Site icon السعودية برس

رهان ميلي على ترمب يؤتي ثماره في لحظة حاسمة للأرجنتين

قضى الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي سنوات في التودد إلى نظيره الأميركي دونالد ترمب، ويبدو أن هذا الرهان بدأ يثمر في لحظة مفصلية بينما يواجه أحدث أزمة عملة في البلاد.

عندما يفقد المستثمرون الثقة ويضطر البنك المركزي إلى إنفاق احتياطياته من الدولارات لمنع انهيار البيزو، كما جرى هذا الأسبوع، نادراً ما تكون العواقب جيدة.

دعم من وزارة الخزانة الأميركية

إلا أن ميلي، الساعي لتفادي انهيار اقتصادي قد يطيح عملياً بحزبه في الانتخابات النصفية الشهر المقبل، يتمتع بميزة نادرة بين قادة الأسواق الناشئة، تتمثل في دعم وزارة الخزانة الأميركية.

وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت هذا الأسبوع في مقابلة مع قناة “فوكس بيزنس”: “من الصعب تصديق أن الأمور ستكون مختلفة هذه المرة، لكنني أعتقد أنها كذلك مع الرئيس ميلي”.

طالع أيضاً: آمال بمكاسب جديدة لسندات الأسواق الناشئة بعد خفض الفائدة الأميركية

خلال الأسابيع الماضية، وجد الزعيم الليبرالي نفسه في مواجهة احتجاجات عنيفة شابها رشق بالحجارة، إلى جانب انتكاسة انتخابية وحالة من الذعر المالي، الأمر الذي أثار شكوكاً حول قدرته على كبح التضخم والوصول إلى انتخابات السادس والعشرين من أكتوبر دون انفجار أزمة. فهزيمة كبرى في الشهر المقبل قد تضع حداً فعلياً لمشروعه السياسي، في وقت تعمل فيه إدارة ترمب على تجنب هذا السيناريو.

ولم يقتصر الأمر على محاولات تعزيز الثقة، إذ أعلن بيسنت يوم الأربعاء استعداد الولايات المتحدة لمنح الاقتصاد المتعثر دعماً بقيمة 20 مليار دولار.

أسابيع من الخسائر

ميلي، الذي خاض حملته الانتخابية متعهداً بدولرة الاقتصاد وإغلاق البنك المركزي، يجد نفسه الآن يتفاوض حول خط مبادلة عملات بين وزارة الخزانة الأميركية والسلطة النقدية الأرجنتينية.

في الولايات المتحدة، تساءل الديمقراطيون عن مدى توافق إقراض مقترض مصنف عند مستوى عالي المخاطر في ظل أجندة “أميركا أولاً”. أما ترمب نفسه فقال يوم الثلاثاء إنه لا يعتقد أن ميلي بحاجة إلى خطة إنقاذ.

طرح بيسنت فكرة شراء ديون الأرجنتين المقومة بالدولار. ورغم أن التفاصيل لا تزال قيد النقاش، إلا أن مجرد طرحها كان كافياً لتبديد مخاوف المستثمرين الذين تخلوا عن الأصول الأرجنتينية بعد أن تكبد حزب ميلي خسارة فادحة في الانتخابات المحلية بمقاطعة بوينس آيرس في وقت سابق من هذا الشهر. وشهد البيزو الأرجنتيني وسندات البلاد المقومة بالدولار انتعاشاً بعد أسابيع من الخسائر.

اقرأ أيضاً: هزة في الأصول الأرجنتينية بعد خسارة حزب ميلي لانتخابات بوينس آيرس

وصف ترمب ميلي بأنه “رئيسه المفضل”، ويحتاج الأخير إلى تحقيق نتيجة قوية في انتخابات أكتوبر، ليتمكن من ترسيخ نفوذه داخل الكونغرس بما يسمح له بتمرير إصلاحاته الداعمة للأعمال التجارية وضبط العجز المالي.

أما بالنسبة للمستثمرين، فإن فوز ميلي في الانتخابات قد يساهم في خفض تكاليف الاقتراض على الأرجنتين ويفتح الباب أمام العودة إلى أسواق الدين الدولية العام المقبل للمرة الأولى منذ إعادة هيكلة ديونها في 2020.

ومنذ تسلمه الرئاسة في 2023، سافر ميلي إلى الولايات المتحدة أكثر من ست مرات، وكان واحداً من قلة من رؤساء أميركا اللاتينية الذين تلقوا دعوة لحضور حفل تنصيب ترمب.

ورغم أن ترمب اعتاد استخدام التهديدات والعقوبات لفرض إرادته على أميركا اللاتينية، فإنه لم يتردد في مدّ يده أحياناً لحلفائه في المنطقة. فقد استعان برئيس السلفادور نجيب بوكيلي لاحتجاز المرحّلين من الولايات المتحدة، ويجري حالياً مفاوضات لإبرام اتفاق أمني مع رئيس الإكوادور دانييل نوبوا.

في المقابل، انتقد خصوم ميلي سياسته الخارجية التي ركزت بشكل كامل تقريباً على العلاقة مع الولايات المتحدة، غير أن هذه الاستراتيجية بدأت تؤتي ثمارها الآن.

وقال وزير الاقتصاد لويس كابوتو للصحفيين في نيويورك يوم الثلاثاء: “كانوا ينتقدونه أحياناً على ذلك، لكن ها أنتم ترون النتيجة”.

أزمة العملة

قبل أن تتدخل الولايات المتحدة، أنفق البنك المركزي الأرجنتيني نحو 1.1 مليار دولار في محاولة لدعم البيزو. ونتيجة لذلك، بلغ صافي الاحتياطيات النقدية، أي حجم العملات الأجنبية غير المخصصة للوفاء بالالتزامات مثل سداد الديون، 6 مليارات دولار فقط، بحسب تقديرات “جيه بي مورغان”.

وأوضح دانييل لانسبرغ-رودريغيز، الشريك في شركة الاستشارات “أورورا ماكرو ستراتيجيز” (Aurora Macro Strategies) في نيويورك، أن إدارة ترمب “لا تُعرف بإصدار الكثير من الشيكات، وكل ما تحاول فعله هو وقف النزيف”.

لمواجهة التضخم، وهو أولوية قصوى بالنسبة للناخبين، دعم ميلي قيمة البيزو مقابل الدولار. وساعدت مؤسسات الإقراض متعددة الأطراف، من بينها صندوق النقد الدولي، على تحقيق ذلك من خلال إقرار خطوط تمويل جديدة لدولة عُرفت بتعثرها المتكرر، مدفوعة بسياسات ميلي التقشفية.

صندوق النقد الدولي ينشر تقييماً قاتماً لقرض بـ44 مليار دولار مع الأرجنتين

شبّه غيدو ساندليريس، الرئيس السابق للبنك المركزي الأرجنتيني، الأزمة التي يواجهها ميلي في توفير الدولار بمحاولة التدفؤ ببطانية قصيرة. 

وقال ساندليريس، وهو أستاذ اقتصاد في جامعتي “جونز هوبكنز” و”توركواتو دي تيلا” في بوينس آيرس: “بتغطية أنفسهم ببطانية قصيرة من جانب التضخم، جعلوا أنفسهم عرضة لانهيار في العملة لأنهم لم يكدسوا ما يكفي من الاحتياطيات”.

المستهلكون في مأزق

رغم تراجع معدل التضخم السنوي من أكثر من 200% عند تولي ميلي منصبه إلى ما يزيد قليلاً عن 30% حالياً، إلا أنه يظل مرتفعاً للغاية بالمقاييس العالمية. وقد انعكس ذلك سلباً على المستهلكين، إذ لم تتمكن الأجور من مواكبة وتيرة التضخم منذ وصوله إلى الحكم.

وتُظهر استطلاعات الرأي أن أكثر من نصف الأرجنتينيين غير راضين الآن عن أداء رئيسهم.

يسعى ميلي إلى تفكيك إرث طويل من سيطرة الدولة على الاقتصاد عبر خصخصة الشركات الحكومية، وتقليص الدعم، وتخفيف اللوائح التنظيمية.

وسيُحدد مدى قدرته على مواصلة هذه السياسات حجم الدعم الذي سيناله في الكونغرس عقب الانتخابات النصفية، وهو ما يرتبط بدوره بمدى نجاحه، بمساندة الولايات المتحدة، في منع تدهور الاقتصاد حتى ذلك الحين.

Exit mobile version