Site icon السعودية برس

ماركوس أشورث: فكرة تجارة خفض القيمة في غالبها تهويل

لقد غدا لما يحدث مسمى رسمي هو ”تجارة خفض القيمة الكبرى“. إنه مصطلح جذاب يُطلق على جميع أشكال تسخط المستثمرين حيال العجز المنفلت وتهديد هيمنة الدولار وبوادر الهروب نحو الملاذات الآمنة، أي تجنب الديون السيادية والعملات المرتبطة بها، والتوجه نحو المعادن الثمينة والعملات المشفرة وغيرها من الأصول اللامعة.

أعرب كبار رجال المال، ومنهم راي داليو وكين غريفين وجيمي ديمون عن قلقهم. لكن كثيراً منهم إما عرافين تقليديين أو يديرون صناديق تحوّط مهتمة بالترويج لما يُسمى بصفقات الزخم، وفيها يراهن المرء على أن الأصول مفرطة الارتفاع مثل الذهب ستواصل ارتفاعها.

مع أنني أحب الحكايات الجيدة، إلا أن كثيراً من هذا مبالغ فيه -حتى الآن على الأقل- وممزوج ببعض المخاوف المبررة حيال الإنفاق الحكومي الخارج عن السيطرة.

لا تنسوا أن الذهب ليس استثماراً بلا مخاطر

لنبدأ من القمة، الدولار في وضع جيد. فبعد أن ارتفع 3% الشهر الماضي، لا يزال أعلى من متوسطه على مدى 40 عاماً. ما يزال الذهب يستحوذ على حصة الأسد من تداول العملات واحتياطيات البنوك المركزية العالمية، حتى مع زيادة تحوط المستثمرين الدوليين من المخاطر.

ما تزال الأسهم الأميركية على حافة أعلى مستوياتها على الإطلاق. وتواجه في فكرة تخفيض القيمة تحدياً كبيراً في مجالها.

لماذا يتوقد الذهب سعراً ويزداد بريقاً بين المستثمرين؟

سعر الذهب قد ارتفع بنسبة 50% هذا العام، لكن هذا لا يعني بالضرورة حدوث زيادة مماثلة في استخدامه كأصل احتياطي. في الوقت نفسه، شهدت سندات الخزانة الأمريكية تدفقات صافية من المستثمرين الأجانب الذين اجتذبتهم عوائدها المرتفعة. بينما تشهد العملات المشفرة ازدهاراً كبيراً، فإن الانهيار الحاد في أسعارها في نهاية الأسبوع الماضي من شأنه أن يذكّر المستثمرين الأميل للسذاجة بأن الأمر ما يزال أشبه بالغرب المتوحش مع حماية ضئيلة.

يحب المضاربون الذهب و“بتكوين“، لكن هل يُمكنهما حقاً استبدال أسواق الأوراق المالية والعملات الرئيسية؟ لا يدرّ أي منهما دخلاً، ويصعب صرفه نقداً، ويكلف الاحتفاظ به مالاً.

العملات المشفرة تفقد 150 مليار دولار بعد تصعيد صيني ضد واشنطن

يكاد يكون مؤكداً أن الارتفاع الأولي في أسعار الذهب كان نتيجةً لقرار بعض البنوك المركزية، بقيادة الصين، بمصادرة الاحتياطيات الروسية في عام 2022.

أما المكاسب الأخيرة، فتتعلق بالمضاربة مع إقبال المتداولين على الشراء. أما ارتفاع الفضة بنسبة 70% منذ أبريل، فهو جزء من مواكبة الذهب، ولكنه مدفوع أيضاً بالمخاوف من نقص السيولة في سوق لندن.

هل ما تزال السندات الحكومية ملاذاً آمناً؟

هذا ليس نذير شؤم على الاقتصاد الكلي. ولن يتخلى مديرو احتياطيات البنوك المركزية العقلانيون عن الأمان النسبي مقابل أصول في ذروة موجة الصعود.

إن نظرة سريعة على العوائد الأخيرة على السندات السيادية طويلة الأجل لا تقدم كثيراً من الدعم لمؤيدي تخفيض القيمة. فعوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل ثلاثين عاماً أدنى بمقدار 50 نقطة أساس من ذروتها عند 5.1% في مايو.

سوق السندات لن ترحب بخفض “الاحتياطي الفيدرالي” أسعار الفائدة

رغم أن هذا ما يزال أعلى بكثير من المعدلات القريبة من الصفر خلال فترة التحفيز الاقتصادي، إلا أن الوضع بدأ يتغير. وعوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين هي الأدنى منذ ثلاث سنوات.

إذا خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة الرسمية مجدداً في 29 أكتوبر، وهو ما يُحتسب بالكامل تقريباً في العقود المستقبلية، يُرجح أن تنخفض عوائد آجال الاستحقاق الأخرى أيضاً. كما أنه ليس مؤكداً أن انخفاض أسعار الفائدة من جانب البنك المركزي سيؤدي إلى تفاقم التضخم. في نهاية المطاف، بالكاد أثرت زيادات الرسوم الجمركية الأميركية على أسعار المستهلك حتى الآن.

حتى في المملكة المتحدة، التي تعاني انتقادات كثيرة، فإن عوائد السندات الحكومية طويلة الأجل أقل بمقدار 30 نقطة أساس عن أعلى مستوياتها. وما تزال عوائد السندات اليابانية طويلة الأجل قريبة من ذروتها، لكن هذا يعود إلى حد كبير إلى اضطرابات سياسية غير عادية.

بالمثل، على الرغم من كل الصراع الحكومي في فرنسا، ما يزال عائد سنداتها لأجل 30 عاماً أقل من عائد إيطاليا. وهذا لا يُنذر بأزمة أخرى في منطقة اليورو حتى الآن.

اضطرابات فرنسا السياسية تهز اليورو وتعمق رهانات الهبوط

لا ينبغي أن يشجع أي من هذا على التراخي. ما تزال الفجوة بين عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين و30 عاماً أكبر بنحو 100 نقطة أساس عن العام الماضي، ما يبين أن المستثمرين ما يزالون متشككين بشأن المدى الأطول. على الحكومات أن تتحرك بناءً على إشارات واضحة مفادها أن الإنفاق الجامح لن يكون مقبولاً بعد الآن، وبهذا قد بلغت.

مع ذلك، فإن ارتفاع العائدات على السندات طويلة الأجل يُعزى في المقام الأول إلى إحجام المستثمرين عن تعزيز مراكزهم، وليس إلى نزوح جماعي. يتكيف مديرو الديون الحكومية، ويبيعون مزيداً من الديون قصيرة الأجل. وسيستمر هذا التوجه.

في نهاية المطاف، لا يمكن للعملات الرقمية والمعادن الثمينة أن توفر الراحة المتأتية من الدين الحكومي. ما يزال الوعد بدعم الوضع المالي في الأزمات قائماً- كما أظهر بنك الاحتياطي الفيدرالي من خلال برنامج التمويل المصرفي طويل الأجل الذي أنشأه بسرعة بعد انهيار بنك ”سيليكون فالي“. لقد تعلم النظام النقدي الورقي السائد كيف يعتني بنفسه.

Exit mobile version