Site icon السعودية برس

سباق الذكاء الاصطناعي السيادي يشتعل من أوروبا إلى الخليج

في سباق الهيمنة على مستقبل الذكاء الاصطناعي، لم يعد امتلاك البيانات والتقنيات رفاهية، بل سلاحاً سيادياً بيد الدول. ويبرز الذكاء الاصطناعي السيادي اليوم كدرع رقمي واقتصادي، يحمي الخصوصية ويعزز الاستقلال، ويمنح الدول قدرة غير مسبوقة على توجيه الابتكار وفق أولوياتها وهويتها.

في الأسطر التالية نوضح ما المقصود بهذا النوع من الذكاء الاصطناعي، وأهميته، والدور الذي يُتوقع أن يلعبه في المنطقة وحول العالم.

ما المقصود بالذكاء الاصطناعي السيادي؟

تتنوع تعريفات الذكاء الاصطناعي السيادي إلى 3 تعريفات، الأول: وهو الصادر عن شركة “أوراكل” ويعرفه بأنه سيطرة الحكومة أو المؤسسة على تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات المرتبطة بها. ويتضمن هذا غالباً كيفية نشر تقنيات الذكاء الاصطناعي وتشغيلها، بما في ذلك البنية التحتية للأجهزة والبرامج المستخدمة لبناء تقنيات الذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى وضع السياسات اللازمة لتشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي وحماية البيانات.

اقرأ المزيد: ماذا تعرف عن قاموس ثورة الذكاء الاصطناعي؟

أما الثاني، والذي تبنته شركة “إنفيديا”، فيوضح أن الذكاء الاصطناعي السيادي لا يشمل البنية التحتية المادية فقط، بل يشمل أيضاً بناء نماذج أساسية مدربة محلياً، مثل نماذج اللغة الكبيرة، التي تراعي الخصوصيات اللغوية والثقافية، وتسهم في تعزيز الشمولية.

وخرج التعريف الثالث من المملكة المتحدة، حيث يعتبر موقع الحكومة البريطانية الإلكتروني أن هذ المصطلح يتطلب الالتزام بضمان قدرة الحكومة على تسخير قدرات الذكاء الاصطناعي لإطلاق العنان للنمو كمحرك اقتصادي مع تعزيز الأمن القومي، وهذا هو التعريف الذي سيركز عليه هذا الموضوع، 

ما أهم ركائز الذكاء الاصطناعي السيادي؟

يقوم الذكاء الاصطناعي السيادي على 6 أعمدة أساسية، هي:

البنية التحتية الرقمية: يشكل تأسيس بنية تحتية رقمية قوية حجر الأساس لأي استراتيجية سيادية في الذكاء الاصطناعي بحسب تقرير نشره موقع المنتدى الاقتصادي العالمي. يتضمن ذلك إنشاء مراكز بيانات متقدمة قادرة على معالجة كميات ضخمة من البيانات بكفاءة، إلى جانب سياسات توطين البيانات التي تضمن تخزينها ومعالجتها داخل حدود الدولة، ما يعزز الأمن السيبراني والسيادة على البيانات.

تنمية القوى العاملة: لا يمكن تطوير ذكاء اصطناعي وطني دون رأس مال بشري مؤهل. يتطلب ذلك إدماج الذكاء الاصطناعي في مناهج التعليم من المراحل الأولى وحتى الجامعية، إلى جانب التدريب المهني وبرامج التعلم المستمر، بما يضمن تأهيل أجيال قادرة على قيادة الابتكار في هذا المجال.

 البحث والتطوير والابتكار: يمثل الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار محرّكاً رئيسياً للتقدم التكنولوجي. ويشمل ذلك دعم الأبحاث الأساسية والتطبيقية، وتعزيز التعاون بين الجامعات والشركات الناشئة والمؤسسات الحكومية، ما يوفر منظومة ابتكار ديناميكية قادرة على إنتاج حلول متقدمة محلياً.

 الإطار التنظيمي والأخلاقي: التنظيم المتوازن ضروري لتفادي الاستخدامات الضارة للتقنية، دون تقييد الابتكار. ويشمل ذلك وضع معايير واضحة للخصوصية، والشفافية، وحماية البيانات، وأمن النماذج، بالإضافة إلى آليات رقابة ومساءلة تضمن الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي.

 تحفيز الصناعة المحلية: ينبغي تهيئة بيئة داعمة لنمو الشركات العاملة في الذكاء الاصطناعي، من خلال الحوافز الضريبية، والمنح، وتبني الحكومة للتقنيات الذكية في خدماتها، ما يعزز الطلب ويشجع على الابتكار المحلي في قطاعات استراتيجية مثل الصحة والطاقة والنقل.

 التعاون الدولي: رغم السعي نحو الاستقلال، فإن التعاون الدولي ضروري لتبادل الخبرات ووضع معايير تنظيمية مشتركة. ومن خلال شراكات دولية مدروسة، يمكن للدول تسريع تقدمها في الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على سيادتها الرقمية.

من يتصدر سباق الذكاء الاصطناعي السيادي؟

تأتي الولايات المتحدة في مقدمة هذا الاتجاه، حيث أنفقت الشركات الأميركية خلال 2025 أكثر من 155 مليار دولار على تطوير الذكاء الاصطناعي، وهو مبلغ يفوق ما أنفقته حكومة البلاد على التعليم والتدريب والتوظيف والخدمات الاجتماعية في السنة المالية 2025 حتى الآن، حسبما أوردت صحيفة “الغارديان” البريطانية.

وفي المرتبة الثانية تأتي الصين، التي تدعم شركات التكنولوجيا الكبرى لديها، وخاصة هواوي، لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية. ويُستخدم ذلك عملياً في التجارة الإلكترونية، المدن الذكية، وصناعة السيارات الكهربائية كمحرّك رئيسي للنمو الاقتصادي.

ثم بعض دول الاتحاد الأوروبي، حيث تقود دول مثل فرنسا وسويسرا وإيطاليا جهود كبيرة أيضاً في هذا الصدد، عبر بناء حواسيب فائقة الأداء. وأطلقت شركة “سكيل واي” (Scaleway) مشروع “أيون” (AION)، وهو تحالف يهدف إلى تأسيس بنية تحتية ومنصات أكثر تطوراً لدفع منظومة الذكاء الاصطناعي الأوروبية، بحسب موقع الشركة. كما أطلقت شركة “فاست ويب” (Fastweb) الإيطالية أول حاسوب فائق مخصص لتدريب نموذج لغوي كبير باللغة الإيطالية. يخدم المشروعان تطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي توليدي في القطاعين العام والخاص.

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يقر قانون الذكاء الاصطناعي الأكثر شمولاً

اهتمام آسيوي أيضاً

أطلقت الهند واليابان وسنغافورة أيضاً برامج شاملة لبناء نماذج وطنية. تعتمد الهند على مجموعة “تاتا” (Tata) و”ريلاينس” (Reliance) لتطوير بنى تحتية ضخمة ونماذج لغوية متعددة اللغات، بينما تعمل اليابان على تدريب نماذج خاصة باللغة اليابانية واستخدام الذكاء الاصطناعي في الاستجابة للكوارث. أما سنغافورة، فتركز على ترقية مركزها الوطني للحوسبة الفائقة وبناء مراكز ذكاء اصطناعي منخفضة استهلاك الطاقة. تعكس هذه النماذج العالمية كيف يمكن للتحالفات التقنية أن تعزز الاستقلال الرقمي والابتكار المحلي، وفق وكالة “رويترز”.

كما تولي حكومات دول آسيان عموماً اهتماماً كبيراً بالقطاع، إذ قال داريل تيو، المستشار لدى “أكسس بارتنرشيب” (Access Partnership)، في حديث لـ”الشرق” أن هناك عاملين أساسيين يمنحان المنطقة تنافسية في مجال الذكاء الاصطناعي السيادي، هما الشباب المتمكن في مجال التكنولوجيا، علاوة على الموقف الإيجابي الذي تبنته الحكومات من الذكاء الاصطناعي. 




الذكاء الاصطناعي السيادي في المنطقة العربية

تناول تقرير لشركة الأبحاث “برايس ووترهاوس كوبرز” (PwC) الأثر الاقتصادي الكلي للذكاء الاصطناعي على اقتصادات 7 دول هي مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية علاوة على البحرين والكويت وعُمان وقطر حتى 2030، ونركز على أبرز ما جاء فيه حسب كل دولة كالآتي:

السعودية:

ذكر التقرير أنه من حيث القيمة المطلقة، من المتوقع أن تحقق السعودية أكبر المكاسب، حيث يُتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بأكثر من 135.2 مليار دولار أميركي في اقتصادها بحلول عام 2030، أي ما يعادل 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي.

ولتحقيق غاية السيادة الرقمية التي تمنح السعودية ثقلاً في مفاوضات الحوكمة والمعايير العالمية للذكاء الاصطناعي، خصوصاً مع تصاعد التوترات عالمياً، أطلقت المملكة شركة “هيوماين” (Humain)، المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، لبناء مراكز ذكاء اصطناعي سيادية ضمن خطتها الوطنية الطموحة. 

اقرأ المزيد: فايننشال تايمز: “هيوماين” السعودية تعتزم إطلاق صندوق رأس مال جريء بـ10 مليارات دولار

كما تستهدف المملكة إنشاء مراكز بيانات فائقة الأداء بقدرة 6.6 غيغاواط بحلول 2034 لتأمين 7% من أعباء الذكاء الاصطناعي العالمية. المشروع يسعى لتحقيق استقلال تقني كامل من خلال امتلاك البنية التحتية، ومعالجة البيانات محلياً، وتدريب نماذج لغوية كبرى باللغة العربية لتخدم قطاعات مثل الحكومة، الصحة، التعليم والدفاع.

في مايو 2025، وقعت السعودية اتفاقيات بقيمة تتجاوز 23 مليار دولار مع شركات أميركية كبرى للحصول على أحدث رقاقات الذكاء الاصطناعي. كما ستُنشئ “أمازون ويب سيرفيسز” (Amazon Web Services) منطقة حوسبة سحابية للذكاء الاصطناعي داخل السعودية، وتفتتح “كوالكوم” مركزاً للتصميم في الرياض لتطوير رقاقات الذكاء الاصطناعي الطرفي الذي يدعم عمل الأجهزة وتشغيل نماذج لغوية عربية على الأجهزة المحمولة.

من المتوقع أن توفر استراتيجية الذكاء الاصطناعي السيادي السعودية آلاف الوظائف في مجالات البحث والتطوير وإدارة البيانات وتصميم الرقائق.

الإمارات:

 أما من حيث النسبة إلى الناتج المحلي، فمن المتوقع أن تكون الإمارات العربية المتحدة هي الأكثر تأثراً، بنسبة تقارب 14% من ناتجها المحلي الإجمالي في 2030″. ويُتوقع أيضاً أن يتراوح النمو السنوي في مساهمة الذكاء الاصطناعي بين 20% إلى 34% سنوياً في مختلف أنحاء المنطقة، مع تسجيل أسرع معدل نمو في الإمارات تليها السعودية.

كما يخطط صندوق استثماري من الإمارات العربية المتحدة لإنفاق ما بين 30 إلى 50 مليار يورو لإنشاء مقر جديد لمراكز البيانات في فرنسا، وفقاً لمسؤولين فرنسيين.

وأطلق معهد الابتكار التكنولوجي التابع لحكومة أبوظبي نموذجاً جديداً وقوياً للذكاء الاصطناعي باستخدام اللغة العربية يضاهي نماذج أخرى أكبر حجماً منه 10 أضعاف، سعياً لتعزيز تفوقها التكنولوجي في منطقة الشرق الأوسط. جرى تدريب التطبيق الجديد  المسمى “فالكون عربي”، باستخدام بيانات من باللغة العربية الفصحى ولهجات إقليمية.

وبدأت الإمارات في إدخال الذكاء الاصطناعي بالمناهج الدراسية في المدارس الحكومية خلال العام الدراسي 2025-2026، ضمن حمتها لتكون قوة إقليمية على صعيد تطوير تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي وفق تقرير لـ”بلومبرغ”.

باقي دول الخليج

وبالنسبة للدول الخليجية الأربع (الكويت والبحرين وسلطنة عُمان وقطر) تتوقع المؤسسة البحثية الأميركية أن تبلغ مساهمة أنشطة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 8.2% بقيمة 45.9 مليار دولار. ومن المنتظر أن يبلغ متوسط النمو السنوي في مساهمة الذكاء الاصطناعي بين عامي 2018 و2030 نحو  28.8%.

انضمت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية إلى مبادرة “الشراكة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي” المدعومة من “مايكروسوفت” وبلاك روك” و”إم جي إكس” (MGX) و”غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز” لتمويل البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والمتوقع أن تصل استثماراتها إلى 100 مليار دولار على مستوى العالم.

جدير بالذكر أن البحرين انتهت من صياغة الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي والهادفة للمساهمة في الارتقاء بالعمل الحكومي وزيادة الإنتاجية في بيئة عمل مبتكرة، عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بحسب هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية في المملكة.

وأخيراً، خصصت قطر العام الماضي 9 مليارات ريال تقريباً (2.5 مليار دولار) لتطبيق برنامج التحول الرقمي لزيادة استثماراتها في مجالات التكنولوجيا والابتكار والذكاء الاصطناعي. كما سبق وأعلنت الدوحة بعد أن عزم جهاز قطر للاستثمار على المساهمة في صندوق فرنسي مخصص لقطاع أشباه الموصلات.

مصر:

تظهر رؤية مصر للذكاء الاصطناعي حتى 2030 على موقع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، إذ تتبنى مصر استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي ضمن رؤية 2030، لتعزيز التحول الرقمي والتنمية المستدامة عبر بناء القدرات البشرية، وتحديث التعليم، وتوظيف التكنولوجيا في قطاعات الاقتصاد والخدمات. ويتوقع تقرير “برايس ووترهاوس كوبرز” أن يساهم الذكاء الاصطناعي بنسبة 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي لتحقق 42.7 مليار دولار بحلول 2030. وبحسب التوقعات فإن متوسط النمو السنوي في مساهمة الذكاء الاصطناعي بين عامي 2018 و2030 سيصل إلى 25.5%.
يُشار إلى أن مصر أطلقت “الميثاق الوطني للذكاء الاصطناعي” بالتعاون مع شركة “مايكروسوفت”، معززة بتدشين المنصة الوطنية للذكاء الاصطناعي. كما عملت على تطوير مراكز إبداع ومدن ذكية ما أسهم في تقدمها من المركز 111 إلى 65 عالمياً في مؤشر “جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي”.

Exit mobile version