Site icon السعودية برس

شح في إنتاج الألبان يكاد يحيق بفقراء العالم

الحليب هو أول غذاءٍ يتلقاه جميع الأطفال ولا يمكننا أن نكتفي منه، إذ يُنتج العالم ما يقارب مليار طن منه سنوياً- أي ما يفوق إجمالي إنتاج ما نزرعه من قمح أو أرز. ويُتوقع أن يتعاظم هذا الفارق خلال العقد المقبل مع توقع نمو استهلاك الألبان بوتيرة أسرع من أي شيء آخر تنتجه المزارع. لكن على كوكبٍ يشهد احتراراً سريعاً، يثير هذا الأمر مشكلات كثيرة.

دعونا نعاين الطلب. يوجد أكثر من نصف مليار شخص دون الرابعة في البلدان النامية، ويُعاني حوالي ثلثهم من التقزم- وهو قصر القامة في مراحل العمر اللاحقة بسبب مشكلات صحية وتعليمية واقتصادية. ويمكن لمعظمهم الاستفادة من السياسة التي اقترحها لأول مرة خبير التغذية الأسكتلندي جون بويد أور منذ قرن: توفير منتجات الألبان ليحصلوا على نظام غذائي أغنى.

مكافحة التقزم بالألبان

إن هذا أحد الركائز الأساسية لبرنامج الوجبات المدرسية المجانية الذي أطلقه الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو حديثاً، كما كتب زميلي دانيال موس. وقد وُضعت برامج مماثلة في عدة ولايات هندية وكذلك في جنوب أفريقيا وكينيا.

فيما يتعلق برفاهية الإنسان، ينبغي أن نرحب بهذا التوجه. فمنتجات الألبان غالية الثمن نسبياً، ونحن نستهلك مزيداً منها كلما ارتفعنا فوق مستويات الكفاف الأساسية. وإذا كان مرجحاً أن تشهد دول جنوب آسيا وجنوب شرقها وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ازدهاراً في الاستهلاك خلال العقد المقبل، كما توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأسبوع الماضي، فإن ذلك يُعدّ إلى حد كبير مؤشراً إيجابياً على تنميتها الاقتصادية التي طال انتظارها.

كيف يهدد الحليب الخام صحة الأطفال؟

تنشأ المشكلة عندما نبدأ بالنظر إلى العرض. يُنتج الحليب في الغالب في دول غير تلك التي يحتاجه صغارها ليقتاتوا. يعيش أكثر من 90% من الأطفال دون سن الرابعة في البلدان النامية، لكن هذه الدول لا تكاد تنتج ما يصل إلى نصف حليب العالم. فيما يأتي ربع الإنتاج العالمي من أوروبا وحدها، ولا يمكن تصدير منتجات الألبان سريعة التلف بكثرة.

على سبيل المثال، يُمثل إجمالي التجارة العالمية في مسحوق الحليب كامل الدسم حوالي 2% من الحليب الخام وذلك بعد مضي عقد منذ قلبت شراهة الصين لحليب الأطفال صناعة الألبان العالمية رأساً على عقب.

ارتفاعات كبيرة في الأسعار

حتى هذه التجارة المحدودة كانت كافيةً لإحداث اضطرابٍ في سلاسل التوريد المحلية. في نيوزيلندا، التي تُشبه هيمنتها على قطاع الألبان تصدر السعودية لصناعة النفط، دفع الطلب من مستوردي جنوب شرق آسيا أسعار مسحوق الحليب كامل الدسم في مايو إلى أعلى مستوى له خلال ثلاث سنوات، بينما استفحلت أسعار الزبدة بنسبة 50%.

فيما تجلب التجارة تخفيفاً محدوداً، يُرجح أن نشهد نقصاً، إذ يُقابل الطلب المتزايد من الدول النامية زياداتٌ محدودة في العرض. وقد حذَّر الاتحاد الدولي للألبان في أبريل من أن العجز العالمي في إمدادات الحليب سيبلغ 30 مليون طن بحلول 2030. وما تزال شبكة أبحاث الألبان التابعة للاتحاد الدولي للألبان، وهي مجموعةٌ منفصلة، تتوقع عجزاً قدره 10.5 مليون طن بحلول نفس التاريخ. سيجعل شح منتجات الألبان هذا أسعارها بعيدةً عن متناول من هُم في أمسّ الحاجة إليها.

كيف بلغت بكتيريا فتاكة معمل “سيميلاك” وسببت أزمة حليب أطفال؟

كما يُفاقم تغير المناخ كل هذا. سيُصعّب ارتفاع درجات الحرارة على الدول الاستوائية وشبه الاستوائية تحقيق الاكتفاء الذاتي: إذ يُمكن للحرارة الشديدة أن تُخفّض إنتاج الحليب بنسبة تصل إلى 10%، وفقاً لدراسة نشرتها دورية “ساينس أدفانسز” هذا الشهر.

كما أن الحليب من مُسببات الاحتباس الحراري الرئيسية إضافةً إلى أنه من ضحاياه. تبلغ الانبعاثات من الأبقار الحلوب، ومعظمها من تجشؤات غنية بغاز الميثان أثناء هضمها للعشب، 2.1 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أي ما يُعادل ما يُسبّبه ثلثا السيارات.

بقر الفقراء أكثر تلويثاً للمناخ

سيُفاقم التحوّل إلى زيادة الإنتاج في الدول النامية هذا الوضع. فالتلوث لكل كيلوغرام من الحليب الخام في أفريقيا وجنوب آسيا أعلى بثلاث إلى أربع مرات منه في الدول المتقدمة، لأن البصمة الكربونية لمزارع الألبان الآلية مُكثّفة الأعمال في العالم الغني أقل بكثير.

ما الذي يُمكن فعله لإصلاح هذا الوضع؟ ينبغي على الدول الغنية التي يبدو أن إقبالها على البدائل النباتية يتراجع، أن تُعيد التزامها بالتحول عن الأغذية القائمة على الماشية. ما يزال كثير من قدرتنا المحدودة على إنتاج الألبان تحتكره شعوبٌ ثريةٌ سئمت استخدام الحليب بحيث باتت تستخدمه لأغراض رفاهية مثل مكملات بناء الأجسام بقدر ما تستخدمه للتغذية الأساسية.

هل ستنجو صناعة الألبان دون ضروع من لعنة التكلفة؟

يمكن للدول النامية المزدهرة نسبياً، مثل الصين والبرازيل، أن تُحسّن أداءها بالانتقال إلى مزارع أكثف. ويمكنها الاكتفاء بثلث قطعانها الحالية من الأبقار الحلوب إذا رفعت الإنتاجية إلى مستويات العالم المتقدم.

في الهند، أكبر مُنتجٍ للألبان، قد تكون الفوائد أكبر. بفعل الاعتراضات الدينية على ذبح الأبقار بعد جفاف ضروعها، يوجد أكثر من خمسة ملايين رأس ماشية ضالة تجوب الشوارع، وهي تنشر الأمراض وتهاجم الناس وتتعرض للدهس من وسائل النقل كما تغذّي الجريمة المنظمة. إن قطيعاً أصغر حجماً تربيته مكثفة سيُقلل حجم هذا الوباء البقري. كما أن زيادة إنتاج الجواميس، التي تُنتج حوالي نصف حليب الهند ولا تُعتبر مقدسةً، من شأنه أن يساعد.

لكن هناك أمرٌ واحدٌ مؤكد: إن حثّ الدول الفقيرة على التخلي عن الفوائد الغذائية لمنتجات الألبان التي يتمتع بها أقرانهم الأثرياء مقززة، ومصيرها الفشل. إذا أردنا تقليل البصمة الكربونية للحليب، فعلينا إنتاجه بكفاءة أكبر بدل انتظار أن تزول المشكلة من تلقائها.

Exit mobile version