في وقت يعد أي تراجع في الأسهم فرصة للشراء، عاد المستثمرون إلى السوق الأميركية بعد تراجع قصير قادته بعض أكبر الشركات المستفيدة من طفرة الذكاء الاصطناعي، فيما ارتفعت “بتكوين” وتراجعت السندات.
ورغم أن “وول ستريت” لم تشهد زخماً شرائياً واسعاً، فإن الأسهم تمكنت من الارتداد بعد هبوطٍ أعاد إلى الواجهة المخاوف بشأن المبالغة في تقييم السوق وحساسيتها تجاه الأخبار السلبية. وقفزت أسهم شركات تصنيع الرقائق، التي كانت الأكثر تضرراً من موجة البيع الأخيرة، يوم الأربعاء.
وقال روبرت إدواردز من شركة “إدواردز لإدارة الأصول”: “بالنسبة للمستثمرين الذين يحتفظون بالسيولة خارج السوق، يبدو أن التراجع الأخير فرصة جيدة للشراء، خصوصاً لمن يمتلكون أفقاً استثمارياً طويل الأمد. نمو الأرباح يتفوق بقوة على الإيرادات، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى توسّع في معدلات التقييم”.
السندات تتراجع والبيانات الاقتصادية تعزز المخاوف
انخفضت السندات بعدما أظهرت البيانات أن نشاط قطاع الخدمات الأميركي نما بأسرع وتيرة في ثمانية أشهر. وقال عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي ستيفن ميران إن تقريراً يُظهر ارتفاعاً في التوظيف كان “مفاجأة إيجابية”، لكنه جدد التأكيد على أن أسعار الفائدة ينبغي أن تكون أدنى.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، في إطار خططها لتمويل العجز الحكومي خلال الفترة بين نوفمبر ويناير، أنها بدأت “النظر مبدئياً في زيادات مستقبلية”، رغم استمرارها في توقع عدم إدخال أي تغييرات على أحجام مزادات السندات خلال الأرباع القليلة المقبلة.
ارتفع أكثر من 300 سهم في مؤشر “إس آند بي 500″، الذي أغلق قريباً من مستوى 6800 نقطة. وقفز مؤشر أشباه الموصلات بنسبة 3%، كما ارتفع مؤشر “راسل 2000” للشركات الصغيرة بنسبة 1.5%. وفي التداولات اللاحقة، أصدرت شركة “كوالكوم” توقعات إيجابية، رغم أن تغييراً ضريبياً أثّر سلباً على أرباحها في الربع الماضي.
وصعد العائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات سبع نقاط أساس إلى 4.16%. كما ارتفع سعر “بتكوين” بنسبة 3.5%، بينما تذبذب أداء الدولار.
هدوء نسبي بعد تراجع أسهم شركات التكنولوجيا
تزايدت المخاوف بشأن ضيق نطاق الأسهم التي تقود مكاسب السوق، فيما أثّر تحول نبرة الاحتياطي الفيدرالي على التفاؤل بشأن خفض الفائدة. كما تعكس المؤشرات الفنية إشارات تحذيرية متزايدة، في وقت يحذر فيه كبار التنفيذيين في “وول ستريت” من التقييمات المبالغ فيها.
وقال فؤاد رزاق زادة من “فوركس دوت كوم”: “المتداولون الذين يبحثون عن مبررات جديدة لتقييمات السوق المرتفعة لم يجدوا أسباباً مقنعة كثيرة، لكنهم في الوقت نفسه لا يريدون البيع”.
وأضاف أن اعتماد المستثمرين على شراء التراجعات كاستراتيجية رئيسية في السوق حدّ من حجم الخسائر بعد كل تراجع.
تفاؤل بتماسك السوق حتى نهاية العام
يرى محللو “باركليز” بقيادة إيمانويل كاو أن الهبوط الأخير للأسهم كان “صحيحاً وصحياً” بعد موجة صعود قوية، لكن الأسهم لا تزال تتجه إلى إنهاء العام بأداء قوي، مدعومة بإشارات التيسير النقدي من الفيدرالي، واستمرار زخم الذكاء الاصطناعي، وتراجع المخاطر الجيوسياسية.
وأضاف المحللون أن أي تراجعات في الأسعار ستُقابل على الأرجح بعمليات شراء، لأن مراكز المستثمرين مرتفعة لكن ليست مفرطة، وصناديق الاستثمار المنهجية خفّضت بالفعل المخاطر، والسيولة الاحتياطية ما زالت مرتفعة رغم تدفقات المستثمرين الأفراد، كما أن العوامل الموسمية إيجابية عادةً في هذه الفترة، وبرامج إعادة شراء الأسهم استؤنفت.
وقالت أولريكه هوفمان-بورخاردي من “يو بي إس ويلث مانجمنت”: “يجب ألا يكون التماسك الحالي مفاجئاً. ورغم أن حالة عدم اليقين السياسي وتحولات معنويات المستثمرين قد تضيف تقلبات إضافية إلى السوق، فإننا ما زلنا نعتقد أن الأسس التي تدعم موجة الصعود لا تزال قائمة”.
تقييمات مرتفعة ولكن من دون فقاعة
أضافت هوفمان-بورخاردي أن التقييمات العالية لا تعني بالضرورة تصحيحاً وشيكاً، إذ تكون التراجعات أكثر احتمالاً عندما يتراجع نمو الأرباح، لأن العائدات المستقبلية ترتبط بشكل أوثق بتغيرات توقعات الأرباح خلال الاثني عشر شهراً المقبلة. كما أكدت أن مؤشرات القطاع التقني لا تزال قوية.
وقالت إن “مضاعفات السعر إلى الأرباح المتوقعة خلال 12 شهراً لعمالقة التكنولوجيا اليوم أدنى بكثير من مستوياتها في ذروة فقاعة الإنترنت. الشركات الرائدة تواصل تسجيل طلب أقوى من المتوقع على خدمات وحوسبة الذكاء الاصطناعي، مع الحفاظ على مراكز نقدية وميزانيات قوية”.
الثقة والاستقرار شرطان لارتفاع التقييمات
بحسب نيكولاس كولاس من شركة “داتاتريك ريسيرش”، فإن الدرس الأهم خلال الأعوام الخمس والعشرين الماضية هو أن التقييمات تُبنى على ثقة المستثمرين في استقرار النظام المالي العالمي، ونمو الأرباح الاقتصادية والمؤسسية بشكل متوقع، وقيمة الإبداع البشري.
وقال: “رغم أن من الشائع حالياً الحديث عن بلوغ السوق ذروتها في تقييمات الأسهم الأميركية، فإن التاريخ يُظهر أن تغيير نظرة المستثمرين يتطلب محفزاً اقتصادياً واسعاً. ما زلنا متفائلين بشأن الأسهم الأميركية الكبرى، لأننا لا نرى خطراً واضحاً ومباشراً يهدد الزخم الصعودي الحالي للأسهم المحلية”.
تحذيرات من الإفراط في ضخ الأموال في الذكاء الاصطناعي
في المقابل، حذر رئيس شركة “أبولو غلوبال مانجمنت” جيم زيلتر من أن تدفق رؤوس الأموال نحو الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات يرفع التقييمات ويزيد المخاطر على المستثمرين.
وقال زيلتر في مقابلة مع “بلومبرغ”: “كلما شهدت تدفقاً ضخماً ومفاجئاً لرأس المال في قطاع ما مثل الذكاء الاصطناعي، عليك التفكير في عوائد الدين وحقوق الملكية على رأس المال المستثمر”.
نمو أرباح واسع ومتفائل
من جانب آخر، قال محللو “دويتشه بنك” بقيادة بينكي تشادها هذا الأسبوع إن نمو الأرباح في الأسهم الأميركية “اتسع عبر عدة قطاعات”، مما بدد المخاوف من تركّز النمو في شركات التكنولوجيا الكبرى فقط.
وقال رايان ديتريك من “كارسن غروب” إن “موسم الأرباح كان مذهلاً، والاحتياطي الفيدرالي لا يزال على الأرجح في مرحلة خفض الفائدة، ومعظم مديري الصناديق متأخرون عن مؤشراتهم المرجعية. هناك أسباب كثيرة لتوقع اندفاعة قوية في نهاية العام، لكننا قد نحتاج إلى بعض التقلبات الإضافية في نوفمبر أولاً”.
زخم الأرباح ومستقبل المستهلك الأميركي
يرى جورج ماريس من “برينسيبال أسِت مانجمنت” أن زخم الأرباح سيستمر، وأن السؤال الأساسي الآن هو مدى استدامة قوة إنفاق المستهلك الأميركي، لأنها ستحدد ما إذا كان هذا الزخم سيستمر حتى العام المقبل.
وقال: “الكثير من القوة التي نراها في الأسواق حالياً مدفوعة بالنمو الهيكلي في التكنولوجيا، وخصوصاً في الذكاء الاصطناعي. الأرباح اليوم تُدار بشكل متزايد بواسطة التكنولوجيا المتقدمة، ما خلق ديناميكية سوق مختلفة تماماً عن الدورات السابقة. نحن في مرحلة نادرة تتقاطع فيها الابتكارات مع الربحية في تفاعل قوي للغاية”.

