تبدو عودة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى الساحة العالمية في بكين مطلع هذا الشهر، مدعومةً بأقوى نمو اقتصادي تشهده البلاد منذ سنوات، كعرض ثقة مدروس. لقد استغلت بيونغ يانغ مكاسبها المؤقتة من دعمها لحرب روسيا في أوكرانيا لتعزيز مكانتها الدبلوماسية.
لكن حملت هذه الخطوة عنواناً آخر: اعتراف ضمني باعتماد كوريا الشمالية الهيكلي على الصين، وهذا يشير إلى أن نفوذ بكين على بيونغ يانغ يتجه لأن يتوسع فيعقّد أي مناورة دبلوماسية مستقبلية مع الولايات المتحدة، بما يشمل القمة المحتملة مع الرئيس دونالد ترمب.
ترمب للرئيس الصيني في “يوم النصر”: تحياتي لبوتين وكيم بينما تتآمرون على أميركا
ظهر زعيم كوريا الشمالية لأول مرة في حدث متعدد الأطراف في 3 سبتمبر، حيث وقف جنباً إلى جنب مع الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عرض عسكري في بكين بمناسبة الذكرى الثمانين ليوم النصر.
في اليوم التالي، عقد كيم وشي قمة ثنائية، مؤكدين صداقتهما الراسخة. يدعم هذا الحزم الدبلوماسي الجديد اقتصاد نابض.
اقتصاد داعم لكنه هش
نما الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الشمالية 3.7% في 2024 ارتفاعاً من 3.1% في 2023 (وهي أسرع وتيرة منذ 2016) وفقاً للمصرف المركزي الكوري الجنوبي. يأتي هذا التحول بعد سنوات من الانكماش بعد جائحة كوفيد-19، ويمنح كيم ثقة إضافية للعودة إلى الدبلوماسية الدولية.
لكن نظرة فاحصة تكشف عن انتعاش هش وغير متوازن. قادت الصناعة الثقيلة والبناء التوسع، مدفوعاً بزيادة في صادرات الذخائر والإمدادات العسكرية الأخرى إلى روسيا لمجهودها الحربي.
على النقيض من ذلك تماماً، انكمش قطاعان حيويان لرفاهية شعب البلاد -مثل الزراعة ومصايد الأسماك- ويسلط هذا الضوء على مدى ضآلة استفادة الكوريين الشماليين العاديين من الطفرة.
على الرغم من تعمق علاقاتها مع موسكو، ما يزال اعتماد بيونغ يانغ الاقتصادي الهيكلي على بكين قائماً بدرجة كبيرة، مؤكداً أن هامش الاستقلالية ضئيل بشدة.
ما تزال حصة الصين في تجارة كوريا الشمالية في 2024 تبلغ حوالي 98%، وفقاً لوكالة كوريا لترويج التجارة والاستثمار (KOTRA)، ولم تشهد أي تغير يُذكر عن العام السابق. ونمت صادراتها إلى الصين 16.9% في 2024، بعد زيادة تجاوزت 100% في عام 2023، وفيه أُعيد فتح حدودها.
رئيس الصين يتعهد بتعميق العلاقات مع كوريا الشمالية خلال لقائه بكيم
انخفضت الواردات من الصين بنسبة 5.3% في 2024 بعد ارتفاع بنسبة 73.6% في العام السابق، ويرجع ذلك على الأرجح إلى وصول مواد أساسية مثل الحبوب والأسمدة- إلى جانب التحويلات النقدية الكبيرة المحتملة من موسكو لدفع ثمن شحنات الأسلحة.
مع ذلك، يرتبط الإسناد الروسي ارتباطاً وثيقاً بالحرب في أوكرانيا. إذا انتهت الحرب أو دخلت في طريق مسدود، فإن الكثير من طلب روسيا على المعدات العسكرية الكورية الشمالية سينخفض، فتصبح روسيا بديلاً غير موثوق على المدى الطويل للرعاية الصينية.
حسابات بكين الاستراتيجية
من جانبها، تعتبر بكين كوريا الشمالية مصداً محورياً للنفوذ الغربي، لكن لديها أيضاً حافز لكبح جماح العلاقات المتنامية بين بيونغ يانغ وموسكو والحد من أي إجراءات قد تزعزع استقرار المنطقة.
يُرجح أن دعوة شي والاستقبال على السجادة الحمراء وقرار حذف نزع السلاح النووي من بيان الاجتماع لأول مرة، كانت جميعها مصممة لإحياء العلاقات مع كيم وتذكيره بقيمة الصداقة مع بكين.
تهدف الصين إلى ممارسة نفوذها على كوريا الشمالية كرافعة جيوسياسية، ولمعايرة التوازنات الإقليمية بعناية في منافستها الأوسع مع الغرب. لكن استقلالية بيونغ يانغ الشرسة تعقّد هذا الأمر، إذ غالباً ما يكون كيم على استعداد لاختبار صبر شي فيما يتابع أجندته الخاصة.
ربما لعبت إمكانية استئناف المحادثات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية مع وجود الرئيس ترمب في البيت الأبيض دوراً، مع تصميم شي على ضمان عدم تهميش الصين عند انعقاد أي مفاوضات.
التأثير على المحادثات الأميركية
بالنسبة لواشنطن، يُضيف التقارب المُحكم بين كيم وشي عقبة أخرى أمام التوصل إلى أي اتفاق مع بيونغ يانغ.
لا يعتبر مسؤلو البيت الأبيض الذين يتطلعون إلى إعادة كيم إلى طاولة المفاوضات هذه التطورات سيئةً كلياً. قد يشعر كيم أن علاقاته القوية مع داعميه الرئيسيين في موسكو وبكين، بالإضافة إلى ترسانته النووية المتنامية باستمرار، تمنحه مجالاً للعودة إلى المفاوضات.
بلومبرغ إيكونوميكس: كوريا الشمالية هي من تقرر متى ستحاور ترمب
لكن دفء العلاقات مع بكين يُقلل من حاجة بيونغ يانغ لقبول المطالب الأميركية بتركيز المحادثات على نزع السلاح النووي. قد يُجبر ذلك واشنطن على خيار صعب: الانسحاب أو المشاركة بشروط كوريا الشمالية، التي قد تشمل الاعتراف بها كدولة نووية.
مثل هذا التنازل قد يغضب حلفاء الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية واليابان، ويقوض نظام حظر الانتشار النووي العالمي. بغض النظر عن الدوافع الأساسية، فإن التوافق الوثيق بين كيم وشي يمهد الطريق لتوازن إقليمي أكثر هشاشة- وهو ما قد يشجع بيونغ يانغ، ويعقّد الدبلوماسية، ويزيد من المخاطر التي تهدد الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.