Site icon السعودية برس

ما الذي يمنع الناتو من إبعاد روسيا عن أجوائه؟

دفعت التوغلات الروسية في المجال الجوي لدول الناتو الحلف إلى التحرك. ويسعى رد الناتو -عملية “الحارس الشرقي”- إلى تحصين خاصرته عبر تواجد عسكري موسع ودوريات جوية مستمرة وزيادة تكامل الدفاعات الجوية والصاروخية.

وتهدف العملية إلى سدّ الثغرات في دفاعات الناتو، لكنها تكشف أيضاً عن ثغرات جديدة يمكن لروسيا استغلالها، وستتطلب استثمارات أوروبية.

الردع عبر التواجد

توسّع عملية “الحارس الشرقي” نطاق تواجد الناتو على طول جناحه الشرقي في محاولة لردع روسيا، وقد زادت انتهاكات المجال الجوي من مخاوف الناتو بشأن دفاعاته. 

في وقت سابق من هذا الشهر، أسقط الحلف مسيّرات روسية اخترقت المجال الجوي لبولندا. وبعد أيام، أبلغت رومانيا عن توغل مسيّرة في مجالها الجوي. وفي يوم الجمعة، اعترض الناتو ثلاث طائرات مقاتلة روسية عبرت إلى إستونيا فوق خليج فنلندا.

ترمب: على دول “الناتو” إسقاط الطائرات الروسية حال اختراقها لمجالها الجوي

نشر حلفاء الناتو طائرات مقاتلة ودفاعات جوية أرضية وسفينة حربية للدفاع الجوي لعملية “الحارس الشرقي”. ويجدر ذكر أن الولايات المتحدة لم تنشر أي أصول عسكرية إضافية، ما يؤكد رغبة واشنطن في تقليص مساهماتها في الأمن الأوروبي. ولم يتضح ما إذا كانت القوات الأميركية المنتشرة بالفعل في أوروبا ستشارك في العملية.

تستند العملية جزئياً إلى نموذج “حارس البلطيق”، وهي مهمة مراقبة جوية وبحرية أُطلقت عام 2025 لحماية البنية التحتية الحيوية من أعمال التخريب الروسية المشتبه بها في بحر البلطيق. ولم تقع أي حوادث من هذا القبيل منذ بدء تلك المهمة، وهي نتيجة يأمل الناتو أن تحاكيها عملية “الحارس الشرقي” من خلال إظهار العزم من خلال الوجود العسكري.

تغطية جوية مستمرة

كما تُعيد العملية صياغة مهمة الناتو طويلة الأمد في مراقبة أجواء البلطيق إلى دوريات جوية قتالية شبه مستمرة، مدعومة بمشاركة أكبر من الحلفاء في منطقة أوسع.

ستنضم دول مختلفة إلى جدول يومي، مع طائرات مقاتلة تراقب المجال الجوي فوق الجناح الشرقي. زيادة المشاركة تعني مزيداً من الدوريات، وتغطية أوسع، وأوقات استجابة أسرع لاعتراض طائرة روسية أو إسقاط مسيّرة في المجال الجوي لحلف الناتو – نظرياً على الأقل.

يمكن لروسيا أن تُرهق الدوريات الجوية من خلال زيادة معدل انتهاكات المجال الجوي، أو توسيع مواقع التوغلات، أو إطلاق أسراب كبيرة من المسيّرات.

بولندا تنشر طائرات مقاتلة وتغلق مطار لوبلين بسبب مسيّرات روسيا

اختارت بعض الدول – مثل المملكة المتحدة – أن تتمركز طائراتها المقاتلة في أراضيها، بدلاً من نشر أسراب في دول البلطيق أو بولندا. هذا يعني أنها تحتاج إلى التزود بالوقود جواً لتنتقل وتساهم في استدامة الدوريات. هذا يُرهق الموارد المتخصصة التي يعاني حلف الناتو من شحها.

إن طائرات الإنذار المبكر والتحكم الجوي أساسية في تتبع المسيّرات وتوجيه المقاتلات. لكن لدى حلف الناتو أعداداً محدودة منها – ومعظمها موجود في الترسانة الأميركية ومنتشر في أماكن أخرى.

نحو دفاع جوي متكامل

يهدف نظام “الحارس الشرقي” إلى ربط مجموعة حلف الناتو من أجهزة الاستشعار والرادارات وأنظمة الدفاع الجوي الأرضية والجوية.

يُشغّل حلف شمال الأطلسي (الناتو) شبكةً واسعةً ومتنوعةً ومتناميةً من أجهزة الاستشعار الجوية والبحرية والبرية، لكنها ليست متصلةً بشكلٍ جيدٍ مع “الرماة” – وهي مجموعة أصول الدفاع الجوي التابعة للناتو من مختلف الأنواع والمدى.

 ما تزال الجهود المبذولة لبناء شبكة دفاع جوي وصاروخي متكاملةٍ في طور النمو، على الرغم من الجهود الطويلة الأمد التي يبذلها التحالف لإنشاء بنية دفاع صاروخي قوية.

طائرة مسيّرة روسية رخيصة تضع الناتو في مأزق مكلف

أشرف القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي، الجنرال الأميركي ألكسوس غرينكويش، سابقاً على تطوير شبكة دفاع جوي وصاروخي متكاملة في الشرق الأوسط، ساعدت في الدفاع عن إسرائيل من هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية. ويُرجح أنه يستعين بالنهج نفسه لبناء شبكة مماثلة في أوروبا.

إن تبادل المعلومات ركيزة أساسية لربط قدرات الدول المختلفة. وتستخدم شبكة الشرق الأوسط ”مافن سمارت سيستم“ المدعوم بالذكاء الاصطناعي من شركة ”بالانتير“ (Palantir) لتبادل المعلومات والاستخبارات دون الكشف عن هويات حساسة – بما في ذلك البلد الذي صدرت منه المعلومات.

اشترى حلف شمال الأطلسي (الناتو) حديثاً ”مافن سمارت سيستم“، بينما يملك حلفاء آخرون، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إصداراتهم الخاصة، مما يشير إلى أن نظام “الحارس الشرقي” سيعتمد على البرنامج لبناء شبكة دفاع جوي متكاملة.

تشير الدروس المستقاة من الشرق الأوسط إلى أن اعتماد الحلفاء للبرنامج قد يستغرق وقتاً، مع أن التهديدات الفورية من المسيّرات الروسية قد تُسرّع هذه العملية.

كشف الثغرات

صُمم نظام “الحارس الشرقي” لسد الثغرات في الدفاعات الجوية لحلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، فإنه يُبرز أيضاً مدى اتساع هذه الثغرات. إذا كثّفت روسيا عمليات المسيّرات – من حيث العدد أو الجغرافيا أو حجم التذخير – أو أرسلت مزيداً من الطائرات المقاتلة إلى المجال الجوي لحلف شمال الأطلسي، فقد تُرهق حلف شمال الأطلسي ودفاعاته الجوية.

الجغرافيا: تعهد حلف شمال الأطلسي بالدفاع عن كل شبر من أراضيه ومجاله الجوي. لا تستطيع المخزونات الحالية من أجهزة الاستشعار والرادارات وأنظمة الدفاع الجوي تغطية هذه المساحة الجغرافية الشاسعة، ما يعني أن دول أوروبا ستحتاج إلى شراء المزيد. ويفاقم المشكلة نقص التكامل واستخدام حلف شمال الأطلسي الناشئ لأنظمة تبادل المعلومات.

القدرات: تملك معظم دول حلف شمال الأطلسي أنظمة دفاع جوي صاروخية مصممة للتهديدات التقليدية، وليس للطائرات المسيّرة. يُرجح أن تكون هناك حاجة لمزيد من الاستثمار في تقنية مكافحة المسيّرات. كما يفتقد حلف الناتو دفاعات جوية بمدى مختلف، وهي ضرورية لإنشاء دفاع متعدد الطبقات. تتراوح قدرات الدفاع الجوي الأوروبية بين قصيرة ومتوسطة المدى؛ وهي ما تزال تعتمد على الدفاعات الجوية بعيدة المدى المصنعة في الولايات المتحدة.

محدودية الأصول: تتطلب المهمة استخدام طائرات متخصصة -للتزود بالوقود جواً والقيادة والتحكم- ويملك التحالف أعداداً قليلة منها. تملك الولايات المتحدة المزيد، لكن لم يتضح حجم مساهمتها في العملية. قد ترغب أوروبا في الاستثمار في مثل هذه الطائرات لسد الثغرات المحتملة التي قد تتركها الولايات المتحدة.

الاقتصاد: الطائرات الاعتراضية باهظة الثمن مقابل الطائرات المسيرة الرخيصة تضع حلف الناتو في موقف حرج من حيث التكلفة، وما تزال تقنيات مكافحة الطائرات المسيرة نادرة ومتباعدة وبطيئة التوسع. كما أن الجهود المستمرة لاعتراض الطائرات والمسيرات الروسية تستنزف موارد حلف الناتو وجاهزيته. 

أوجه النقص

يتجنب نظام ”الحارس الشرقي“ الخيارات الأكثر عدوانية لتأمين المجال الجوي لحلف الناتو، مثل إنشاء ممر دفاع جوي يغطي جزءاً من الأراضي الأوكرانية أو توسيع الدعم لأوكرانيا لاستهداف الطائرات الروسية بدون طيار من مصدرها.

بدلاً من ذلك، يعمل الناتو على نشر مزيد من الطائرات والدفاعات الجوية وتبادل البيانات بشكل أفضل على جناحه الشرقي.

“الناتو” يعزز الحدود الشرقية بعد اختراق طائرات مسيرة روسية

قد يعزز نظام ”الحارس الشرقي” المجال الجوي لحلف الناتو، لكن وعد التحالف بالدفاع عن كل شبر من أراضيه ما يزال قائماً على أساس هشّ، كما أنه معرض لتهديدات منخفضة التكلفة وكثيفة العدد.

Exit mobile version