بدأت وول ستريت أسبوعاً محورياً بصعود الدولار بأكبر وتيرة منذ مايو، مدعوماً باتفاق جمركي بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والاتحاد الأوروبي، مما عزز الآمال بتمديد الهدنة التجارية مع الصين، فيما حافظت مؤشرات الأسهم على مستوياتها القياسية، وتراجعت السندات بشكل طفيف.
شهد مستهل الأسبوع، الذي من المتوقع أن يُحدد مسار الأسواق لما تبقى من العام، ارتفاعاً في مؤشر الدولار بنسبة تقارب 1%، مواصلاً مكاسبه خلال يوليو. وهبط اليورو بأكبر وتيرة منذ أكثر من شهرين.
أما مؤشر “إس آند بي 500” فاستقر من دون تغيّر يُذكر بعد تجاوزه لفترة وجيزة من الجلسة مستوى 6,400 نقطة. في الوقت نفسه، لم تتحرك عائدات سندات الخزانة الأميركية كثيراً وسط نتائج متباينة من مزادات البيع. وارتفعت أسعار النفط بعد تصريح ترمب بأنه سيقلّص المهلة أمام روسيا للتوصل إلى هدنة مع أوكرانيا.
في ظل اقتراب مهلة فرض الرسوم الجمركية الأميركية في 1 أغسطس، ينتظر المتداولون بيانات اقتصادية أساسية تتعلق بالوظائف والتضخم والنشاط الاقتصادي. الحدث الأبرز سيكون يوم الأربعاء، حين يُتوقع أن يُبقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة من دون تغيير. كما ستُعلن نتائج أرباح عدد من شركات التكنولوجيا الكبرى، التي تبلغ قيمتها السوقية مجتمعة 11.3 تريليون دولار.
قال كريس لاركن من “إي تريد” التابعة لـ”مورغان ستانلي”: “هذا أحد أكثر الأسابيع ازدحاماً في الأسواق، وقد يدفع بزخم السوق إلى الأمام أو يضع حداً له على المدى القريب”.
اختتم مسؤولون أميركيون وصينيون أولى جولتين من المحادثات الهادفة إلى تمديد الهدنة الجمركية لما بعد منتصف أغسطس، وبحث سبل الحفاظ على العلاقات التجارية من دون الإضرار بالأمن الاقتصادي. من جهته، قال رئيس الوزراء الكندي مارك كارني إن حكومته لا تزال منخرطة بعمق في محادثات تجارية مع إدارة ترمب.
ارتفاع الاقتراض الفيدرالي وتلميحات بشأن صفقة مع الصين
رفعت وزارة الخزانة الأميركية تقديراتها للاقتراض الفيدرالي خلال الربع الحالي إلى تريليون دولار، ويُعزى ذلك في معظمه إلى تشوهات ناجمة عن سقف الدين. يوم الأربعاء، ستُعلن الوزارة خططها لمبيعات السندات والأذون في الأشهر المقبلة، والتي يُتوقع على نطاق واسع أن تبقى من دون تغيير.
وأثناء إعلانه عن صفقة الاتحاد الأوروبي من إسكتلندا يوم الأحد، قدّم ترمب تحديثاً موجزاً عن العلاقات مع بكين، قائلاً: “نحن قريبون جداً من إبرام صفقة مع الصين. لقد أبرمنا نوعاً من الصفقة، لكن سنرى كيف ستسير الأمور”، من دون الخوض في تفاصيل.
قال برنت شوتي من “نورثويسترن ميوتشوال لإدارة الثروات”: “من الممكن أن تؤدي الصفقات التجارية الجديدة إلى تخفيف حالة عدم اليقين التي خيمت على الأعمال والاقتصاد. كما أن تأثير الاتفاقات النهائية ربما يكون أقل من التوقعات الأولية بعد إعلان الرسوم الجمركية المتبادلة في 2 أبريل”.
من جهته، اعتبر تييري ويزمان من مجموعة “ماكواري” أن قوة الدولار تعكس اعتقاداً بأن الصفقة الجديدة مع الاتحاد الأوروبي تصب لصالح الولايات المتحدة، لكنها قد تعكس أيضاً شعوراً بأن أميركا تعيد الارتباط مع حلفائها الرئيسيين.
وقال بيتر بوكفار من “ذا بوك ريبورت”: “سواء اتفقنا أم لا مع استخدام الرسوم الجمركية والصفقات المُعلنة، فإننا ننهي الصفقات الكبرى، ما يتيح للشركات الأميركية التكيّف والتخطيط، سواء للأفضل أو الأسوأ. يمكننا الآن التركيز على كيفية تطور هذه الأمور”.
ترقب لقرارات الفيدرالي وتوقعات بأرباح قوية
سيدخل رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وزملاؤه غرفة مجلس البنك المركزي يوم الثلاثاء لمناقشة أسعار الفائدة، في ظل ضغوط سياسية شديدة، وسياسات تجارية متقلبة، وتقلبات اقتصادية متضاربة.
وفي سابقة نادرة، يجتمع صانعو السياسات في الأسبوع ذاته الذي تصدر فيه الحكومة تقارير عن الناتج المحلي الإجمالي، والتوظيف، ومؤشرات الأسعار المفضلة للفيدرالي. ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تُظهر البيانات تحسن النشاط الاقتصادي خلال الربع الثاني.
اقرأ أيضاً: الفيدرالي يحسم مصير الفائدة تحت ضغط السياسة والتجارة
قال لويس نافالييه، كبير مسؤولي الاستثمار في “نافالييه آند أسوشيتس”: “بينما تتحرك السوق بشكل أفقي بعد صعود قوي، إذا لم تحدث مفاجآت في الأرباح وتضمنت تصريحات الفيدرالي لهجة مائلة للتيسير، فمن المرجح أن نرى قمماً جديدة للأسهم بحلول نهاية الأسبوع”.
وقال ريك غاردنر من “آر جي إيه إنفستمنتس”: “لا نتوقع أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة يوم الأربعاء، لكن من الممكن أن يصدر إشارة أقوى تُلمح إلى خفض محتمل في الخريف، خاصة مع استمرار البيانات التضخمية بالهدوء رغم بيئة الرسوم الجمركية”.
وأشار غاردنر إلى أنه رغم أن تقييمات سوق الأسهم مرتفعة، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذه التقييمات لا يمكن أن ترتفع أكثر.
في الواقع، يبدو أن موسم الأرباح هذا قد بدأ بداية قوية، والأنظار تتجه إلى نتائج “مايكروسوفت كورب” و”ميتا بلاتفورمز” يوم الأربعاء، و”أبل” و”أمازون” يوم الخميس.
حتى الآن، تبدو الشركات الأميركية وكأنها تتعامل مع الرسوم الجمركية بهدوء. ومع صدور نتائج حوالي ثلث شركات “إس آند بي 500″، فإن نحو 82% منها قد تجاوزت توقعات الأرباح، ما يضعه على مسار أفضل ربع خلال أربع سنوات، بحسب بيانات جمعتها “بلومبرغ إنتليجنس”.
الأسواق تتجه نحو عام ثالث من المكاسب القوية
يرى جون ستولتزفوس من “أوبنهايمر لإدارة الأصول” أن التقدم في المفاوضات التجارية سيدفع مؤشر “إس آند بي 500” لتحقيق مكاسب بنسبة 20% للعام الثالث على التوالي، وهو إنجاز لم يتحقق منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي. وقد رفع هدفه لنهاية العام للمؤشر إلى 7,100 نقطة.
كما عبّر مايكل ويلسون من “مورغان ستانلي” عن تفاؤله بمؤشر “إس آند بي 500″، متوقعاً استمرار الأرباح القوية.
بحسب كريغ جونسون من “بايبر ساندلر”، فإن المؤشرات الفنية تُظهر توسعاً في المشاركة بالأسهم منذ أدنى مستويات أبريل، وقال: “رغم تباطؤ الزخم مع انتظار المستثمرين للأرباح، فإن تزامن بلوغ عدة مؤشرات لمستويات قياسية مع تحسن اتساع السوق يُواصل جذب المستثمرين من خارج السوق، ويوفر فرصاً لشراء التراجعات”.
وقالت لوري كالفاسينا من “آر بي سي كابيتال ماركتس” إن من المبكر استبعاد تأثير الرسوم الجمركية على التضخم والأرباح.
وأضافت: “كما أن ذلك يُشكل خطراً على مسار أسعار الأسهم إذا لم تكن توقعات الشركات لعام 2026 متفائلة كما يتوقع المستثمرون”.
يتداول مؤشر “إس آند بي 500” عند مضاعف أرباح يبلغ حوالي 22.5 مرة للأرباح المتوقعة، مقارنة بمتوسط 18.6 خلال 10 سنوات، ما أثار المخاوف من أن يكون هامش الخطأ محدوداً.
مستثمرو الأسهم يواصلون “شراء التراجعات”
قالت ليزا شاليت من “مورغان ستانلي لإدارة الثروات”: “الانتعاش المذهل في سوق الأسهم وصمودها قد أعاد ثقة المستثمرين في نمط ‘شراء التراجع'”.
وأضافت: “مع انفصال التقلبات عن مؤشرات التوتر، فقد وصلت المؤشرات السلبية إلى مستويات قياسية جديدة، بينما بدأت القطاعات الأكثر مضاربة في السوق بالقيادة. هناك درجة عالية من التراخي، والتقييمات مرتفعة. في هذا السياق، نفضّل أن نكون انتقائيين في اختيار الأسهم”.
من جهته قال مارك هاكيت من “نيشنوايد” إن هذا ربما يكون أكثر تقاطع مقنع بين الزخم الفني والقوة الأساسية شهدناه منذ وقت طويل.
وأوضح: “مؤشر إس آند بي 500 لم يتحرك بنسبة 1% لأكثر من شهر، ومع ذلك فإن الذين يراهنون على الانخفاض قد استسلموا. لا أحد مستعد للمراهنة على تراجع السوق، وحتى المستثمرين المتشككين ينضمون للموجة. ورغم أن السوق لم تبلغ ذروتها بعد، إلا أن احتمالية ذلك تتزايد”.
وأضاف أن استمرار تحوّل المعنويات وبقاء المشترين عند التراجعات نشطين قد يُفضي إلى ما يُعرف بـ”الذوبان الصعودي”، وأي ضعف قصير الأمد خلال الأسابيع المقبلة سيُقابل غالباً بعمليات شراء مكثفة. وختم هاكيت: “لكن في الوقت الراهن، في سبات صيفي”.
وقال أنطوني ساجليمبيني من “أميريبرايز”: “نميل إلى أن نكون أكثر تفاؤلاً من التشاؤم تجاه الأسهم الأميركية حتى نهاية العام، ولكن ضمن محفظة متوازنة قائمة على إدارة المخاطر. ومع ذلك، فإن هذا الرأي مرهون باستمرار ربحية الشركات والنمو الاقتصادي، وتجنّب أسوأ سيناريوهات الرسوم الجمركية، وبقاء المستثمرين على استعداد لشراء التراجعات”.
السوق تجد بعض الطمأنينة
وفقاً لمكتب استراتيجية الأسواق العالمية في “إنفيسكو”، فقد وجدت الأسواق بعض الطمأنينة في عدة تطورات.
وقال الاستراتيجيون: “أولاً، لم تتحقق أسوأ المخاوف التي نشأت حول التجارة في مطلع أبريل، ويتم توقيع اتفاقات تجارية أساسية. ولا تزال معدلات الرسوم الجمركية مرتفعة جداً مقارنة بالعام الماضي، لكنها تبدو قابلة للإدارة”.
وأضافوا: “من وجهة نظرنا، من المرجح أن يتم تقاسم التكلفة بين الشركات والمستهلكين من دون تأثير كبير على النمو أو التضخم”. كما أشاروا إلى أن العامل الأهم للأسهم على المدى المتوسط والطويل هو الأرباح.
وقال مارك هيفيلي من “يو بي إس لإدارة الثروات العالمية”: “بعد صعود قوي في السوق، يجب على المستثمرين الاستعداد لتقلبات جديدة في المدى القريب. قد تتيح التراجعات المحتملة في السوق فرصة للمستثمرين لتعزيز انكشافهم طويل الأجل على الأسهم”.