Site icon السعودية برس

رالي بـ16 تريليون دولار يرفع الأسهم لمستويات قياسية رغم تصاعد المخاطر الجيوسياسية

لطالما وُجدت حقيقة قد تبدو غير مريحة بعض الشيء عن الأسواق المالية، مفادها أن هذه الأسواق، ومن يقفون وراء إداراتها، عليهم التعامل بحياد حين يتعلق الأمر بشؤون العالم.

لننظر إلى الوضع الراهن على سبيل المثال، فالأسهم العالمية عند مستويات قياسية بعد صعود أضاف 16 تريليون دولار إلى قيمتها السوقية هذا العام، بينما تقترب أسعار النفط من أدنى مستوياتها خلال السنوات الأربع الماضية. وفي الوقت نفسه، يتزايد الإقبال على المخاطرة في مجالات متعددة تمتد من العملات المشفرة إلى أسهم الميم، فيما تظل التقلبات المتوقعة في سوق الأسهم الأميركية عند مستويات هي الأدنى منذ عام.

كل ذلك بينما ترسل روسيا طائرات مسيرة إلى المجال الجوي لحلف الناتو، وتواصل إسرائيل هجومها البري على غزة، فيما تواجه الحكومتان اليابانية والفرنسية اضطرابات مجدداً. ولا تزال أوكرانيا تحت الحصار، فيما تواصل الصين مراقبة المياه المحيطة بتايوان، بينما يخوض الرئيس الأميركي دونالد ترمب حرباً تجارية غير مألوفة ضد الحلفاء والخصوم في آن واحد.

المخاطر والسياسات النقدية

رغم الارتفاع الواضح في حدة المخاطر الجيوسياسية حول العالم، إلا أن نهج المستثمرين لم يتغير: المتابعة الحذرة مطلوبة، لكن القلق غير ضروري ما لم تنعكس التطورات السياسية أو الكوارث الإنسانية على التوقعات الاقتصادية أو أسعار الأصول مثل النفط.

اقرأ أيضاً: “سيتي غروب”: سردية التخلي عن الدولار الأميركي مجرد “سراب”

وأوضحت هيلين جويل، كبيرة مسؤولي الاستثمار في الأسهم الأساسية لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى شركة “بلاك روك” (BlackRock)، قائلة: “نحن نولي المخاطر الجيوسياسية اهتماماً كبيراً، لكن كمستثمر عليك البحث في كيفية قياسها. فالأثر الحقيقي يظهر على المستهلكين والعملات، وهما عاملان يؤثران على أرباح الشركات، ويصعب وضع نموذج دقيق لهما”.

بقيت أرباح الشركات قوية هذا العام، بينما يواصل الاقتصاد الأميركي تفادي الركود. كما أن خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة هذا الأسبوع عزز الثقة في استمرار المكاسب حتى نهاية العام.

لكن اندلاع التوترات في البؤر المشتعلة، أو في مناطق لا يُلتفت إليها حالياً، قد يبدد هذا التفاؤل سريعاً، خصوصاً إذا قفزت أسعار النفط أو انهارت السندات السيادية لدولة كبرى، على سبيل المثال.

دروس من الماضي

هذا ما حدث في عام 2022، حينما شنت روسيا حرباً ضد أوكرانيا، وارتفعت أسعار النفط. وفي الوقت ذاته، فإن هشاشة الحكومات في اقتصادات متقدمة مثل اليابان وفرنسا تجعل أسواق سنداتها عرضة للضغوط، وهو ما قد يترك انعكاسات سلبية على المؤشرات العالمية للأسهم.

قال غيوم جايسون، الخبير الاستراتيجي بمجموعة “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs): “لم تُؤخذ المخاطر الجيوسياسية في الحسبان بشكل يُذكر في أسعار الأسهم”. وتابع: “نادراً ما كانت السوق الأميركية بهذا القدر من الغلاء من حيث التقييمات، وحتى أوروبا ليست زهيدة بأي حال”.

تقلبات الأسواق بفعل السياسات الأميركية

أظهرت السياسات الاندفاعية لترمب بالفعل لمحة عن حجم الأضرار المحتملة. فقد هبط مؤشر “إس آند بي 500” بنحو 20% من ذروته إلى أدنى مستوياته هذا العام، بعد أن هدد الرئيس الأميركي في أبريل بفرض أعلى رسوم جمركية منذ قرن. كما أُثيرت الشكوك حول مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية، وأدى النزوح عن سندات الخزانة إلى إثارة الجدل حول نهاية الاستثنائية الأميركية.

“سيتي غروب”: سردية التخلي عن الدولار الأميركي مجرد “سراب”

في مناطق أخرى من العالم، تأثرت الأسواق بالاضطرابات الجيوسياسية أيضاً. فقد تراجع مؤشر “كاك 40” (CAC 40) الفرنسي بأكثر من 3% خلال اليومين اللذين أعقبا دعوة رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو إلى تصويت بالثقة نتيجة خلاف بشأن الموازنة الشهر الماضي.

وفي إندونيسيا، سحب المستثمرون الأجانب نحو 473 مليون دولار من سوق الأسهم هذا الشهر وسط احتجاجات عنيفة وتغيير مفاجئ لوزير المالية.

كما تواجه الأسواق اليابانية تقلبات إضافية بعد إعلان رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا نيته الاستقالة من منصبه.

مع ذلك، غالباً ما تكون موجات التشاؤم قصيرة المدى، إذ يراهن المستثمرون على تدخل الحكومات والبنوك المركزية لحماية الاقتصاد والأسواق من أي ركود طويل الأمد.

قال جايسون من “غولدمان ساكس”: “إذا زاد مستوى عدم اليقين، نتوقع أن تتحول المعادلة من قاعدة ’الأخبار السيئة أخبار جيدة‘ إلى ’الأخبار السيئة أخبار سيئة‘، مضيفاً أن “المساحة المتاحة لخيبة الأمل محدودة للغاية”.

من جانبه، أوضح فيكتور شفيتس، الخبير الاستراتيجي العالمي لدى “ماكواري” (Macquarie)، أن مستثمري الأسهم لطالما وجدوا صعوبة في إدراج المخاطر الجيوسياسية ضمن حساباتهم، ويمليون بدلاً من ذلك إلى “التركيز على العوامل الهيكلية” مثل أرباح الشركات والأوضاع المالية للأسر.

وأضاف شفيتس أن “مستثمري الأسهم يشعرون باليأس إزاء الجغرافيا السياسية، فمنذ حرب فيتنام لم يكن لها تأثير يُذكر”.

تداعيات طويلة الأمد

على الرغم من ذلك فإنه عند النظر إلى أداء السوق من منظور أوسع، يبدو أن الاضطرابات الجيوسياسية قد يكون لها أثر طويل الأمد.

جاء أداء مؤشر “كاك 40” الفرنسي دون مستوى نظيريه الأوروبي والأميركي، منذ أن دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى انتخابات مبكرة في يونيو 2024، ليفوت فرصة الارتفاع العالمي الذي حفزته التوقعات الإيجابية بشأن الذكاء الاصطناعي والنمو الاقتصادي المستقر. وفي المملكة المتحدة، تراجع أداء مؤشر “فوتسي 100” (FTSE 100) مقارنة بالمؤشرات الدولية بالقيمة الدولارية بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016.

تخفيض تصنيف فرنسا الائتماني مجدداً مع تصاعد المخاوف بشأن الوضع المالي

هناك أيضاً مؤشرات على قلق المستثمرين من احتمال تصاعد النزاعات والاضطرابات السياسية. أظهر استطلاع أجراه “بنك أوف أميركا” أن مخاطر الاضطرابات الجيوسياسية ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ ديسمبر في تصنيف مديري صناديق الاستثمار بشأن التهديدات المحتملة لاستقرار الأسواق المالية.

في أسواق الأسهم، تفاعلت هذا العام القطاعات المنكشفة على المخاطر الجيوسياسية، حيث ارتفع مؤشر أسهم تابع لمجموعة “يو بي إس” (UBS)، يضم شركات يُتوقع أن تستفيد من زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي، بأكثر من 100%. أما الذهب، وهو أصل يعد ملاذاً آمناً تقليدياً، فيسجل مستويات قياسية، على الرغم من أن جزءاً من هذا الارتفاع كان مدفوعاً بانخفاض سعر الدولار.

يقول تيم موري، استراتيجي أسواق رأس المال في قسم الأصول المتعددة في مجموعة “تي. رو برايس” (T. Rowe Price): “إذا ما أصبحت الاضطرابات تهديداً للنشاط الاقتصادي، فهناك مخاطر كبيرة في سوق الأسهم لأن تقييمات الأسهم حالياً أعلى بكثير من المتوسطات التاريخية”. وأضاف: “قد تؤدي أي صدمة اقتصادية سلبية كبيرة، سواء كانت مدفوعة بعوامل سياسية أم لا، إلى موجة بيع للأسهم أكبر بكثير من المعتاد في ظل التقييمات الحالية”.

Exit mobile version