مع دفع حمى الذكاء الاصطناعي لأسواق الأسهم العالمية نحو مستويات قياسية، يتركز الزخم في أوروبا على قطاعات حيوية تشكل الركيزة في دعم هذه التكنولوجيا.
ارتفع مؤشر يضم أسهماً لعشر شركات أوروبية، من بينها مشغلي مراكز البيانات ومقدمي البنية التحتية، بنسبة 23% هذا العام، متخطياً مكاسب مؤشر “ستوكس يوروب 600” البالغة 12%، بل وتفوق أيضاً على أداء مؤشر “ناسداك 100” الذي يضم عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة.
رغم أن هذه المكاسب لا تزال أقل بكثير من الارتفاع الكبير البالغ 69% في أسهم شركات الكهرباء الأميركية، فإن مستثمرين مثل “بلاك روك” (BlackRock) و”جيه بي مورغان أسيت مانجمنت” (JPMorgan Asset Management) و”ناينتي وان” (Ninety One) يراهنون على قدرة الشركات الأوروبية على تقليص الفجوة، مدعومة بمئات المليارات من الدولارات التي تُضخ عالمياً في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي.
“بلاك روك” تقترب من صفقة مركز بيانات بـ40 مليار دولار
قالت هيلين جويل، كبيرة مسؤولي الاستثمار في الأسهم الأساسية لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى “بلاك روك”: “ربما لا يكون النقاش حول البنية التحتية جذاباً مثل الحديث عن عمالقة التكنولوجيا الأميركيين، لكننا فعلياً ما زلنا في بدايات الطريق. فالبنية التحتية لشبكات الكهرباء، واستقرار الشبكات، وكفاءة استخدام الطاقة هي جوهر قصة الذكاء الاصطناعي في أوروبا، أكثر مما هي مرتبطة بجانب البرمجيات”.
تجدد الحماس تجاه الذكاء الاصطناعي هذا الأسبوع بعد سلسلة من التحالفات العالمية تضمنت شركة “إنفيديا”، ما دفع أسواق الأسهم للارتفاع، حيث وصل مؤشر “إم إس سي آي” للأسهم العالمية (MSCI All-Country World Index) إلى أعلى مستوى له على الإطلاق.
“وكلاء الذكاء الاصطناعي” في أوروبا
مع ذلك، لم تحقق أسهم التكنولوجيا الأوروبية الاستفادة نفسها، إذ يظل ارتباطها بسلسلة توريد “إنفيديا” محدوداً باستثناء بعض شركات معدات الرقائق. وقد صعد مؤشر “ستوكس 600 للتكنولوجيا” بنسبة 6.7% فقط هذا العام، فيما تظل توقعات أرباح الشركات الأوروبية دون نظيراتها في الولايات المتحدة وآسيا.
أسهم شركات الرقائق تضيف 200 مليار دولار لقيمتها وسط حمى الذكاء الاصطناعي
أما الشركات التي تُعد بمثابة وكلاء للذكاء الاصطناعي، مثل “سيمنز إنرجي” (Siemens Energy)، فقد أظهرت أداءً مغايراً بوضوح، إذ ارتفعت أسهمها بنسبة 111% هذا العام. وإلى جانب هذه الشركة المتخصصة في توليد الكهرباء، لفت مديرو الصناديق إلى فرص واعدة أيضاً في شركة الاتصالات “أورنج” (Orange) ومشغل شبكات الكهرباء “ناشونال غريد” (National Grid).
توليد الكهرباء
تتصدر شركات توليد الطاقة المشهد لأن نماذج الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى توافر كميات هائلة من الكهرباء. وتعد “سيمنز إنرجي” خياراً رئيسياً في صندوق الأسهم الأوروبية لدى “ناينتي وان” الذي يدير أصولاً بقيمة 192 مليار دولار.
قال بن لامبرت، مدير الصندوق في “ناينتي وان”، عن “سيمنز إنرجي”: “يُعد إيصال الكهرباء من الشبكة إلى مراكز البيانات عنصراً حاسماً”.
“OpenAi” وإنفيديا تخططان للاستثمار بمراكز بيانات في بريطانيا
قفز سعر سهم الشركة الألمانية في يناير بعد إعلان الرئيس دونالد ترمب عن مشروع مشترك بقيادة “سوفت بنك” و”أوبن إيه آي” و”أوراكل”، سيضخ مليارات الدولارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
ورغم هذه المكاسب، يتداول السهم بخصم يبلغ 60% من حيث مكرر السعر إلى الأرباح مقارنةً بنظيره الأميركي “جي إي فيرنوفا” (GE Vernova). وتسيطر الشركتان مع “ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة” (Mitsubishi Heavy Industries) على أكثر من 70% من القدرة الإنتاجية في قطاع توربينات الغاز.
نقل الكهرباء
في جانب نقل الطاقة، أصبحت شركة صناعة الكابلات الإيطالية “بريسميان” (Prysmian) مفضلة لدى مستثمرين من بينهم شياودونغ باو، المدير المشارك في إدارة صندوق “إدموند دو روتشيلد بيغ داتا” (Edmond de Rothschild Fund Big Data) بفضل إمكانات أرباحها. ارتفع سعر سهم الشركة 41% هذا العام ويتداول عند 20 ضعفاً للأرباح المتوقعة، وهو أرخص من مكرر 35 مرة لشركة صناعة معدات الرقائق “إيه إس إم إل هولدينغ” (ASML Holding).
أكبر شبكة كهرباء في أميركا تعجز عن تلبية طلب مراكز البيانات الجديدة
أشارت ألكسندرا سينتوك، مديرة محافظ الأسهم الأوروبية لدى “جيه بي مورغان أسيت مانجمنت”، إلى فرصة في شركة “لوغراند” (Legrand) الفرنسية، التي تصنع المقابس والكابلات وتزود مراكز البيانات بخوادم وتجهيزات كهربائية وتقنيات تبريد.
قالت سينتوك: “الصناعات الأوروبية تحقق بالفعل استفادة من طفرة نمو مراكز البيانات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي”.
هيئة أميركية ترفض تزويد “أمازون” بالكهرباء من محطة “تالين” النووية
حققت الشركة 20% من إيراداتها من مراكز البيانات العام الماضي، ورفعت توقعاتها للمبيعات السنوية في يوليو استناداً إلى الطلب المتزايد من الذكاء الاصطناعي. وقفز سعر سهمها 52% هذا العام.
شركات الاتصالات والبعد الجيوسياسي
هناك طريقة أخرى للاستفادة من هذا التوجه عبر شركات الاتصالات التي تدير بالفعل مراكز بيانات يمكن تعديلها لتناسب استخدامات الذكاء الاصطناعي. وتشغل “أورنج” أكثر من 70 مركز بيانات وتخطط للتوسع، رغم أنه من غير الواضح عدد المراكز التي ستُخصص للذكاء الاصطناعي.
تبرز شركة “نوكيا” (Nokia) الفنلندية كأحد المستفيدين المحتملين، إذ تنتج محولات شبكات لمراكز البيانات. وقال محللو “مورغان ستانلي” إن التقديرات لإيرادات “نوكيا” لعام 2026 قد ترتفع بنحو 300 مليون يورو (352 مليون دولار) إذا واصلت تعزيز مبيعاتها المرتبطة بشركات الحوسبة السحابية الكبرى.
قال باو من “إدموند دو روتشيلد أسيت مانجمنت”: “لا يزال الأمر استثماراً ملموساً من منظور جيوسياسي، حيث سيتردد الأوروبيون في تبني محولات من شركات أميركية أو صينية”، في إشارة إلى “نوكيا”.
المخاطر والآفاق
مع ذلك، يواجه هذا الصعود مخاطر مثل ضعف السيولة، إذ أن قلة من الصناديق الخاملة تستثمر في هذا التوجه. كما قد تشكل اللوائح الصارمة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي عائقاً أمام التوسع في اعتماده.
لكن إذا ضخت الحكومات والقطاع الخاص الأموال معاً، فمن المرجح أن تكون الأسهم الأوروبية المرتبطة بتشغيل الذكاء الاصطناعي في بداية عصر جديد. فقد بدأت الاستثمارات تتدفق بالفعل إلى أوروبا، مع توسع “إنفيديا” في مراكز تكنولوجية بالمملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا والسويد.
بيزوس: طفرة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي “فقاعة” ستؤتي ثمارها
قال باو: “عالم الذكاء الاصطناعي يشبه قليلاً الحرب الباردة، حيث يريد الجميع الوصول إلى القمر. لكن بالنسبة لنا، وخاصة المستثمرين الأوروبيين، من الأفضل النظر إلى سباق الذكاء الاصطناعي كماراثون، ما يعني أن تحقيق العوائد سيزداد تدريجياً”.