Site icon السعودية برس

لماذا انتقل الغرافيت إلى ساحة الحرب التجارية بين أميركا والصين؟

أصبح الغرافيت مؤخراً رأس حربة جديدة في الصراع التجاري المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين بسبب أهميته الاستراتيجية واعتماد واشنطن عليه مقابل هيمنة بكين على إنتاجه. 

يعد هذا المعدن مكوّناً أساسياً في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية والتقنيات الخضراء الحديثة، كما تهيمن الصين على إنتاجه عالمياً بحصة تُقدَّر بأكثر من الثلثين، وفقاً لتقرير المسح الجيولوجي الأميركي، وهي المورّد الرئيسي للولايات المتحدة التي تعتمد على استيراده لتلبية احتياجات صناعاتها، حيث بلغت وارداتها نحو 180 ألف طن متري من منتجات الغرافيت العام الماضي جاء ثلثها (60 ألف طن متري) من الصين. 

يفرض هذا الواقع نزاعاً تجارياً مباشراً بين أكبر اقتصادين في العالم، إذ فرضت واشنطن رسوماً جمركية مرتفعة على واردات الغرافيت الصينية بدعوى أن بكين تدعمه بشكل غير عادل، وفي المقابل شدّدت الصين قيود تصدير هذا المعدن الحيوي بدعوى حماية “أمنها القومي”.  

وهكذا بات الغرافيت مثالاً بارزاً على كيفية تحوُّل المعادن الحيوية إلى أدوات ضغط في المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية بين قطبي الاقتصاد العالمي. 

ما هو الغرافيت ولماذا أصبح معدناً استراتيجياً؟

الغرافيت هو أحد أشكال عنصر الكربون في الطبيعة، وقد تصاعدت أهميته بشكل هائل مع الثورة الحالية في صناعة البطاريات التي تعتمد عليها السيارات الكهربائية وأجهزة تخزين الطاقة الحديثة ضمن التحول العالمي نحو النقل الكهربائي والطاقة النظيفة. ومن هذا المنطلق اعتبرته الدول الصناعية معدناً استراتيجياً نظراً لدوره المحوري في سلاسل إمداد الطاقة النظيفة والتقنيات الخضراء. 

صنفته الولايات المتحدة وهيئات دولية ضمن قائمة المعادن الحرجة الضرورية للاقتصاد والأمن القومي. وتشير توقعات مؤسسة “إس آند بي غلوبال” إلى نمو هائل في الطلب العالمي على الغرافيت خلال العقد الحالي؛ إذ سيرتفع الطلب عليه من حوالي 790 ألف طن عام 2023 إلى أكثر من 3.1 مليون طن بحلول 2030 مدفوعاً بازدياد إنتاج السيارات الكهربائية ونظم تخزين الطاقة. 

كيف سيطرت الصين على سلسلة إمداد الغرافيت عالمياً؟

تعد الصين أكبر منتج ومصدّر للغرافيت الطبيعي في العالم، لكن الأهم من ذلك أنها تسيطر على مراحل المعالجة والتحويل إلى الشكل المناسب للاستخدام في البطاريات. تقوم الصين بتنقية وصقل أكثر من 90% من إنتاج العالم من الغرافيت وتحويله إلى مادة الأنود الجاهزة للاستخدام في بطاريات المركبات الكهربائية. وبلغ نصيب الصين نحو 79% من القدرة الإنتاجية العالمية للغرافيت الطبيعي، ونحو 90% من القدرة الخاصة بالمنتج الاصطناعي المستخدم في البطاريات. 















أعلى 10 دول إنتاجاً للغرافيت عالمياً في 2024
الدولة إنتاج 2024 (طن متري) الاحتياطيات (طن متري) الحصة من الإنتاج عالمياً (%) 
الصين 1.27 مليون 81 مليون %79.4
مدغشقر 89 ألف  27 مليون %5.6
موزمبيق 75 ألف  25 مليون %4.7
البرازيل 68 ألف  74 مليون %4.2
الهند 27.8 ألف  8.6 مليون %1.7
تنزانيا 25 ألف  18 مليون %1.6
روسيا 20 ألف 14 مليون %1.2
كندا 20 ألف  5.9 مليون %1.2
كوريا الجنوبية 9.6 ألف  1.8 مليون %0.6
كوريا الشمالية 8.1 ألف  2 مليون %0.5

تمكنت الصين من فرض هذه السيطرة على موارد الغرافيت بفضل استثمارها على مدى عقود في تطوير صناعات التعدين والمعالجة لمختلف المعادن الاستراتيجية، مستفيدةً من وفرة الموارد البشرية والتكاليف المنخفضة والقوانين البيئية المتساهلة مقارنةً بالغرب. 

بمرور الوقت أصبحت شركات صينية عدّة المورّد شبه الحصري لمواد الأنود الجاهزة للبطاريات، وحتى عندما يُستخرج هذا المعدن من مناجم في أفريقيا أو أماكن أخرى، غالباً ما يُشحن إلى الصين لتجهيزه وتصنيعه بشكل نهائي. 

وصفت وكالة الطاقة الدولية الاعتماد المفرط على الصين في مجال الغرافيت بأنه أحد أكبر مصادر الخطر في سلاسل توريد المعادن للمرحلة الانتقالية للطاقة، مشددةً على الحاجة الملحّة لتنويع مصادره.

أزمة الرسوم الجمركية.. كيف تصاعد الصراع مؤخراً؟

مع اشتداد المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين في ميدان التقنيات الخضراء، تصاعد التوتر بشأن الغرافيت عبر إجراءات تجارية تثير شبه “حرب تجارية” حول هذا المعدن. بداية التصعيد جاءت من بكين في أواخر عام 2023 حين أعلنت الصين فرض قيود جديدة على تصدير بعض أنواع الغرافيت عالي الجودة المستخدم في البطاريات، وذلك تحت ذرائع حماية “الأمن القومي”.

ابتداءً من 1 ديسمبر 2023 ألزمت الصين المُصدّرين بالحصول على تراخيص خاصة لشحن فئات محددة من الغرافيت إلى الخارج، تشمل هذه الفئات الغرافيت الطبيعي كرقائق ومنتجات، وكذلك بعض أشكال الغرافيت الصناعي عالي النقاء والصلابة. في المقابل، رفعت الصين قيوداً مؤقتة عن 5 منتجات غرافيت أقل حساسية تُستخدم في صناعات مثل الصلب والكيماويات، في محاولة لطمأنة الأسواق بأن الإجراءات تستهدف المجالات الأهم (البطاريات) دون إيقاف كامل للصادرات.

على الرغم من تأكيد الصين أن الخطوة لا تستهدف بلداً بعينه، رأى كثيرون هذا على أنه ورقة ضغط تجارية في مواجهة الغرب، خاصة أنها جاءت في خضم توترات أخرى (مثل تدقيق الاتحاد الأوروبي في دعم الصين لصناعة السيارات الكهربائية، وإجراءات أميركية لمنع وصول أشباه الموصلات المتقدمة إلى بكين). 

من الرابحون والخاسرون من المخاطر الجيوسياسية وأمن الإمدادات؟

ذكر مسؤولون غربيون مراراً أن تركيز إنتاج المواد الحرجة في دولة واحدة يشكّل نقطة ضعف خطيرة. والخطر الأساسي يتمثل في مسألة أمن الإمدادات: عندما تعتمد دول مثل الولايات المتحدة أو كوريا الجنوبية أو دول أوروبا على الصين لتلبية معظم احتياجاتها من الغرافيت، تصبح سلاسل التوريد معرضة لاضطرابات حادة في حال قررت بكين تقييد التدفقات لأي سبب سياسي أو اقتصادي. 

في المقابل، يبرز الرابحون أيضاً، وهم شركات التعدين وإنتاج الغرافيت خارج الصين التي باتت في موقع قوي لجني ثمار ارتفاع الأسعار والتحولات الإستراتيجية. أسهم شركات الغرافيت في أميركا الشمالية قفزت مباشرةً عقب إعلان الرسوم الأميركية، حيث رأى المستثمرون أن الحماية الجمركية ستمنح المنتجين المحليين فرصة ذهبية لتوسيع حصتهم السوقية. شركة “ويست ووتر ريسورسز” (Westwater Resources) الأميركية على سبيل المثال قالت إن الرسوم الجديدة توفر وضوحاً سياسياً وإشارة سوقية تسرّع خططها لزيادة الإنتاج المحلي، وقد ارتفع سهمها 15% في يوم الإعلان.

كذلك، فإن دولاً أخرى غنية بخام الغرافيت مرشحة للاستفادة من سعي الدول المستوردة لتنويع المصادر، ومنها موزمبيق وتنزانيا اللتين تجذبان الاهتمام والاستثمارات كشركاء محتملين لتوريد الغرافيت لكوريا الجنوبية والغرب.

أعلنت وزارة التجارة الكورية الجنوبية صراحةً أنها تنظر إلى أفريقيا كمصدر بديل لتعويض أي نقص، بل وتعمل شركاتها (مثل “بوسكو”) على الاستثمار في حقوق مناجم بتنزانيا. 

هل تنجح جهود الغرب في فك الارتباط عن الغرافيت الصيني؟

الولايات المتحدة تبنّت استراتيجيات متعددة لتعزيز إنتاج الغرافيت المحلي. على المستوى السياسي، جاء قانون خفض التضخم لعام 2022 ليتضمن حوافز سخية للشركات التي تبني سلاسل توريد بطاريات داخل أميركا أو دول حليفة. 

كما وضعت وزارة الخزانة الأميركية قواعد تمنع السيارات الكهربائية التي تعتمد بطارياتها على مواد مُصنَّعة في الصين من الحصول على الإعفاءات الضريبية الكاملة. 

من جهته، أطلق الاتحاد الأوروبي أيضاً مبادراته الخاصة ضمن خطته للمواد الخام الحرجة. دخل حيز التنفيذ في 2024 قانون “المواد الخام الإستراتيجية” الذي يضع أهدافاً طموحة مثل تأمين 10% من الاستخراج، و40% من معالجة المعادن الحرجة داخل دول الاتحاد بحلول 2030. 

Exit mobile version