Site icon السعودية برس

لماذا تتصاعد المخاوف من فقاعة ذكاء اصطناعي حجمها تريليون دولار؟

منذ أن بدأت طفرة الذكاء الاصطناعي، ترافقت معها تحذيرات من فقاعة مضاربات قد تضاهي جنون الإنترنت في أواخر التسعينات من القرن الماضي والذي أفضى إلى انهيار مدوٍ وموجة من حالات الإفلاس.

تنفق شركات التكنولوجيا مئات المليارات من الدولارات على الرقائق المتقدمة ومراكز البيانات، ليس فقط لمواكبة الزيادة في استخدام روبوتات الدردشة مثل “تشات جي بي تي” (ChatGPT) و”جيميناي” (Gemini) و”كلود” (Claude)، بل أيضاً لضمان استعدادها للتعامل مع التحول الاقتصادي الجذري المرتقب من البشر إلى الآلات. وقد تصل الفاتورة النهائية إلى تريليونات الدولارات. يأتي التمويل من رأس المال الجرئ وعبر الديون، ومؤخراً من ترتيبات غير تقليدية أثارت الدهشة في “وول ستريت”.

حتى أن بعض أبرز مؤيدي الذكاء الاصطناعي يعترفون بأن السوق تشهد حالة من “التقييم المبالغ”، رغم إصرارهم على الثقة في قدرات التكنولوجيا على المدى الطويل. يقول هؤلاء إن الذكاء الاصطناعي على وشك إعادة تشكيل قطاعات متعددة، ومعالجة الأمراض، وتسريع التقدم البشري بشكل عام.

لكن لم يحدث من قبل أن أُنفقت أموال بهذا الحجم وبهذه السرعة على تكنولوجيا لا تزال، رغم إمكاناتها، غير مثبتة كنموذج ربحي واضح. المسؤولون التنفيذيون في قطاع التكنولوجيا، الذين يشككون خلال أحاديثهم الجانبية، في أكثر التقييمات تفاؤلاً لإمكانات الذكاء الاصطناعي الثورية – أو على الأقل يجدون صعوبة في تصور سبل تحقيق أرباح منه – قد يشعرون بأن لا خيار أمامهم سوى مجاراة استثمارات منافسيهم لتجنب خطر التراجع أو التهميش في سوق الذكاء الاصطناعي المستقبلية.

اقرأ أيضاً: “مخاوف من فقاعة” بسبب تقييم شركات ذكاء اصطناعي ناشئة 

ما هي مؤشرات التحذير للذكاء الاصطناعي؟

عندما أعلن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي”، عن خطة بنية تحتية للذكاء الاصطناعي بقيمة 500 مليار دولار تحت اسم “ستارغيت” إلى جانب مسؤولين آخرين في البيت الأبيض في يناير الماضي، أثار الرقم حالة من عدم التصديق. منذ ذلك الحين، صعّد منافسون آخرون وتيرة إنفاقهم، من بينهم مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لـ”ميتا”، الذي تعهد باستثمار مئات المليارات في مراكز البيانات. ولم يرد ألتمان أن يُترك خلف الركب، إذ قال لاحقاً إنه يتوقع أن تنفق “أوبن إيه آي” “تريليونات” على بنية الذكاء الاصطناعي التحتية.

لتمويل تلك المشاريع، تدخل “أوبن إيه آي” مجالات جديدة. ففي سبتمبر، أعلنت شركة “إنفيديا” عن اتفاق لاستثمار ما يصل إلى 100 مليار دولار في بناء مراكز بيانات “أوبن إيه آي”، وهي صفقة يرى بعض المحللين أنها تثير تساؤلات حول ما إذا كانت شركة تصنيع الرقائق تحاول دعم عملائها لضمان استمرارهم في شراء منتجاتها.

هذه المخاوف ظلت ترافق “إنفيديا” بدرجات متفاوتة خلال معظم فترة الازدهار. الشركة المهيمنة في مجال رقائق تسريع الذكاء الاصطناعي استثمرت في العشرات من الشركات خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك مطورو النماذج ومزودو خدمات الحوسبة السحابية. يستخدم بعض هؤلاء الشركات رأس المال الذي حصلوا عليه لشراء رقائق “إنفيديا” باهظة الثمن. إلا أن صفقة “أوبن إيه آي” كانت أضخم بكثير من أي صفقة سابقة.

كما أشارت “أوبن إيه آي” إلى أنها قد تلجأ إلى تمويل عبر الديون بدلاً من الاعتماد على شركاء مثل “مايكروسوفت” و”أوراكل”. الفارق أن تلك الشركات تمتلك أعمالاً راسخة ومربحة منذ سنوات طويلة، بينما تتوقع “أوبن إيه آي” أن تستهلك سيولة بقيمة نحو 115 مليار دولار حتى عام 2029، وفقاً لما أوردته منصة “ذي إنفورميشن” (The Information).

تعتمد شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى بشكل متزايد على الديون لدعم مستويات الإنفاق غير المسبوقة. على سبيل المثال، لجأت شركة “ميتا” إلى البنوك للحصول على تمويل بقيمة 26 مليار دولار لمجمع مراكز بيانات تخطط لبنائه في ولاية لويزيانا، تقول إنه سيصل في النهاية إلى حجم يقارب جزيرة مانهاتن. كما أفادت “بلومبرغ نيوز” أن “جيه بي مورغان تشيس” و”ميتسوبيشي يو إف جي فايننشال غروب” (Mitsubishi UFJ Financial Group) تقودان أيضاً قرضاً تتجاوز قيمته 22 مليار دولار لدعم خطة شركة “فانتج داتا سنترز” (Vantage Data Centers) لبناء مجمع ضخم لمراكز البيانات.

طالع أيضاً: “عمالقة التكنولوجيا” يخططون لاستثمار مئات المليارات في سباق الذكاء الاصطناعي 

وماذا عن العائد؟

بحلول عام 2030، ستحتاج شركات الذكاء الاصطناعي إلى تحقيق إيرادات سنوية مجمعة تبلغ تريليوني دولار لتمويل قدرات الحوسبة المطلوبة لتلبية الطلب المتوقع، وفقاً لتقرير صادر عن شركة “بين آند كو” (.Bain & Co) في سبتمبر الماضي. غير أن التقرير توقع أن تنخفض الإيرادات الفعلية عن هذا المستوى بنحو 800 مليار دولار.

قال ديفيد إينهورن، مدير صندوق التحوط البارز ومؤسس شركة “غرينلايت كابيتال” (Greenlight Capital): “الأرقام التي تُطرح مبالغ فيها إلى حد يصعب استيعابه حقاً. أنا متأكد أنها لن تكون صفراً، لكن هناك احتمالاً معقولاً بأن نشهد تدميراً ضخماً لرأس المال خلال هذه الدورة”.

في مؤشر على طبيعة المرحلة، يزداد عدد الشركات الأقل شهرة التي تسعى للاستفادة من “هوس مراكز البيانات”. فقد وقّعت شركة “نيبيوس” (Nebius)، المزود السحابي ومقرها في أمستردام والمنفصل عن عملاق الإنترنت الروسي “يانديكس” (Yandex) في عام 2024، اتفاقاً مع “مايكروسوفت” لبناء بنية تحتية بقيمة تصل إلى 19.4 مليار دولار. كما تعمل شركة “إن سكيل” (Nscale)، وهي شركة بريطانية صغيرة لمراكز البيانات، مع “إنفيديا” و”أوبن إيه آي” و”مايكروسوفت” على إنشاء مراكز بيانات في أوروبا. وكبعض مزودي بنية الذكاء الاصطناعي الآخرين، كانت “إن سكيل” تركز سابقاً على قطاع آخر شهد “مبالغة في التقييم”، وهو تعدين العملات المشفرة.

“من المحتمل أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير عميق في طريقة عملنا جميعاً. لكن انسجاماً مع منطق “التدمير الخلّاق” الذي يرافق التحولات الكبرى، فهناك قدر من المتاعب في الطريق قبل أن نحصد ثمار الأعمال الجديدة التي يجري بناؤها”.

— جون أوثرز، “بلومبرغ أوبينيون”.

اقرأ المزيد: “عمالقة التكنولوجيا” يخططون لاستثمار مئات المليارات في سباق الذكاء الاصطناعي 

هل هناك مخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي نفسه؟

موجة الإنفاق على مراكز البيانات تطغى على مخاوف مستمرة بشأن العائد الفعلي من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ففي أغسطس، اهتزت ثقة المستثمرين بعد أن وجد باحثون من “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” (MIT) أن 95% من المؤسسات لم تحقق أي عائد من استثماراتها في مبادرات الذكاء الاصطناعي.

في الآونة الأخيرة، قدّم باحثون من جامعتي “هارفارد” و”ستانفورد” تفسيراً محتملاً لذلك، مشيرين إلى أن الموظفين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لإنتاج ما وصفوه بـ”العمل الزائف”، وهو ما يعرّفونه بأنه “محتوى عمل ينتجه الذكاء الاصطناعي، ويبدو كأنه عمل جيد، لكنه يفتقر إلى الجوهر الذي يمكن أن يضيف قيمة حقيقية للمهمة المطلوبة”.

لطالما تمثل وعد الذكاء الاصطناعي في قدرته على تبسيط المهام وزيادة الإنتاجية، مما يجعله أداة لا تقدر بثمن للموظفين وتكنولوجيا تستحق أن تدفع الشركات مقابلها مبالغ كبيرة. لكن باحثي “هارفارد” و”ستانفورد” وجدوا أن انتشار “العمل الزائف” يمكن أن يكلّف المؤسسات الكبرى ملايين الدولارات سنوياً من حيث الإنتاجية المفقودة.

كما يواجه مطورو الذكاء الاصطناعي تحدياً من نوع آخر. فشركات مثل “أوبن إيه آي” ومطوّر روبوت الدردشة “كلود” شركة “أنثروبيك” (Anthropic) وغيرهما، راهنت منذ سنوات على ما يُعرف بـ”قوانين التوسّع” – وهي الفكرة القائلة بأن زيادة قدرات الحوسبة والبيانات وحجم النماذج ستؤدي حتماً إلى قفزات أكبر في قوة الذكاء الاصطناعي. ويقولون إن هذه التطورات ستقود في النهاية إلى “الذكاء الاصطناعي العام” (AGI)، وهو شكل افتراضي من الذكاء الاصطناعي يتمتع بقدرات توازي أو تتفوق على الإنسان في معظم المهام.

طالع أيضاً: شركة ناشئة باتت منافس “جوجل” الأشد

غير أن هذه الشركات واجهت خلال العام الماضي عوائد متناقصة من جهودها المكلفة لبناء أنظمة أكثر تقدماً. كما كافحت بعض الشركات للوفاء بالضجة التي روجت لها. فبعد أشهر من الترويج للنموذج “جي بي تي-5” (GPT-5) باعتباره نقلة نوعية، قوبل إطلاق أحدث نموذج من “أوبن إيه آي” في أغسطس بتقييمات متباينة. وفي تصريحات خلال الإطلاق، أقرّ ألتمان قائلاً: “ما زلنا نفتقد شيئاً مهماً للغاية” للوصول إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي العام.

تتعاظم هذه المخاوف مع اشتداد المنافسة من الصين، حيث تضخ الشركات هناك نماذج ذكاء اصطناعي منافسة ومنخفضة التكلفة في السوق. ورغم أن الشركات الأميركية لا تزال تُعتبر متقدمة في السباق، فإن البدائل الصينية قد تقوّض مكانة وادي السيليكون من حيث الأسعار في بعض الأسواق، مما يجعل من الصعب استرداد الاستثمارات الضخمة في بنية الذكاء الاصطناعي التحتية.

هناك أيضاً خطر آخر يتمثل في أن التوسع الهائل في بناء مراكز البيانات، وما يصاحبه من زيادة ضخمة في استهلاك الكهرباء، قد يتباطأ بفعل ضغوط شبكات الطاقة الوطنية المحدودة.

اقرأ أيضاً: استطلاع: غالبية الشركات تتكبد “خسائر مخاطر” عند اعتماد الذكاء الاصطناعي 

ما هو ردّ قطاع الذكاء الاصطناعي على ذلك؟

سام ألتمان، الوجه الأبرز لازدهار الذكاء الاصطناعي الحالي، أقرّ مراراً خلال الأشهر الماضية بوجود خطر فقاعة استثمارية، رغم تمسكه بتفاؤله تجاه التكنولوجيا. وقال في أغسطس: “هل نحن في مرحلة يشعر فيها المستثمرون جميعاً بحماسة مفرطة تجاه الذكاء الاصطناعي؟ في رأيي، نعم”. وأضاف: “هل يُعد الذكاء الاصطناعي أهم ما حدث منذ زمن طويل؟ رأيي أيضاً نعم”.

يواصل ألتمان وغيره من قادة التكنولوجيا التعبير عن ثقتهم بخارطة الطريق نحو الوصول إلى “الذكاء الاصطناعي العام” (AGI)، ويرى بعضهم أنه أقرب مما يعتقد المشككون. كتب مارك زوكربيرغ في يوليو قائلاً: “تطوير الذكاء الفائق أصبح الآن في المتناول”، في إشارة إلى شكل أكثر قوة من الذكاء الاصطناعي تسعى شركته لتحقيقه.

على المدى القريب، يقول بعض مطوري الذكاء الاصطناعي إنهم بحاجة إلى زيادة قدرات الحوسبة بشكل كبير لدعم الإقبال المتسارع على خدماتهم. وأكد ألتمان مراراً أن شركة “أوبن إيه آي” ما تزال تعاني من قيود في الموارد الحاسوبية، مع استخدام مئات الملايين من الأشخاص حول العالم لخدماتها في التحدث مع “تشات جي بي تي”، وكتابة الأكواد وإنشاء الصور ومقاطع الفيديو.

كما نشرت شركتا “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك” أبحاثاً وتقارير تقييمية خاصة بهما تشير إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي بدأت تُحدث أثراً ملموساً في المهام الوظيفية، بخلاف التقارير السلبية الصادرة عن بعض المؤسسات الأكاديمية المستقلة. فقد أظهر تقرير لـ”أنثروبيك” صدر في سبتمبر أن نحو ثلاثة أرباع الشركات تستخدم روبوت الدردشة “كلود” لأتمتة الأعمال. وفي الشهر نفسه، أطلقت “أوبن إيه آي” نظام تقييم جديداً يسمى “جي دي بي فال” (GDPval) لقياس أداء نماذج الذكاء الاصطناعي عبر عشرات المهن المختلفة.

قالت الشركة في منشور على مدونتها: “وجدنا أن أفضل النماذج المتقدمة المتاحة اليوم تقترب بالفعل من جودة العمل الذي يقدمه خبراء الصناعة. وعلى وجه الخصوص في فئات المهام التي تتفوق فيها النماذج، نتوقع أن إسناد المهمة للنموذج قبل الإنسان سيوفر الوقت والمال”.

طالع المزيد: الذكاء الاصطناعي الفائق.. هل يقترب من تخطي قدرات البشر؟  

فكم سيدفع العملاء في النهاية مقابل هذه الخدمات؟

يأمل المطورون أن يؤدي تحسّن النماذج وازدياد قدرتها على تنفيذ مهام أكثر تعقيداً بالنيابة عن المستخدمين إلى إقناع الشركات والأفراد بإنفاق مبالغ أكبر للحصول على التكنولوجيا.

قالت سارة فراير، المديرة المالية لـ”أوبن إيه آي”، في أواخر عام 2024، رداً على تقرير تحدث عن مناقشات الشركة بشأن اشتراك شهري بقيمة 2000 دولار لمنتجاتها: “أريد أن يكون الباب مفتوحاً أمام كل الاحتمالات. فإذا كانت التكنولوجيا تساعدني على التنقل في العالم بمساعد يعادل في ذكائه درجة الدكتوراه في أي مهمة أقوم بها، فهناك بالتأكيد حالات يكون فيها ذلك منطقياً تماماً”.

في سبتمبر، قال زوكربيرغ إن حدوث فقاعة في سوق الذكاء الاصطناعي “أمر ممكن تماماً”، لكنه شدد على أن قلقه الأكبر هو التقصير في الإنفاق لمواكبة الفرص المتاحة. وأضاف في مقابلة إذاعية: “إذا انتهى بنا الأمر إلى إنفاق غير مجدٍ لبضعة مئات من المليارات من الدولارات، فسيكون ذلك مؤسفاً بالطبع، لكنني أرى أن المخاطر أكبر في الاتجاه المعاكس”.

ما الذي يصنع الفقاعة السوقية؟

الفقاعات هي دورات اقتصادية تتسم بارتفاع سريع في القيم السوقية إلى مستويات لا تدعمها الأسس الاقتصادية الحقيقية، وغالباً ما يتبعها تراجع حاد يُعرف بـ”الانفجار”.

تبدأ الفقاعة عادة عندما ينجرف المستثمرون وراء موجة من المضاربات الحماسية – سواء حول تكنولوجيا جديدة أو فرصة سوقية واعدة – ويدفعهم الخوف من فوات الفرصة إلى ضخ المزيد من الأموال.

وحدد الاقتصادي الأميركي هايمان مينسكي خمس مراحل تمر بها الفقاعة السوقية: التحول، الازدهار، النشوة، جني الأرباح، ثم الذعر.

يصعب أحياناً اكتشاف الفقاعات لأن الأسعار في السوق قد تنفصل عن قيمها الحقيقية لأسباب متعددة، كما أن الانخفاض الحاد في الأسعار لا يحدث بالضرورة في كل الحالات. وبما أن الانهيار يُعد جزءاً من دورة الفقاعة، فإنه غالباً لا يمكن تحديدها بدقة إلا بعد وقوعها.





تقييمات “S&P500” لأسهم الذكاء الاصطناعي – بلومبرغ


قد يهمك: بيزوس: طفرة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي “فقاعة” ستؤتي ثمارها

تنفجر الفقاعات عادة عندما يدرك المستثمرون أن توقعاتهم العالية كانت مبالغاً فيها. ويحدث ذلك غالباً بعد فترة من الحماسة المفرطة التي تتحول إلى حالة من الجنون الجماعي، حين يُقبل الجميع على الشراء عند القمة. ما يلي ذلك عادة هو عملية بيع بطيئة ومطوّلة، تبدأ فيها أرباح الشركات بالتراجع، أو وقوع حدث مفصلي يغيّر النظرة المستقبلية طويلة الأمد ويدفع المستثمرين إلى الهروب الجماعي من السوق.

سادت بعض المخاوف في أواخر يناير من أن فقاعة الذكاء الاصطناعي قد انفجرت بالفعل، عندما قلبت شركة “ديب سيك” (DeepSeek) الصينية الموازين بإطلاق نموذج ذكاء اصطناعي منافس، قيل إنه بُني بتكلفة لا تكاد تُذكر مقارنة بما تنفقه الشركات الأميركية الكبرى. أثار نجاح “ديب سيك” الفيروسي موجة بيع هائلة لأسهم التكنولوجيا بلغت قيمتها تريليون دولار. وتراجعت أسهم “إنفيديا” (Nvidia)، التي تُعد مؤشراً رئيسياً لقطاع الذكاء الاصطناعي، بنسبة 17% في يوم واحد.

جاءت حادثة “ديب سيك” لتؤكد المخاطر الكامنة في ضخ استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي. لكن وادي السيليكون لم يتراجع كثيراً. ففي الأشهر التالية، ضاعفت شركات التكنولوجيا خطط إنفاقها المكلفة على الذكاء الاصطناعي، وعاد المستثمرون للتصفيق لهذه الرهانات. واستعادت أسهم “إنفيديا” قوتها من أدنى مستوياتها في أبريل لتسجل أرقاماً قياسية جديدة. وبنهاية سبتمبر، تجاوزت قيمتها السوقية 4 تريليونات دولار، لتصبح الشركة الأعلى قيمة في العالم.

اقرأ أيضاً: “ديب سيك” تدفع عمالقة التكنولوجيا لزيادة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي

فهل نحن نعيش نسخة جديدة من عام 1999؟

كما هي الحال في طفرة الذكاء الاصطناعي الحالية، جذبت الشركات التي كانت في قلب فورة الإنترنت آنذاك كميات هائلة من رؤوس الأموال، مستندة إلى مؤشرات مشكوك في جدواها مثل عدد زيارات المواقع، بدلاً من قدرتها الحقيقية على تحقيق الأرباح. كانت هناك نماذج أعمال معيبة وتقديرات مبالغ فيها للإيرادات. وسارعت شركات الاتصالات إلى بناء شبكات الألياف البصرية لتكتشف لاحقاً أن الطلب لم يكن كافياً لتغطية التكاليف. وعندما انهار السوق عام 2001، تمت تصفية العديد من الشركات، فيما استحوذ منافسون أقوى على شركات أخرى بأسعار منخفضة جداً.

تتردد أصداء حقبة “فقاعة الإنترنت” في المشهد الحالي من حيث التوسع الهائل في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، والتقييمات الفلكية، والاستعراض المفرط للثروة. فالمستثمرون المغامرون يتنافسون على استقطاب الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي بعروض سخية تشمل الطائرات الخاصة والمقاعد المميزة في الفعاليات والشيكات الضخمة. تروّج العديد من هذه الشركات لإيراداتها المتكررة كمؤشر رئيسي للنمو، لكن هناك شكوكاً حول مدى استدامة تلك الإيرادات أو قابليتها للتنبؤ، خصوصاً لدى الشركات الأصغر سناً. بعض شركات الذكاء الاصطناعي تجمع جولات تمويلية ضخمة متعددة في عام واحد، وليس من المؤكد أن جميعها ستزدهر.

قال بريت تايلور، رئيس مجلس إدارة “أوبن إيه آي” والرئيس التنفيذي لشركة “سيرا” (Sierra) الناشئة والمتخصصة في الذكاء الاصطناعي، والتي تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار: “أعتقد أن هناك أوجه شبه كبيرة مع فقاعة الإنترنت”. وأضاف أن عدداً من الشركات التي تحلّق حالياً في سماء السوق ستنهار بلا شك، لكن في المقابل ستظهر شركات كبرى جديدة وتزدهر على المدى الطويل، تماماً كما حدث مع شركتي “أمازون دوت كوم” (.Amazon.com Inc) و”جوجل” التابعة لـ”ألفابت” في أواخر التسعينات.

تابع تايلور قائلاً: “صحيح أن الذكاء الاصطناعي سيحدث تحوّلاً في الاقتصاد، وأعتقد أنه سيخلق، مثل الإنترنت، قدراً هائلاً من القيمة الاقتصادية في المستقبل، لكنني أعتقد أيضاً أننا نعيش فقاعة، وكثيرون سيفقدون أموالاً طائلة”. 

اقرأ أيضاً: أسهم شركات الرقائق تضيف 200 مليار دولار لقيمتها وسط حمى الذكاء الاصطناعي

قال جيف بيزوس، رئيس مجلس إدارة “أمازون”، إن الإنفاق على الذكاء الاصطناعي يشبه “فقاعة صناعية” على غرار فقاعة التكنولوجيا الحيوية في تسعينات القرن الماضي، لكنه ما يزال يتوقع أن تسهم هذه التكنولوجيا في رفع إنتاجية “كل شركة في العالم”.

يشير مراقبو الأسواق أيضاً إلى وجود فروقات أساسية بين طفرة الإنترنت السابقة وازدهار الذكاء الاصطناعي الحالي، أبرزها المتانة المالية والاستقرار الواسع للشركات الكبرى التي تقود هذا الاتجاه. فمعظم شركات “العظماء السبعة” في قطاع التكنولوجيا الأميركي هي مؤسسات عملاقة راسخة منذ زمن، وتشكل جزءاً كبيراً من نمو الأرباح في مؤشر “إس آند بي 500”. وتتمتع هذه الشركات بتدفقات إيرادات ضخمة وتحتفظ باحتياطيات نقدية هائلة.

على الرغم الشكوك، تتسارع جهود تبني الذكاء الاصطناعي بوتيرة لافتة، إذ يبلغ عدد مستخدمي “تشات جي بي تي” التابع لشركة “أوبن إيه آي” نحو 700 مليون مستخدم أسبوعياً، مما يجعله من أسرع المنتجات الاستهلاكية نمواً في التاريخ. كما شهد أبرز مطوري الذكاء الاصطناعي، ومنهم “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك”، نمواً قوياً في المبيعات. وكانت “أوبن إيه آي” قد توقعت سابقاً أن تتضاعف إيراداتها أكثر من ثلاث مرات في عام 2025 لتصل إلى 12.7 مليار دولار.

وعلى الرغم من أن الشركة لا تتوقع تحقيق تدفقات نقدية إيجابية قبل نهاية هذا العقد، فإن صفقة حديثة سمحت للموظفين ببيع جزء من أسهمهم منحتها تقييماً ضمنياً بلغ 500 مليار دولار، مما يجعلها أكثر الشركات قيمة في العالم دون أن تحقق ربحاً حتى الآن.

Exit mobile version