Site icon السعودية برس

ما هي لعبة “روبلوكس”.. ولماذا تحظرها وتقيدها دول عربية؟

“روبلوكس” منصة الألعاب الإلكترونية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، يقضي الأطفال والمراهقون ساعات طويلة في عوالمها، يلعبون ويتفاعلون ويتعلمون ويبتكرون، بل وينفقون عليها أموالهم. لكن فيما يغوص الصغار في تلك العوالم الافتراضية، يزداد قلق الأهل، ماذا لو صادفوا محتوى ضاراً؟ وماذا عن خطر التنمر أو الاستغلال من غرباء يختبئون خلف الشاشات؟ ومع توالي الشكاوى والتحذيرات، عمدت بعض الدول من الصين إلى تركيا، مروراً بعدد من الدول العربية لحجب اللعبة أو فرض قيود على بعض خصائصها.

ما هي لعبة “روبلوكس”؟

“روبلوكس” ليست مجرد لعبة واحدة، بل منصة ضخمة تضم ملايين الألعاب والعوالم التفاعلية التي أنشأها اللاعبون بأنفسهم. وتجمع بين اللعب والتصميم والبرمجة والتفاعل الاجتماعي، وتستقطب بشكل خاص الأطفال والمراهقين.

تقدّم المنصة التي تضمّ شخصيات شبيهة بالليغو بيئة تفاعلية تُتيح للمستخدمين تخصيص شخصياتهم (أفاتار)، وشراء عناصر افتراضية باستخدام عملة “روبوكس” (Robux)، والانضمام إلى مجتمعات ألعاب متنوعة. كما توفّر أداة “Roblox Studio” التي تمكّن المستخدم من تصميم ألعابه بواسطة لغة البرمجة “Lua”، مع إمكانية تحقيق أرباح في حال لاقت الألعاب رواجاً.

وتتضمّن المنصة أيضاً خاصية “الدردشة داخل التجربة” (Experience Chat) التي تمكّن المستخدمين من التواصل المباشر أثناء اللعب، سواء بشكل جماعي داخل نفس التجربة أو عبر رسائل خاصة وتنتهي المحادثة بمجرد إغلاق النافذة. 

تقول “روبلوكس” إنها تُخضع جميع الرسائل لنظام فلترة ذكي يحجب المحتوى غير اللائق والمعلومات الشخصية، كما تختلف تجربة الدردشة بحسب عمر المستخدم، مع إمكانية تفعيل الرقابة الأبوية لتحديد من يمكنه التواصل مع الطفل أو تعطيل الدردشة كلياً.

وكانت الشركة أشارت الشهر الماضي إلى أن متوسط عدد المستخدمين النشطين يومياً يبلغ 111.8 مليون مستخدم، يرسلون 6.1 مليار رسالة دردشة ويحمّلون إبداعاتهم على الخدمة. ويشكّل الأطفال الأقل من 13 عاماً نحو 36% من عدد مستخدميها.

حظر “روبلوكس” في عدد من الدول العربية

فرضت عدّة دول في الشرق الأوسط حظر اً أو قيوداً على منصة “روبلوكس” خلال الأشهر الأخيرة، وسط تصاعد المخاوف المتعلقة بسلامة الأطفال والمراهقين.

وبعد حظرها في سلطنة عمان، اتخذت قطر  خطوة مشابهة، حسب وسائل إعلام محلية في البلدين. وبدأ الحظر القطري من 13 أغسطس الماضي حفاظاً على سلوكيات الأطفال وحمايتهم من المخاطر الأخلاقية والسلوكية، وفق تلك الوسائل.

أما في الكويت، نقلت وسائل إعلام محلية عن الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات حجب “روبلوكس” بعد تصاعد الشكاوى من الأهل، وأشارت إلى أن الحجب مؤقت لحين التوصل إلى التزامات واضحة من الشركة بحذف المواد المسيئة وتطبيق معايير حماية صارمة للأطفال.

 كذلك في السعودية، السوق الإقليمية الأكبر للألعاب الإلكترونية، فقد ألزمت الهيئة العامة لتنظيم الإعلام الشركة بإيقاف المحادثات النصية والصوتية وتشديد رقابة المحتوى على المنصة، فيما أكدت “روبلوكس” التزامها بهذه الشروط من خلال تعزيز أدوات الإشراف بواسطة الذكاء الاصطناعي وتوفير مراقبين متخصصين باللغة العربية.. المزيد من المعلومات في الفيديو أدناه:

وبالتوازي، أعلنت هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية في الإمارات (TDRA) بالتعاون مع المنصة عن تعطيل مؤقت لخاصية الدردشة الصوتية والنصية داخل اللعبة، وذلك ضمن إجراءات تهدف إلى تعزيز السلامة الرقمية للأطفال.

نمو متسارع في الشرق الأوسط

كشف تقرير أصدرته الشركة في فبراير الماضي أن عدد المستخدمين النشطين يومياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفع بنسبة 80% بين الربع الثالث 2021 والربع الثالث 2024، في حين زاد إجمالي ساعات اللعب بنسبة 76% خلال الفترة نفسها.

وأشار التقرير إلى أن المنصة ساهمت بما يُقارب 15 مليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي لخمسة من أكبر أسواقها الإقليمية، هي السعودية والإمارات وقطر ومصر والمغرب. كما أن النشاط الاقتصادي المتزايد الذي تولده منصة “روبلوكس” في المنطقة أسهم في دعم ما يقدَّر بنحو 194 وظيفة.

وكانت”روبلوكس” أعلنت في فبراير 2025 عن إطلاق دعم اللغة العربية رسمياً ضمن مجموعة من 16 لغة خلال منتدى “قمة الحكومات العالمية” في دبي، في إطار سعيها لتعزيز حضورها في المنطقة.

مخاطر على طفلك من “روبلوكس”

 تصاعد الانتقادات لـ”روبلوكس” في الأشهر الماضية على خلفية ثغرات تتعلق بحماية القاصرين من المحتوى غير المناسب والتواصل غير الآمن.

وكان الجدل احتدم بعد قرار الشركة حظر صانع المحتوى المعروف بـ”شليپ” (Schlep)، الناشط في مجال كشف حالات تحرّش بالأطفال داخل اللعبة. فقد تلقى في 9 أغسطس 2025، إشعاراً من الشركة بحظر حساباته نهائياً، بعد أن اتهمته بانتهاك سياساتها وممارسة “أنشطة مراقبة ذاتية” تُهدد آليات السلامة المعتمدة لديها، ما أثار موجة غضب واعتراض.

في غضون ذلك، أطلق عدد من المنظمات المعنية بحماية الأطفال تحذيرات بشأن المخاطر المحتملة التي يتعرّض لها المستخدمون الصغار. فقد نبّهت منظمة “كومون سينس ميديا” (Common Sense Media)، المتخصصة في مراجعة وتصنيف المحتوى الرقمي، من احتمالية تعرّض الأطفال لمحتوى عنيف أو جنسي أو عنصري على المنصة، داعيةً الأهل إلى تقييد خاصية الدردشة ومراقبة استخدام الألعاب، وفقاً لتقرير نشرته شبكة “سي بي أس”.

اقرأ أيضاً: تركيا تحظر منصة ألعاب “روبلوكس” بسبب مخاطر إساءة معاملة الأطفال

من جهتها، دعت منظمة “سايبر سيف كيدز” (CyberSafeKids) الإيرلندية الأهل لعدم الانخداع بطبيعة “روبلوكس” الموجهة للأطفال، مشيرةً إلى تلقيها بلاغات من أطفال تعرّضوا لمحتوى غير لائق وتنمّر إلكتروني.

كما أعربت منظمة “بيرنتس توغذر أكشن” (ParentsTogether Action) عن قلقها من أن المنصة قد تُتيح تجارب غير مناسبة للأطفال، تتضمّن تفاعلات مع بالغين في غرف دردشة خاصة، وألعاباً تحاكي محتوى حسّاساً، إضافة إلى تعرّض الأطفال للاحتيال وسلبهم عملات “روبوكس” الافتراضية. وأشارت تحديداً إلى ألعاب مثل “الهروب إلى جزيرة إبستين” و”محاكي الحمّام العام”، داعيةً إلى فرض معايير حماية أكثر صرامة.

ورغم الإجراءات التي تتخذها المنصة لحجب المحتوى غير اللائق أو المعلومات الشخصية في المحادثات، يجد المستخدمون طرق للالتفاف عليها، مثلاً عبر منصات أخرى للحديث دون قيود.

من جانبه، حذّر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية عبر منشور على صفحته على “فيسبوك” من لعبة “روبلوكس” نظراً لما تنطوي عليه من “تهديد مباشر لسلامة الأطفال” وأشار إلى تقارير متخصصة تُظهر أبرز المخاطر، من بينها العنف، والإيحاءات الإباحية، والتحرّش عبر المحادثات المفتوحة، والإدمان، والإسراف المالي، وترويج سلوكيات مُشوّهة للقيم.

وأكد المركز على “حرمة كل الألعاب الإلكترونية التي تحتوي على عنف، أو تحض على الكراهية، أو تسيء إلى الدين ومقدساته، أو تُعرِّض الأبناء لمخاطر أخلاقية وسلوكية، أو تهدد سلامتهم وأمنهم النفسي والجسدي”.

وكانت دراسة صادرة عن جامعة سيدني في مارس 2025 حذرت من أن آليات الإنفاق داخل “روبلوكس”، مثل تحويل الأموال الحقيقية إلى العملة الافتراضية “روبوكس”، والاعتماد على مكافآت عشوائية أو أسعار متقلبة قد تُعرّض الأطفال ليس فقط لمخاطر الإنفاق المفرط، بل أيضاً تهيئهم نفسياً لسلوكيات مرتبطة بالقمار في مراحل لاحقة من حياتهم. 

توالي الدعاوى القضائية ضد “روبلوكس”

في الأشهر الأخيرة، واجهت منصة “روبلوكس” عدداً من الدعاوى القضائية في الولايات المتحدة، تتهمها بالإخفاق في حماية الأطفال من التعرض للاستغلال الجنسي والتواصل غير الآمن داخل بيئة اللعبة.

في ولاية لويزيانا، رفعت المدعية العامة دعوى قضائية ضد “روبلوكس” في 14 أغسطس 2025، تتهمها فيها بـ”تسهيل توزيع مواد الإساءة الجنسية للأطفال وأيضاً الاستغلال الجنسي للأطفال في الولاية” من خلال منصتها. وقد استندت الدعوى إلى واقعة في مقاطعة ليفينغستون يوم 15 يوليو، حين اعتُقل شخص لامتلاكه مواد استغلال أطفال، وكان حينها يستخدم المنصة مع تقنية لتغيير الصوت، متنكراً في هيئة فتاة مراهقة بهدف استدراج القُصّر.

وفي ولاية نورث كارولاينا، رفعت والدة طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات دعوى قضائية في مدينة هاي بوينت، بعد أن تعرّضت ابنتها لمحاولة استدراج من شخص بالغ قدّم لها عملة “روبوكس” الافتراضية مقابل إرسال صور غير لائقة، مستغلاً خاصية الدردشة، بحسب ما نشره موقع “WRAL” المحلي. 

وفي ولاية تكساس، نقلت صحيفة “هيوستن كرونيكل” عن دعوى تقدّم بها عنصر في البحرية الأميركية كان قد تعرّض للإساءة الجنسية عبر المنصة حين كان في سن الحادية عشرة، قبل أن يتم استدراجه لاحقاً إلى لقاء فعلي مع المتحرّش، تُضاف إليها مجموعة من الدعاوى القضائية الأخرى التي رفعها الأهالي ضد الشركة.

وأفادت “بلومبرغ”، العام الماضي، بأن الشرطة في الولايات المتحدة ألقت القبض على ما لا يقل عن 24 شخصاً منذ عام 2018 بتهم تتعلق بخطف أو إساءة معاملة أفراد تعرّفوا عليهم أو استدرجوهم عبر المنصة.

إجراءات السلامة التي اتخذتها “روبلوكس”

من جهتها، شدّدت “روبلوكس” على أن عشرات الملايين حول العالم يستخدمون منصتها بأمان لأغراض تعليمية وترفيهية، نافيةً بشكل قاطع تعمّدها تعريض المستخدمين للخطر. ورغم اعترافها بأن لا نظام حماية مثالي، وبأن مجرمي الإنترنت يواصلون تطوير أساليبهم لتجاوز التدابير الأمنية—بما في ذلك نقل التفاعل إلى منصات خارجية أقل صرامة—فإنها أكدت التزامها المستمر برصد هذه المحاولات وتعزيز أنظمتها الوقائية.

وأشارت إلى إطلاق أكثر من 40 ميزة جديدة خلال العام الماضي لحماية المستخدمين الأصغر سناً، مؤكدةً في الوقت نفسه أن سياساتها في السلامة أكثر صرامة من تلك المعتمدة في شبكات التواصل الاجتماعي ومعظم المنصات التي تعتمد على المحتوى الذي ينشئه المستخدمون أنفسهم.

تتيح أدوات الرقابة الأبوية في “روبلوكس” للأهالي حظر أو تقييد الوصول إلى تجارب معينة وفقاً لتصنيفات نضج المحتوى، كما تُمكّنهم من حظر أو الإبلاغ عن مستخدمين ضمن قائمة أصدقاء أطفالهم، ومتابعة الألعاب أو التجارب التي يقضي فيها أبناؤهم معظم وقتهم، بالإضافة إلى إمكانية ضبط حدود يومية لمدة استخدام المنصة والإنفاق داخلها.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة “روبلوكس” ديف بازوكي في مقابلة مع “بلومبرغ” الثلاثاء إن الشركة لطالما التزمت بالقوانين السارية، مُشيراً إلى إطلاقها “رؤية جريئة وطموحة لقيادة القطاع في استخدام تقنيات تقدير العمر استناداً إلى الوجه وبطاقات الهوية وغيرها من الأدوات من أجل تحديد أعمار جميع مستخدمي المنصة تقريباً”. واعتبر أن مسألة السلامة أولوية للشركة.

كما أوضح إلى أن المنصة تمنع مشاركة الصور والفيديو. وقال “نعتقد أن ذلك سيحدد معياراً قد تنظر وسائل تواصل اجتماعي وأدوات التواصل والمراسلة الأخرى ستنظر في اتباعه”. 

وكانت “روبلوكس” أطلقت سلسلة من التحديثات لتعزيز معايير السلامة. ففي نوفمبر 2024، أطلقت أدوات التحكم الأبوي عن بُعد عبر ربط حساب ولي الأمر بعد التحقق من الهوية أو البطاقة الائتمانية، وأضافت ميزات مثل وضع حدود زمنية للعب وتشديد قيود الدردشة للأطفال دون 13 عاماً. وفي أبريل 2025، أطلقت أداة مفتوحة المصدر لتصنيف المحادثات الصوتية، تتيح الإشراف على ملايين الدقائق من الدردشة بلغات متعددة.

وفي منتصف يوليو 2025، قدّمت الشركة نظام التواصل المعتمد على العمر عبر ميزة الاتصالات الموثوقة وتقنية تقدير العمر بالوجه، التي تؤكد عمر المستخدم من خلال صورة سيلفي بالفيديو (مع خيار التحقق بالهوية كبديل). كما تحظر التواصل بين البالغين والقصار في حال عدم إثبات أنهم يعرفون بعضهم بعضاً في الحياة الحقيقية.

وبعد موجة الانتقادات في الصيف، أعلنت “روبلوكس” عن خطوات إضافية، من بينها إتاحة كود مصدر نظام الذكاء الاصطناعي “Sentinel” لاكتشاف المؤشرات المبكرة على تعرّض الأطفال للخطر، وتشديد سياساتها الخاصة بالمحتوى الرومانسي أو الجنسي، وتقييد “الغرف الاجتماعية” التي تحاكي أماكن خاصة لتكون متاحة فقط للمستخدمين الذين تم التحقق من أعمارهم على أنها 17 عاماً أو أكثر استناداً إلى الهوية.

كما طبقت تقنيات جديدة لإزالة الخوادم تلقائياً عند رصد معدلات مرتفعة من السلوكيات المخالفة. وفي 3 سبتمبر 2025، التزمت المنصة بتوسيع نظام تقدير العمر ليشمل جميع مستخدمي ميزات التواصل بحلول نهاية العام، عبر دمج التحقق العمري بالوجه، والتحقق بالهوية، والحصول على موافقة أبوية موثقة.

ورغم كل الجدل المثار حول “روبلوكس” والمخاوف المتعلقة بسلامة الأطفال، فإن المنصة ما تزال تحتفظ بشعبية واسعة بين الصغار والمراهقين. كما أنها تضمّ الكثير من الألعاب الآمنة والهادئة التي تُعزّز الخيال والعمل الجماعي ولعب الأدوار، وتتيح للأطفال مساحة للعب المشترك وتعلم مهارات جديدة.

Exit mobile version