكسب قلوب الزبائن بمفردها.

Exit mobile version