Site icon السعودية برس

رئيس جامعة الأزهر: آفة هذا العصر هي قيام غير المتخصصين بالحديث في كل شيء

ألقي خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر د. سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، ودار موضوعها حول “مكانة العلم”، موضحا أن بداية العام الدراسي هي بداية أمل جديد، ينتظر شبابنا، ليتحقق على أيديهم نهضة ورقي هذه الأمة، لهذا يجب أن تبقى ساحات العلم ساحات مهيئة لتلقي العلوم والمعارف، وحتى لا تنحرف عن  المنهج القويم الذي سار  عليه العلماء الإجلاء، علينا أن نرسخ في ساحاتنا العلمية أدب المعلم وأدب المتعلم، حتى تصبح ساحاتنا التعليمية ساحات بناء وحضارة.

وأضاف رئيس جامعة الأزهر أن العلم هو القاطرة التي تقود الأوطان إلى الرقي والتقدم، ولا سبيل إلى ذلك التقدم والرقي والنهضة إلا بالعلم، مبينا أن دور المعلم أن يخرج للأوطان عُددا، تكون قوة لها، فهذا هو الهدف الأسمى للتعليم، لأن الغاية هي بناء الإنسان ورفعة الأوطان، وإذا اتضحت تلك الغاية سرنا على الطريق القويم، وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن تبني عليه بلادنا، والمولى سبحانه وتعالى أمرنا بذلك قال تعالى :﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾، وجاء تعبير النفير في مقام المتفقه في الدين، لينذر ويفقه الآخرين من حوله.

رئيس جامعة الأزهر: الإسلام لا يكتفي بالحث على التفقه في الدين بل يدعو لتعلم العلوم التطبيقية

وأكد رئيس جامعة الأزهر أن الإسلام لا يكتفي بالحث على التفقه في الدين، بل يدعو كذلك إلى تعلم العلوم التطبيقية كالطب والصيدلة والهندسة والفيزياء والكيمياء، وهو ما نجده في تراث هذه الأمة ومنه قول الإمام الغزالي: “درس في الكيمياء عبادة خاشعة لله”،  حيث أن امتلاك هذه العلوم هو المِفتاح لامتلاك النهضة والقوة والقرار المستقل في العصر الحديث، وما يواجهه المسلمون اليوم في أماكن مثل غزة من ضعف يعود في الأصل إلى الافتقار لأسباب هذه القوة، التي تكمن في التقدم العلمي، كما أن العلم يعد أمراً إلهياً من خلال أول آيات نزلت من القرآن الكريم: {ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ * ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ * ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ * عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ}، حيث ترك المولى سبحانه وتعالى باب القراءة مفتوحاً لكل علم نافع، شرط أن تكون هذه قراءة معمرة لا مدمرة، تقرب صاحبها من الله.

ودعا رئيس جامعة الأزهر إلى استلهام نماذج التراث الإسلامي، من خلال منهج العلماء الإجلاء، حيث أن الإمام الشافعي كان له درس في الفقه وآخر في الطب، كما أن شيخ الأزهر أحمد الدمنهوري كان جامعاً لعلوم الشريعة والطب وله كتاب “القول الصريح في علم التشريح”،  وبناءً على هذا التكامل المعرفي، نطالب أولياء الأمور بمنح أبنائهم حرية اختيار التخصصات التي يميلون إليها، مؤكداً أن إرغام الأجيال القادمة على اختيار لا يحبونه قد يؤدي إلى نفورهم من العلم والمجال الذي أُجبروا عليه، وبالتالي تتعثر مسيرة الأمة نحو امتلاك أسباب القوة والنهضة، وفي المقابل عليهم بالتوجيه والنصح.

سلامة داود: قوة الفرد ونجاحه لا تكمن في نوع تخصصه بل في إحسانه لما يؤديه

ونوه رئيس جامعة الأزهر إلى أن قوة الفرد ونجاحه لا تكمن في نوع تخصصه أو عمله، بل في إحسانه لما يؤديه،  لأن “قيمة كل امرئ ما يحسن”،  وأن ينظر كل فرد منا إلى الإحسان والإتقان فيما يقوم به، مع الحرص على بناء الطلاب على الثوابت والحقائق، لتنأى العملية التعليمية عن “ساحة التجريب والتخريب”، وضرورة الأخذ بوصية الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾، لأن القول السديد (الرأي المحكم والصائب) في أي مجال من مجالات الحياة هو الأصل الأصيل لإصلاحه وتقدم المجتمع به، سواء كان ذلك في التعليم أو الزراعة أو الصناعة.

وشدد رئيس جامعة الأزهر على ضرورة الالتزام بالمبدأ القرآني: “فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُون”، لأن إحالة الأمر إلى أهل الاختصاص أولى ليعود النفع على الفرد والمجتمع، لأن آفة العصر المتمثلة في قيام غير المتخصصين بالإفتاء في كل شيء، لذلك جاء الأمر الإلهي: “الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا”، وقال الإمام مالك رحمه الله: “إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم”، وهو ما يعني أن  العلم يجب أخذه عن أهله الموثوقين، مبينا أن العليم يتطلب  الصبر، والقوة، والنشاط، وطول الملازمة، ولهذا كان العلماء يسمون التلميذ “صاحباً”، فالخليل بن أحمد كان يقول لسيبويه: “مرحباً بزائر لا يُمل”.

وفي ختام الخطبة أوصى رئيس جامعة الأزهر طلاب العلم بـ السكينة، والوقار، والأدب، مستنكراً الظواهر الحديثة كرفع الطالب صوته على أستاذه أو الإساءة إليه، والتي لم تنشأ إلا عند غياب آداب العالم والمتعلم، فقد ورد عن  النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تعلموا العلم وتعلموا للعلم الوقار والسكينة وتواضعوا لمن تعلمون منه).

Exit mobile version