Site icon السعودية برس

كيف تحول “الكيتامين” من علاج للخيول إلى دواء نفسي للبشر؟

للوهلة الأولى، قد يبدو أن الكيتامين (ketamine) أفضل مادة لتخفيف القلق الذي يسود عصرنا ويتزايد. هذا الدواء التفكيكي -مادة سريعة المفعول تُعزز مرونة السيّالة العصبية الدماغية ولها تأثيرات مضادة للاكتئاب- يُبطئ الزمن ويُحوّله إلى تدفق هادئ، مُوفراً بديلاً مُهدئاً للوضع الراهن المُحبط.

إن تحول مُخدر شائع يُستخدم لتخدير البشر على طاولات العمليات، ناهيكم عن استخدامه على الخيل، إلى وسيلة شائعة في مجال الصحة النفسية هو نتيجة غير متوقعة، خاصةً بالنظر إلى مدى القلق الذي يُمكن أن تُسببه الآثار الأبعد من تلقي الكيتامين، المعروفة أيضاً باسم “ثقب كيه”.

كيف تستنزف مشكلات الصحة النفسية اقتصادات العالم؟

تُروج الشركات التي تُغازل سوق الكيتامين الذي تبلغ قيمته 3.4 مليار دولار لهذا الدواء القوي كوسيلة لعلاج الكآبة الوجودية مع تعزيز الوظائف الإدراكية في الوقت نفسه. يضع التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي الكيتامين كبديل أسرع وأكثر فعالية لمثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية.

قال جيمي ويل، المؤلف المشارك لكتاب “سرقة النار: كيف يقلب وادي السيليكون، والقوات الخاصة في البحرية الأميركية، والعلماء المتمردون اسلوب حياتنا وعملنا”: “هناك مجموعة كاملة من التدخلات، يأتي كثير منها مع عبوات ومنتجات وبطاقات أسعار تعد بنوع من تجاوز الحالة البشرية”.

يصنّف ويل الكيتامين جنباً إلى جنب مع ساونا الأشعة تحت الحمراء وحمامات الثلج والمكملات الغذائية في مجال اختراق الحياة الذي روّج له “مُحترفو البيولوجيا” المؤثرون مثل تيم فيريس وديف أسبري.

هل شرح لك أحد ما الذي تواجهه؟

يروي ويل: “كنت مع أحد الرؤساء التنفيذيين قبل بضعة أشهر، وأخرج بسعادة بخاخ الكيتامين الأنفي الخاص به استجلاباً لراحة مسائية… قال: هذا رائع تماماً للاكتئاب إنه ليس إدمانياً ويساعدك على إعادة برمجة دماغك بطرق أفضل”. أجبته: “أي طبيب أعطاك هذه الوصفة الطبية ولم يعلمك ما أنت مقبل عليه؟”.

اكتسب الكيتامين شهرة من خلال التقاء ثغرات قانونية وتحولات في النموذج الاجتماعي. في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ضخ المستثمرون رؤوس أموالهم في شركات الكيتامين الناشئة مثل ”فيلد تريب“ (Field Trip) و”نو لايف هيلث“ (Nue Life Health)، التي قدمت نفسها كشركات مبتكرة في أول نهضة للمواد المخدرة.

نظراً لاستخدامه على نطاق واسع في المستشفيات، يمكن للأطباء وصف الكيتامين خارج نطاق التسمية لعلاج حالات الصحة العقلية، ما يجعل الدواء مرشحاً سهلاً للشركات التي تسعى إلى تحقيق أرباح من المواد المخدرة.

هناك من يستخدم “تشات جي بي تي” بدلاً من زيارة أخصائي نفسي

اشتدت هذه الفورة في عام 2019، عندما وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على ”سبرافاتو“ (Spravato)، وهو بخاخ أنفي حاصل على براءة اختراع من شركة ”جونسون آند جونسون“، كعلاج للاكتئاب. ثم، خلال جائحة كوفيد-19، سمح تخفيف القانون الفيدرالي لمقدمي الخدمات الطبية بوصف الأدوية الخاضعة للرقابة عبر معاينات عبر وسائط إلكترونية.

لقد فتح هذا الباب أمام شركات منها ”مايندبلوم“ (Mindbloom) و“جويوس“ (Joyous). للعمل بالكامل عبر الإنترنت وشحن أقراص الكيتامين والحقن مباشرة إلى الزبائن.

نشاط في مساحة رمادية

نظراً لأن شركات الرعاية الصحية عن بُعد الخاصة بالكيتامين تعمل في منطقة رمادية قانونية مع قلة التنظيم أو إشراف المؤسسات الاتحادية، فإن بروتوكولات العلاج والأسعار تتباين على نطاق واسع- باختصار، إنها تضع القواعد.

تقدم ”جويوس“ نظام جرعات صغيرة يومياً مقابل 129 دولاراً شهرياً، بينما تتقاضى ”مايندبلوم“ 1254 دولاراً مقابل ست جلسات مرتبة على مدى ثلاثة أشهر تقريباً. مع ذلك، تظل الرعاية الصحية عن بُعد أرخص بكثير والوصول إليها أسهول من العلاج الشخصي، والذي يكلف عادةً من 400 دولار إلى 800 دولار لكل جلسة.

الحصول على الكيتامين عبر الإنترنت أمر بسيط. أولاً، تختار باقة وتملأ استبياناً عبر الإنترنت. بعد إدخال رقم بطاقة الائتمان الخاصة بك، يمكنك إجراء محادثة فيديو مع طبيب مرخص يطرح أسئلة حول تاريخ صحتك البدنية والعقلية. بعد بضعة أيام، يصلك صندوقٌ فيه دواؤك، الذي تتناوله في المنزل، ويُفضّل أن يكون برفقتك شخصٌ موثوق.

ماذا سيحدث إذا حاول المديرون لعب دور معالج نفسي لموظفيهم؟

كما توفر الشركات ”مرشدين” أو “فرق رعاية” تتابع حالتك. كما تُقدم تطبيقاتها المرافقة موسيقى مصاحبة وجلسات تأمل وتمارين تنفس.

تبدو الأنظمة المُبسّطة والواجهات الأنيقة لهذه المنصات بمثابة طريقةٍ مُغريةٍ للالتفاف على العلاج بالكلام أو مُثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية التقليدية وهي تقدم الكيتامين كمُحسِّنٍ للمزاج يُعيد برمجة الدماغ دون آثارٍ جانبيةٍ غير مرغوب فيها.

لكن بعض الخبراء يُحذّرون من احتمالية إشكالات في أنماط الاستخدام أو الإدمان، وهو أمرٌ يُمكن للشركات التغاضي عنه أو رفض إيضاحه، ويؤكدون على ضرورة تخصيص الكيتامين للمرضى الذين يُعانون من حالاتٍ خطيرة. لم تُجب ”جويوس“ و“مايندبلوم“ على الاستفسارات حول رسائلهما الموجهة للمستهلكين.

عقار قوي لا يجب تناوله لحالات بسيطة

قال صموئيل ويلكينسون، الأستاذ المشارك في الطب النفسي بجامعة ييل الذي يدرس فعالية الكيتامين العلاجي: “الكيتامين مُخصص لمن يعانون من اكتئاب حاد أو مقاوم للعلاج، وليس لمن يقولون: مهلاً، لا أشعر بالبهجة التي أتمنى أن أكون عليها… أنت لا تطلق النار على أهداف صغيرة باستخدام الأسلحة ثقيلة”.

يشير ويلكينسون إلى وجود كثير من الجوانب المجهولة بشأن هذا الدواء وهي تستوجب بحثاً إضافياً، مثل ما إذا كان فعالاً عبر جرعة صغيرة أو أنه يلحق الضرر بالدماغ بجرعات عالية.

يواجه استخدام الكيتامين كحل سريع أيضاً مشكلات أخرى: إذ إن آثار الدواء سريعة لكنها تزول بسرعة، وتميل مشكلات الصحة النفسية لدى المستخدمين إلى العودة عند توقفهم عن العلاج.

قال جيرارد ساناكورا، مدير مركز أبحاث الاكتئاب بجامعة ييل: “قد يكون مضللاً جداً أن يعتقد الناس أن تناول أربع أو ثماني جرعات ستشفيهم”. مع ذلك، يمكن أن يؤدي استخدام الكيتامين على المدى الطويل إلى مجموعة من الآثار الجسدية، بما في ذلك تلف المثانة.

قال ساناكورا: “واضح أن لمضادات الاكتئاب جوانب سلبية. لكن استبدالها بالكيتامين فقط هو أمر ساذج ومضلل جداً”.

Exit mobile version