قال الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم ، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن الله الغنيُّ بذاتِه عمَّنْ سواه، العرشُ فما دونَه مُفتَقِرٌ إليه، ومُلْكُه لا يزيدُ بطاعةِ الطائعين، ولا يَنقُصُ بمعصيةِ العاصين.
ملكه لا يزيد
وأوضح “القاسم” خلال خطبة الجمعة الأولى من شعبان اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، أن الله تعالى له المُلْكُ الكاملُ والتَّصرُّفُ المُطلَقُ في السَّمواتِ والأرضِ، بغيرِ شَريكٍ ولا نَديدٍ، يَفعَلُ فيها ما يشاءُ، ولتمامِ قدرتِه سَجَدَ له مَنْ في السَّمواتِ ومَنْ في الأرضِ طَوْعًا وكَرْهًا.
وأضاف أن اللَّهُ تعالى خَلَقَ الخَلْقَ لعبادتِه وحده لا شريكَ له، وأمرهم بتوحيدِه، ونهاهم عن الإشراكِ به، وقَرَّرَ هذا الأمرَ وبرهنَ عليه، وضربَ له الأمثالَ لتقريبِ المعاني للأفهام، وعامَّةُ القرآنِ في تقريرِ هذا الأصلِ العظيمِ.
وتابع: الذي هو أصلُ الأصولِ، وأوَّلُ الدِّين وآخرُه، وباطنُه وظاهرُه، منوهًا بأنه قد بَيَّن سبحانَه في كتابِه كمالَ صفاتِه؛ لتُصْرَف العبادةُ له وحدَه؛ إذ العبادةُ لا يَستحِقُّها إلَّا مَنْ كان مُتَّصِفًا بصفاتِ الكمال، وأوَّلُ الرُّسلِ نوحٌ عليه السلام نَفَى هذه الثَّلاثةَ عن نفسِه.
واستشهد بما قال الله تعالى : ﴿ وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾، وأمر اللَّهُ نبيَّنا مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم أن يَبْرَأ من دعوى هذه الثَّلاثةِ بقوله: (قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ).
خلقَ كلَّ شيءٍ وحده
واستطرد: وأمَّا اللَّهُ فعِلْمُه سبحانَه مُحِيطٌ بكلِّ شيءٍ، ويَعلَمُ ما في الصُّدورِ، والمخلوقُ لا يَعلَمُ ما سيكون في الغدِ، ولا يَعلَمُ ما غاب عن بصرِه، ولا يَعلَمُ عدد شَعَرَاتِ رأسِه، فقدرة الله عزوجل عظيمة فخلقَ كلَّ شيءٍ وحده دونَ كُلِّ آلهةٍ ومَعبودٍ، والخَلْقُ مُتَّفِقون على ذلك.
ودلل بما قال عز وجل : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) ومن كمالِ قدرتِه: تدبيرُ الأمورِ، فبيدِه سبحانه وحده النفعَ والضرَّ، وهو الذي يَهدِي مَن يشاءُ من عبادِه ويُطعِمُهم ويَسقِيهم، ويَشفيهم ويُمِيتُهم ويُحيِيهم ، وبيدِه سبحانه أرزاقَ العبادِ.
وأشار إلى أنه بَيَّنَ سبحانه كمالَ صفاتِه بَيَّنَ أنَّ الآلهةَ من دونِه لا تَستَحِقُّ العبادةَ؛ إذ ليس فيها من أوصافِ الرُّبوبيَّةِ شيءٌ؛ فهي لا تَخلُقُ ولا تُغَيِّرُ شيئًا ممَّا أرادَه اللَّه، فقال إبراهيم للنُّمرود الذي ادَّعى الرُّبوبيَّةَ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾.
أضاعَ معنى العبوديَّةِ
ونبه إلى أن الآلهةُ من دونِ اللَّه لا تملكُ تفريجَ كروبِ النَّاسِ وقضاءَ حوائجِهم، و اللجوءُ إليها كمَنْ يلجأُ إلى أضعفِ بيتٍ وهو بيتِ العنكبوتِ، ومَنْ جعلَ الأمواتَ أو الأولياءَ والصَّالحينَ واسطةً بينه وبين اللَّه في الدُّعاء؛ فقد أضاعَ معنى العبوديَّةِ ومقتضيات الرُّبوبيَّةِ.
وأفاد أن عبادةُ غيرِ اللَّه مبنيَّةٌ على الجهلِ، ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾، ولا برهانَ على عبادتهم مع اللَّهِ غيرَه، قال سبحانه: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾، وإنَّما هو التَّقليد، ﴿قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾.