Site icon السعودية برس

ما هي صناديق الاستثمار في الذهب؟ دليلك الشامل

يُقال إن الذهب “زينة وخزينة”، فهو لا يكتفي بأن يزين الأعناق والمعاصم، بل يتجاوز ذلك ليصبح ملاذاً آمناً يُعوَّل عليه في أوقات الشدائد، ودرعاً يحمي الثروة من براثن التضخم. غير أن تزايد مخاوف السرقة والتلف وارتفاع تكاليف التأمين جعل الاحتفاظ بالسبائك في المنازل أو المصارف خياراً أقل جاذبية للمستثمرين، خاصة بعد أن قفزت أسعار الذهب العالمية بنحو 50% منذ مطلع عام 2025 لتتجاوز 4000 دولار للأونصة. وفي خضم هذه الموجة الصاعدة، برزت صناديق الاستثمار في الذهب كبديل عصري للاقتناء المباشر للسبائك والمجوهرات.

ما هي صناديق استثمار الذهب، وكيف تعمل؟

صناديق استثمار الذهب المتداولة هي أدوات استثمارية تُتداول وثائقها أو وحداتها في البورصات وتستثمر مباشرة في سبائك الذهب الفعلية، بحسب مجلس الذهب العالمي، وتشكل نحو ثلث الطلب العالمي على الذهب كأداة استثمارية.

يتيح هذا النوع من الصناديق للمستثمرين الأفراد والمؤسسات -على حد سواء- الاستفادة من تحركات أسعار الذهب بسهولة وسرعة مماثلة لتداول الأسهم، دون الحاجة إلى شراء المعدن فعلياً أو تأمينه وتخزينه، إذ تُدار عمليات الحفظ والضمان من قبل الجهة المُصدِرة للصندوق. ويرتبط أداء هذه الصناديق عادةً بالسعر الفوري للذهب في السوق. وهناك أيضاً الصناديق التي تستثمر في شركات تعدين الذهب، التي تركز على أسهم تلك الشركات، ما يجعل أداؤها مرتبطاً بالذهب إضافة إلى عوامل تشغيلية ومالية داخلية، وتوجد كذلك صناديق هجينة تجمع بين النوعين، لتمنح المستثمر تعرضاً مزدوجاً للذهب المادي والشركات العاملة في استخراجه.

وخلال النصف الأول من عام 2025 سجلت صناديق الاستثمار بالذهب تدفقات قياسية عالمياً، حيث تم ضخ 38 مليار دولار فيها، مع إضافة 397 طناً من المعدن النفيس إلى المحافظ الاستثمارية، بحسب المجلس. 

ووفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال”، تجتاح هذه الصناديق الاقتصاد الأميركي بقوة الآن وسط رهان المستثمرين على ضعف الدولار وخفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة خلال ما تبقى من العام الحالي. المزيد من المعلومات في الفيديو أدناة:

ما الاختلاف بين هذه الصناديق وشراء الذهب الفعلي؟ 

يمنحك الاستثمار في صناديق الذهب فرصة للاستفادة من تحركات الأسعار من دون امتلاك المعدن نفسه، فلا تضطر لتخزينه وحمايته والتحقق من درجة نقائه، ما يجعلها خياراً عملياً لأغراض الاستثمارـ حيث تُتداول مثل الأسهم الفردية من خلال وسطاء إلكترونيين، بحسب بلومبرغ.

في المقابل، يوفر شراء الذهب الفعلي -سواءً في شكل مجوهرات أو عملات أو سبائك- ملكية ملموسة، لكنه قد ينطوي على تكاليف أكبر مثل تلك التي تضاف عند شراء المشغولات الذهبية، إلى جانب تحديات التخزين والحماية.

اقرأ أيضاً: أسعار الذهب تتراجع مع انحسار الطلب على الملاذات الآمنة

وبخلاف الذهب المادي، الذي قد يستغرق بيعه بعض الوقت أحياناً، تتميز أسهم صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب بسيولة عالية، ما يتيح شراء الحصص أو بيعها بسرعة، بحسب ما نقلته بلومبرغ عن استشاريين في القطاع.

أيهما أفضل.. الاستثمار في الصناديق أم شراء الذهب مباشرة؟

تتباين الآراء في هذا الصدد؛ فبحسب بلومبرغ، يرى العديد من الاستشاريين أن الاستثمار في صناديق الذهب، والتي يستند بعضها إلى الذهب الفعلي، أسهل بكثير مقارنةً بشراء السبائك، إذ إن جوانب الأمان والتخزين تُدار تلقائياً، رغم أن معظمها يفرض رسوماً سنوية. كما تتمتع هذه الصناديق بسيولة عالية.

ومع ذلك، يرى المحافظون في مجال الذهب أن هذه الصناديق لا توفر لك أصلاً “حقيقياً” تلجأ إليه في حال حدوث انهيار كارثي في الأسواق، وفق بلومبرغ.

اقرأ أيضاً: مع تفاقم اضطرابات الأسواق.. دليلك الشامل للاستثمار في الذهب

ويحذر جاراد براون، كبير المخططين الماليين في شركة “غلوبال فاينانشيال كونسالتنتس” (Global Financial Consultants) ومقرها سنغافورة، في حديث مع بلومبرغ من أن “بعض صناديق المؤشرات المتداولة في البورصة تستخدم المشتقات المالية لتكوين تعرض غير حقيقي لسعر الذهب، ما قد يضيف طبقة إضافية من المخاطر التي ينبغي أخذها في الحسبان”، بعكس الذهب الفعلي الذي لا ينطوي على هذه المخاطرة.

أما الصناديق التي تستثمر في أسهم شركات تعدين الذهب فتعد خياراً مناسباً لمن يرغب في التعرض لهذا المعدن بطريقة غير مباشرة، مع ميزة إضافية تتمثل في إمكانية الحصول على توزيعات نقدية، على عكس السبائك أو المجوهرات. لكن تقييمات هذه الأسهم تعتمد على الأساسيات المالية لكل شركة، بما فيها كمية الذهب التي تستخرجها فعلياً، وفق براون.

كيف يمكن للمستثمر شراء وحدات في صندوق الذهب؟

يُعد الاستثمار في صناديق الذهب عملية بسيطة يمكن تنفيذها من خلال فتح حساب استثماري لدى وسيط مالي أو على تطبيقات التداول، تماماً كما تُشترى الأسهم والصناديق الأخرى.

بعدها، يبدأ المستثمر باختيار الصندوق المناسب عبر منصة الوسيط أو التطبيق المعتمد، عقب الاطلاع على سعر الذهب الفوري وفهم طبيعة كل صندوق، سواء كان مدعوماً بالذهب الفعلي أو بأصول مرتبطة به.

ومن ثم؛ يمكنه تحليل أداء الصندوق خلال السنوات الأخيرة، ونسبة الرسوم الإدارية، والسيولة، ونوعية الأصول التي يستثمر فيها، مستعيناً بنشرة الصندوق أو بمستشار مالي مستقل عند الحاجة. وبعد تحديد الخيار الأنسب، يمكن إدخال أمر الشراء مباشرة عبر المنصة الاستثمارية.

هل تتيح الصناديق للمستثمر استرداد الذهب فعلياً أم بيع وحداته نقداً فقط؟

أغلب صناديق الذهب المتداولة مدعومة بسبائك ذهب حقيقية محفوظة في خزائن، لكن استلام الذهب فعلياً لا يُتاح عادةً للمستثمرين الأفراد. فصناديق كبرى مثل SPDR Gold Trust (GLD) في الولايات تسمح بالاسترداد العيني فقط للمشاركين المعتمدين (Authorized Participants) بحسب هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية. 

وبالتالي، حين يقرر المستثمرون الأفراد الخروج من الصندوق، تُسوى معاملاتهم نقداً عبر بيع وحداتهم في السوق.

ما المخاطر المحتملة لهذه الصناديق؟

تتأثر هذه الصناديق بتقلبات السعر الفوري للذهب في الأسواق العالمية، ما يعني أن قيمة وحداتها ترتفع أو تنخفض مباشرة مع حركة السوق، وهو ما يضع المستثمر أمام مخاطر تشمل تذبذب الأسعار على المدى القصير، إضافة إلى مخاطر السيولة، وتقلبات أسعار الصرف في حال كان الاستثمار بعملة تختلف عن عملة الصندوق.

وبحسب منشور لصندوق “البلاد” السعودي للاستثمار في الذهب، فإن المخاطر تشمل أيضاً الحفظ والتخزين الفعلي للذهب، فحصول خطر غير متوقع كالسرقة، قد يؤثر سلباً على أداء الصندوق وسعر الوحدة.

يضاف إلى ذلك مخاطر عدم القدرة على استرداد الذهب أو النقد نتيجة ضعف السيولة أو إخفاق الطرف النظير. كما قد يتباعد أداء الصندوق عن أداء المؤشر الاسترشادي نتيجة الرسوم والمصاريف، أو اختلاف توقيت تنفيذ العمليات، ما يؤثر سلباً على سعر الوحدة.

وفي بعض الحالات هناك صناديق لا تشتري الذهب فعلياً ولا حتى أسهم شركات التعدين وإنما تتفق مع جهات على السداد للمستثمرين حال ارتفاع السعر ورغبتهم في جني الأرباح، وهنا تكون نسبة الخطر أكبر، ويُعرف البعض هذه الظاهرة مجازاً باسم “ذهب المغفلين” ويحذرون من الانجذاب إلى بريقه الوهمي.. المزيد من المعلومات عن “ذهب المغفلين” في الفيديو التالي:

ما أشهر صناديق استثمار الذهب في العالم؟

بحسب بلومبرغ، يُعد كل من صندوق “إس بي دي آر غولد شيرز” (SPDR Gold Shares) و”آي شيرز غولد تراست” (iShares Gold Trust) أكبر صندوقي استثمار في الذهب على مستوى العالم.

ويُعد “إس بي دي آر غولد شيرز” الأكبر عالمياً، حيث أُطلق عام 2004، وهو مدرج في بورصة “نيويورك آركا”، ويهدف إلى تتبع أداء سعر سبائك الذهب الفعلية. ويتميز بسيولة عالية وحجم أصول يتجاوز 60 مليار دولار حتى مايو الماضي وفق بلومبرغ، ما يجعله الخيار المفضل للمستثمرين الباحثين عن تعرض مباشر للذهب عبر الأسواق المالية، لكن يعيبه أن مصاريفه الإدارية كبيرة نسبياً مقارنة بنظرائه، وتناهز 0.40%.

أما صندوق “آي شيرز غولد تراست” الذي تديره “بلاك روك” فأُطلق عام 2005، ومدرج أيضاً في بورصة “نيويورك آركا”، ويُعتبر بديلاً أقل تكلفة برسوم 0.25% تقريباً وأصول تفوق 45 مليار دولار حتى مايو الماضي أيضاً. ويوفر الصندوق تعرضاً لسعر الذهب المادي المحفوظ في خزائن مؤمنة، ويُعد خياراً مثالياً للمستثمرين الراغبين في الاستثمار طويل الأجل بتكلفة منخفضة مقارنة بـ”إس بي دي آر غولد شيرز”.

ماذا عن المنطقة العربية والخليج؟

هناك صناديق استثمار في الذهب محدودة في المنطقة حتى الآن، أشهرها “صندوق البلاد للذهب” المدرج في السوق المالية السعودية وهو صندوق متداول يتوافق مع أحكام الشريعة ويستثمر ما لا يقل عن 95% من صافي أصوله في الذهب الفعلي عبر شراء عقود الذهب الفورية من بورصة دبي للذهب والسلع، ويقدم منتجات مخصصة للمستثمرين الأفراد بشكل أساسي، وفق موقع الصندوق.

وفي الإمارات، تمتلك “بورصة دبي للذهب والسلع” تصريحاً بإطلاق صناديق متداولة في الذهب، لكنها لم تطلق واحداً بشكل رسمي حتى الآن، وتركز في هذا المجال على التعاون مع صندوق البلاد السعودي.

ومن الإمارات إلى مصر، حيث وافقت الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر خلال مايو 2023 على إطلاق أول صندوق استثمار في الذهب، بالشراكة بين شركتي “إيفولف القابضة” و”أزيموت مصر”. وقال رئيس البورصة المصرية حينها رامي الدكاني في البيان الرسمي للإطلاق: “إن إنشاء صناديق استثمار في المعادن الثمينة يساعد على ضبط السوق، وزيادة الشفافية، وترشيد الطلب على السبائك والعملات الذهبية”.

وهناك ثلاثة صناديق مرخصة من الهيئة حالياً هي: صندوق “AZ-Gold” التابع لشركة “أزيموت” لإدارة الأصول، وصندوق يتبع شركة “الأهلي للاستثمارات المالية”، وصندوق “بلتون–إيفولف” لاستثمار الذهب.

وقالت الهيئة في مايو 2025، إن نحو 200 ألف مصري استثمروا 2.1 مليار جنيه في صناديق استثمار الذهب الخاضعة لرقابتها، مؤكدة أن إشرافها يقتصر على الاستثمار في وثائق الصناديق وليس على تداول الذهب بشكل مباشر.

المزيد من المعلومات: “إيفولف القابضة” المصرية تخطط لإطلاق 5 صناديق للاستثمار في الذهب

هل يُعتبر صندوق الذهب استثماراً آمناً في أوقات الأزمات والتضخم؟

وفقاً لتقرير نشرته مؤسسة “ستيت ستريت غلوبال أدفيزورز” (State Street Global Advisors) فالإجابة على هذا السؤال هي “نعم”، حيث ينظر البعض إلى صناديق الذهب بوصفها أداة تحوّط آمنة نسبياً في أوقات الأزمات والتضخم لأنها تتبع سعر الذهب الذي يُعد تاريخياً مخزناً للقيمة ويحافظ على قوته الشرائية عندما ترتفع الأسعار أو تتراجع الثقة بالأسواق والعملة. وفي فترات عدم اليقين الاقتصادي أو الاضطرابات الجيوسياسية، يميل المستثمرون إلى المعدن الأصفر  والأدوات المرتبطة “كأداة تحوط رئيسية” هرباً من مخاطر الأسهم والسندات، وفق التقرير.

اقرأ أيضاً: اندفاع غير مسبوق نحو صندوق ياباني مدعوم بالذهب يثير قلق الأسواق

مع ذلك، ورغم مكانته كملاذ تقليدي، قد لا يوفر الذهب ولا صناديقه ضماناً ثابتاً للربح، إذ يمكن أن يشهد تقلبات مرحلية، لكنه يظل خياراً مناسباً للحفاظ على الثروة وتنويع المحافظ خلال الدورات الاقتصادية المضطربة.

Exit mobile version