أشعل دونالد ترمب موجة ضخمة من تدفق النحاس إلى الموانئ الأميركية بعدما ألمح في فبراير إلى نيّته فرض رسوم جمركية على المعدن. واليوم، يبدو أن الرئيس الأميركي أطلق شرارة قد تُحدث تحولاً جذرياً في مسار تجارة كانت مربحة للغاية.
فقد فاجأت إدارته قطاع المعادن يوم الأربعاء بإعلان جمركي استثنى النحاس المكرّر (هو الفئة الأكبر من المعدن المستورد) من رسم بنسبة 50%. وعلى إثر ذلك، هوت العقود الآجلة للنحاس في الولايات المتحدة بأكبر وتيرة لها منذ بدء تداول صيغتها الحالية عام 1988، بعدما كانت قد سجلت ارتفاعات قوية في الأشهر الماضية ترقباً لتلك الرسوم.
ويمثل التراجع الحاد بنسبة 20% خلال جلسة واحدة في بورصة “كومكس” بنيويورك انهيار الصفقات المبنية على فروقات الأسعار التي كانت قد استقطبت مئات آلاف الأطنان من المعدن إلى السواحل الأميركية. ويجد المتعاملون والمصنّعون والمستهلكون أنفسهم الآن أمام مشهد جديد من المخاطر والفرص، في ظل تراكم ضخم للمخزونات على الأراضي الأميركية.
تراكم مخزون يفوق الحاجة
قال بارت ميليك، رئيس استراتيجية السلع العالمية في “تي دي سيكيوريتيز” (TD Securities): “سنشهد وضعاً حيث تمتلك الولايات المتحدة كميات من النحاس تفوق احتياجاتها الفعلية في المستقبل المنظور… ستكون هناك محاولة لهضم هذا الكمّ الهائل من المخزونات، وأعتقد أن النتيجة قد تكون سلبية نوعاً ما على سوق النحاس”.
اقرأ أيضاً: شحنات النحاس تسابق الزمن للوصول إلى أميركا قبل فرض رسوم بـ50%
وكانت أسعار النحاس في بورصة “كومكس” قد قفزت مقارنة بالمؤشرات العالمية فور تلويح ترمب في فبراير بإمكانية فرض رسوم جمركية، ما أشعل سباقاً لشحن المعدن إلى الولايات المتحدة قبل دخول الرسوم حيّز التنفيذ، وجلب أرباحاً ضخمة لبعض أكبر متداولي المعادن في السوق العالمية.
قبل إعلان ترمب، كان النحاس الأميركي يُتداول بسعر أعلى بنحو 28% من العقود المرجعية في بورصة لندن للمعادن، وسط توقعات بتطبيق الرسوم على جميع واردات المعدن المكرر. لكن مع نهاية جلسة التداول، تقلص هذا الفارق إلى 4% فقط. ويسلط انهيار السوق الضوء على مصير الكميات الهائلة من النحاس الفعلي المخزن داخل الولايات المتحدة.
وقال بن هوف، رئيس استراتيجية السلع في “سوسيتيه جنرال”: “يبدو أن هذه الخطوة تمثل اتجاهاً نحو إعادة التوازن إلى المراجحة الجغرافية التي اتسعت بشكل كبير بين بورصتَي كومكس ولندن”، مضيفاً أنها “ستخفف من معضلة كانت ستنشأ حول تكييف آليات التسليم مع الرسوم الجمركية الجديدة”.
استهداف النحاس المكرر لا يزال وارداً
قد لا يكون تراجع المخزونات الأميركية من النحاس بالزخم نفسه الذي رافق تراكمها، نظراً إلى الكلفة المرتفعة لإعادة شحن المعدن إلى الخارج. وإذا ما اختفت فرصة المراجحة تماماً أو تحوّلت إلى سلبية، فإن النحاس الذي لا يزال في طريقه إلى الموانئ الأميركية قد يُنقل ببساطة إلى مستودعات بورصة لندن للمعادن داخل البلاد، وقد تُحوّل بعض الكميات المخزّنة أصلاً في الولايات المتحدة إلى هناك. أما إذا تحولت المراجحة إلى سلبية بشكل حاد – على سبيل المثال بحوالي 300 دولار للطن – فقد تُصدّر بعض الشحنات إلى الصين.
وكتبت ناتالي سكوت-غراي، كبيرة محللي المعادن في مجموعة “ستون إكس”: “من المتوقع أن يستغرق عكس تدفقات الشحن بعض الوقت، لكن ذلك لن يلغي الأثر السلبي على أسعار بورصة لندن للمعادن”.
وكان ترمب قد تعهد في وقت سابق من الشهر الجاري بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على النحاس بدءاً من الأول من أغسطس، من دون أن يوضح التفاصيل. لكنه استثنى في نهاية المطاف الشكل الأكثر استيراداً من المعدن – النحاس المكرر – من نطاق الرسوم، التي ستُطبَّق فقط على منتجات مثل الأنابيب والأسلاك والقضبان والصفائح والأنابيب المجوَّفة.
وتراجعت أسهم شركات الإنتاج الأميركية، بما فيها “فريبورت-مكموران” (Freeport-McMoRan) عقب الإعلان، بينما شكّل القرار مصدر ارتياح لكبار مصدّري النحاس المكرر إلى الولايات المتحدة، وعلى رأسهم شركة “كوديلكو” (Codelco) المملوكة للدولة في تشيلي، وكذلك للمشترين الأميركيين للمعدن.
جاء قرار التمييز بين النحاس المكرر والمنتجات شبه المصنعة في السياسة الجمركية استجابةً لضغوط من قطاع النحاس، إذ رأى بعض اللاعبين الرئيسيين أن الولايات المتحدة لا تمتلك القدرة الإنتاجية الكافية لاستبدال كامل وارداتها في الوقت الراهن.
ومع ذلك، فإن احتمال فرض رسوم على واردات النحاس المكرر لم يُستبعد كلياً. فقد أعلن البيت الأبيض أن وزارة التجارة أوصت بتأجيل تطبيق الرسوم على هذا النوع من المعدن المكرر، مع اقتراح بدء فرض رسم بنسبة 15% في عام 2027، يرتفع إلى 30% في 2028.
ووجه ترمب بإعداد تقرير محدث حول أوضاع سوق النحاس بحلول منتصف عام 2026، لتحديد ما إذا كانت هناك مبررات لفرض “رسم استيراد شامل تدريجي على النحاس المكرر”.