Site icon السعودية برس

مع افتتاحه رسمياً.. سد النهضة الإثيوبي ما له وما عليه

مع افتتاح سد النهضة الإثيوبي اليوم، تقف منطقة حوض النيل عند نقطة تحوّل جيوسياسية بالغة الدقة، إذ يمثل المشروع حلماً تنموياً وإنجازاً وطنياً لإثيوبيا، فيما يثير مخاوف وجودية لدى مصر والسودان. 

يعد المشروع أكبر محطة في أفريقيا بطاقة تصميمية تبلغ 6450  ميغاواط وسعة تخزين هائلة تقترب من 74 مليار متر مكعب من المياه، وتقول الحكومة الإثيوبية إن التمويل تم عبر سندات وتبرعات شعبية بلغت نحو 169 مليون دولار، وشيّدته شركة “وي بيلد” الإيطالية تحت إشراف شركة الكهرباء الإثيوبية الحكومية، بينما موّلت الصين خطوط النقل وقدّمت شركاتها معدات كهرومائية من خلال قروض.

في المقابل تراه مصر والسودان مصدر تهديد ما لم تُعقد اتفاقية ملزمة بشأن ملئه وتشغيله. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شدد مؤخراً على أن الدولة لا يمكنها التفريط في حصتها من النيل، وأن المساس بها يعنى المساس بحياة 105 ملايين مصري. فيما حذر وزير الري السوداني السابق ياسر عباس من أن الملء الأحادي قد يهدد نصف سكان وسط السودان ويقلص إنتاج سدود الروصيرص ومروي. 

قد يهمك: انتهاء مفاوضات سد النهضة في القاهرة بلا تقدم يُذكر

يرصد التقرير التالي تطورات  إنشاء سد النهضة الإثيوبي من خلال إلقاء الضوء على عدد من الزوايا المتعلقة بالمشروع. 

ما الذي يفعله سد النهضة فعلياً؟

بحسب بيانات وزارة المياه والطاقة الإثيوبية، يعد سد النهضة الإثيوبي الذي بدأ إنشاؤه في عام 2011، مشروعاً كهرومائياً سيوفر عند اكتمال طاقته القصوى قدرة 6450 ميغاواط، ويقع على مجرى النيل الأزرق في غرب إثيوبيا، ما يجعله أكبر محطة كهرومائية في إفريقيا. من المقرر أن تمكّن هذه الطاقة السد من إنتاج 15000–16000 غيغاواط في الساعة سنوياً.

اقرأ المزيد: أكبر سد في أفريقيا يبدأ توليد الكهرباء لإثيوبيا رغم اعتراض مصر

وفقاً لبيانات شركة “وي بيلد” (WeBuild) الإيطالية المنفذة للمشروع، تكوّنت خلف السد بحيرة ضخمة تبلغ مساحتها حوالي 1875 كيلومتراً مربعاً، وبسعة تخزين تصل إلى 74 مليار متر مكعب من مياه النيل، أي ما يعادل تقريباً التدفق السنوي للنيل الأزرق. 

من دفع وشيّد وشغّل؟

في يوليو الماضي، ذكرت فيكرتي تامير، نائبة مدير مكتب تنسيق سد النهضة الإثيوبي، أنه لم يُستخدم أي قرض أو تمويل خارجي لبناء المشروع، ولكن عبر بيع سندات وتلقي تبرعات وحملات الرسائل النصية، ومبادرات مجتمعية أخرى، والتي قُدرت قيمتها بحوالي 169 مليون دولار. 

أما الجهة المنفّذة لأعمال الإنشاءات فهي شركة “وي بيلد” الإيطالية، بينما يعد المشروع مملوكاً ومداراً بالكامل من قبل شركة الكهرباء الإثيوبية الحكومية.

شارك في تقديم الاستشارات للمشروع تحالف فرنسي-إيطالي يضم شركتي “كوين إي بيلير” (Coyne et Bellier) و”إي إل سي إليكتروكونسلت” (ELC Electroconsult)، بحسب الموقع الإلكتروني للمجلس الأطلسي.  

وفقاً للموقع الإلكتروني لصحيفة “آسيا تايمز”، قدمت الصين في عام 2013 قرضاً قدره 1.3 مليار دولار خصص لبناء خطوط نقل الكهرباء من السد إلى العاصمة أديس أبابا، وهو ما سمح بربط المشروع بالشبكة الوطنية، وشاركت شركات صينية مثل “تشاينا غزوبا غروب” و”فويث هايدرو شنغهاي” في الإنشاء وتوريد المعدات الكهرومائية للسد.

كيف تستفيد إثيوبيا اقتصادياً من مشروع سد النهضة؟ 

السد من المقرر أن يوفر لها طاقة كهرومائية يزيد حجمها عن 6 ملايين غيغاواط، لتضاعف حجم الإنتاج الحالي لها في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من نصف سكانها بدون كهرباء. 

في إبريل الماضي، ذكر تقرير رسمي لسد النهضة نشره مكتب رئيس الوزراء آبي آحمد أن إثيوبيا تتطلع إلى توسيع صادراتها من الطاقة إلى دول الجوار (كالسودان وجيبوتي وكينيا). 

يروّج مسؤولون إثيوبيون لفوائد مائية محتملة للسد نفسه، مثل تنظيم تدفقات النيل الأزرق على مدار العام وتقليل الفيضانات الكبيرة، الأمر الذي قد يخدم دول المصب أيضاً عن طريق خفض مخاطر الفيضانات وترشيد فاقد المياه بالتبخر. 

طالع المزيد: رئيس وزراء إثيوبيا يطلق عملية إنتاج الكهرباء من سد النهضة 

لماذا تعترض مصر على مشروع سد النهضة؟ 

 تدعو مصر إلى ضرورة التوصل أولاً إلى اتفاق ملزم مع أديس أبابا بشأن ملء وتشغيل السد، لضمان استمرار تدفق حصتها المائية من نهر النيل. 

خلال مؤتمر صحفي الشهر الماضي مع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي: “لسنا ضد التنمية لدى أشقائنا، ولكننا نتحدث عن 85 مليار متر مكعب من المياه، أي ما يعادل 4% فقط، تصلنا نحن والسودان من الإجمالي البالغ 1600 مليار متر مكعب من كميات الأمطار التي تسقط على حوض النيل، وليس لدينا موارد مياه أخرى. ولا يتصور أحد أننا يمكن أن نتخلى عن حصتنا أو جزء منها، وإلا فإننا نتخلى عن حياتنا”.

اقرأ أيضاً: وزير الري: مصر تواجه تحديات مائية كبرى على رأسها سد النهضة 

أضاف: “المصريون لديهم قلق شديد من مسألة المياه، وهذا الملف جزء من حملة الضغوط على مصر لتحقيق أهداف أخرى. ولن نسمح أبداً المساس بالمياه التي يعيش عليها 105 ملايين مصري، وحوالي 10 ملايين من الضيوف (اللاجئين)”. 

من جانبه، قال وزير الخارجية بدر عبد العاطي، في تصريحات سابقة لـ”الشرق”، إن الحقوق المائية لمصر خط أحمر، مشيراً إلى توقف المفاوضات مع إثيوبيا بسبب المراوغة والتفاوض بسوء نية من الطرف الآخر، حيث ظلت مصر تتفاوض لأكثر من 13 عاماً دون التوصل إلى شئ، وتم استغلال هذه المفاوضات في فرض أمر واقع على الأرض من خلال بناء هذا السد. 

أضاف: “نؤكد على أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم فيما يتعلق بتشغيل السد، وأهمية الإخطار المسبق لأي مشروعات من هذا النوع. هذا نهر عابر للحدود ودولي، وليس نهراً تملكه إثيوبيا أو أي دولة أخرى، وبالتالي ينطبق عليه قواعد القانون الدولي”. التفاصيل في الفيديو التالي.




من جهته، رفض وزير الري هاني سويلم بشكل قاطع سياسة إثيوبيا في فرض الأمر الواقع من خلال إجراءات أحادية تتعلق بنهر النيل. وقال في يوليو الماضي: “إثيوبيا دأبت على الترويج لاكتمال بناء السد – غير الشرعي والمخالف للقانون الدولي – رغم عدم التوصل إلى اتفاق ملزم مع دولتي المصب”.

اقرأ أيضاً: بدء مفاوضات عاجله بين مصر وإثيوبيا للاتفاق حول سد النهضة

نشرت السفارة المصرية في واشنطن ورقة معلومات في يناير 2021 ذكرت أن كل انخفاض بمقدار مليار متر مكعب من تدفق النيل قد يؤدي إلى فقدان 290 ألف مصدر دخل للمصريين وفقدان 130 ألف هكتار من الأراضي المزروعة، بالإضافة إلى خسارة 430 مليون دولار من الإنتاج الزراعي وزيادة 150 مليون دولار في واردات الغذاء. وأوضحت الورقة نفسها أن النقص ذاته يمكن أن يُزيل أكثر من مليون وظيفة ويقلص الناتج الاقتصادي بنحو 1.8 مليار دولار سنوياً.

ما هي الأضرار بالنسبة إلى السودان؟

يعتبر السودان أن ملء السد تم دون اتفاق معه يضر بأمنه المائي. وصرح وزير الري والموارد المائية السوداني السابق ياسر عباس في فبراير 2021 لـ “رويترز” بأن أي خطوة أحادية لملء سد النهضة تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي السوداني. 

في مقابلة أخرى مع وكالة “إيه إف بي”، لفت عباس إلى أن ملء السد دون اتفاق “سيهدد حياة نصف سكان وسط السودان”، وسيؤثر على مياه الري وتوليد الكهرباء من سد الروصيرص. وحذر من أن سد “مروي” قد يفقد 30% من طاقته الكهربائية، وستتأثر محطات مياه الشرب إذا تم الملء دون تنسيق. 

اقرأ المزيد: مصر والسودان: أمننا المائي لا يتجزأ.. ونرفض الإجراءات الأحادية بشأن “سد النهضة”

ما المآخذ القانونية على المشروع؟

الإطار القانوني لإدارة قضية سد النهضة يرتكز على “إعلان المبادئ” الموقّع في الخرطوم في عام 2015 بين مصر والسودان وإثيوبيا، مع استمرار التفاوض تحت مظلة الاتحاد الإفريقي وبمساندة الأمم المتحدة. ينص الإعلان على إعداد دراسات مشتركة بواسطة لجنة فنية دولية للوصول إلى اتفاق حول سيناريوهات الملء الأول لبحيرة السد والتشغيل السنوي، مع وجوب إخطار مصر والسودان بأي ظروف طارئة تتطلب تغيير التشغيل. 

الأمم المتحدة أكدت أن هذا الإعلان يلزم الدول الثلاث بـ”التعاون والاستخدام العادل والمعقول للمياه” وتسوية النزاعات سلمياً، والعمل على حل القضايا العالقة تحت رعاية الاتحاد الإفريقي. وفي اجتماع مجلس الأمن في يوليو 2021، شددت الدول الأعضاء على أن إعلان المبادئ هو الأساس القانوني للتفاوض، لكنه ما زال يحتاج إلى اتفاق مفصّل بشأن آلية حل النزاعات وإدارة السد أثناء الجفاف الممتد. 

اقرأ المزيد: مصر لمجلس الأمن: مستعدون لكافة الخطوات دفاعاً عن وجودنا بشأن سد النهضة

وفقاً لدراسة نشرها المعهد الأوروبي للعلاقات الدولية في عام 2021، فقد خالفت إثيوبيا المادة 7 من اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية الدولية (1997)، والتي تنص على التزام الدول بتجنب إحداث ضرر كبير للدول المشاطئة الأخرى، ما سيؤدي إلى خسائر مائية متوقعة تتكبدها مصر تبلغ 37.2 مليار متر مكعب في الظروف العادية، و55.1 مليار متر مكعب في حالة الجفاف. 

دور أميركا.. وسيط أم طرف؟ 

تباينت مواقف الإدارة الأميركية في عهد كلٍ من الرئيس السابق جو بايدن، والحالي دونالد ترمب. ففي عام 2020، كلفت إدارة ترمب (خلال ولايته الأولى) وزارة الخزانة والبنك الدولي بتيسير إجراء محادثات بين أطراف القضية، وهم مصر وإثيوبيا والسودان، للتوافق بشأن مشروع سد النهضة. 

أثمر ذلك عن التوصل إلى اتفاق بشأن خطة ملء السد على مراحل وآليات تخفيف الآثار خلال فترات الجفاف وقواعد التشغيل العادية والتنسيق وآلية لفضّ النزاعات.  

بعد انهيار المحادثات وانسحاب إثيوبيا من الاجتماع في فبراير 2020، أوقف ترمب المساعدات الأميركية إلى إثيوبيا. 

وخلال عهد الرئيس السابق بايدن، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن وقف المساعدات لإثيوبيا (منذ الفترة الرئاسية الأولى لترمب) لم يعد مرتبطاً بملف السد، وأن واشنطن ستراجع سياستها بشأن سد النهضة وتعيد تقييم دورها.

وبعد تولي ترمب الفترة الرئاسية الثانية هذا العام، صرح في يوليو الماضي، عقب لقائه مع الأمين العام لحلف الناتو مارك روته: “نحن نعمل على حلّ هذه المشكلة بسرعة، وسننجز ذلك قريباً جداً”. 

Exit mobile version