في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة، جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتضع الأمور في نصابها الحقيقي، وتكشف للعالم أن ما يحدث في قطاع غزة لم يعد صراعًا سياسيًا أو مواجهة عسكرية، بل بات جريمة إنسانية متكاملة الأركان تُمارَس ضد شعب أعزل، يعاني تحت وطأة الحصار والتجويع والقتل والدمار.
وقد عبّر الرئيس عبد الفتاح السيسي بوضوح حين قال: “الحرب في غزة لم تعد حربًا لتحقيق أهداف سياسية أو إطلاق سراح رهائن، بل أصبحت حربًا للتجويع والإبادة وتصفية القضية الفلسطينية”، وهي عبارة لا تحمل فقط دلالات سياسية، بل إنسانية وأخلاقية عميقة، وتفضح النوايا الحقيقية لمن يدعم هذه الحرب بلا إنسانية.
منذ اندلاع العدوان على غزة، سعت بعض الأطراف إلى تقديمه في صورة معركة أمنية ضد فصيل مسلح، أو عملية محدودة لتحرير رهائن، إلا أن الواقع كشف أن هذه الحرب تخطّت كل ما هو عسكري، وتحولت إلى مخطط ممنهج لتدمير غزة، وتهجير أهلها، وكسر إرادتهم. لقد تجاوز الأمر منطق السياسة، وتحول إلى معادلة غير إنسانية تُستخدم فيها المجاعة كأداة حرب، ويُستهدف فيها المدنيون عمدًا، وتُدمَّر فيها المستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين.
وفي ظل هذا المشهد المأساوي، جاء الموقف المصري الثابت بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، صوتًا للعقل والضمير في زمن صاخب بالصمت الدولي المريب.
منذ اللحظة الأولى، أعلنت مصر رفضها الكامل للتهجير القسري، وحرصت على فتح معبر رفح رغم المخاطر، ودعمت غزة بالمساعدات والقوافل الطبية، وأكدت أن القضية الفلسطينية لا يمكن طمسها بالقوة أو الحصار.
لذلك، جاءت كلمة الرئيس السيسي لتعيد تصويب البوصلة السياسية، وتضع أمام العالم حقيقة المأساة الجارية، ليس فقط من باب التشخيص، بل من باب الدعوة إلى تحرك دولي مسؤول.
وأرى أن المقصد واضح من خلال هذه التصريحات؛ فإن استمرار هذه الحرب بهذا الشكل يعني نسف أي أمل في حل سياسي، وخلق أجيال مشبعة بالغضب واليأس والكراهية، وإن الصمت لم يعد حيادًا، بل صار شراكة دولية مباشرة في جريمة العصر ضد شعب فلسطين.
من هنا، انطلقت هذه الرسالة من القاهرة، موضحة أن ما يجري في غزة ليس مواجهة بين قوتين، بل استهداف ممنهج لحق شعب في الحياة، ومحاولة لإعادة تشكيل الواقع الفلسطيني بالقوة.
وهنا تكمن أهمية كلمة الرئيس، في أنها تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، فهي لا تدعو إلى الاستنكار فقط، بل إلى الفعل والتحرك، وإلى إحياء الضمير الإنساني، وتحرك دولي حقيقي يعيد الاعتبار لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
إنها كلمة تحمل المؤسسات الدولية مسؤولية الغياب، وتعيد التأكيد أن الشعب الفلسطيني وأمن فلسطين هو قضية مصر الأولى، وأن القاهرة لن تقبل بأي حلول مفروضة لا تستند إلى الشرعية والعدالة.
وما يميز الموقف المصري أنه لا يقف عند الشعارات، بل يتحرك فعليًا في الميدان السياسي والدبلوماسي والإنساني، لأن القاهرة تقف على أرضية صلبة من المبادئ، وتوازن بين الحزم في الدفاع عن الحقوق، والمرونة في إدارة الأزمات، والالتزام الكامل بدعم الفلسطينيين، سواء عبر التهدئة أو المساعدات أو الدعم السياسي.
ومن هذه الكلمة، يتضح أنها تفضح المخطط وتحذر من نتائجه، وتدعو إلى تحرك عربي موحد يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كأولوية استراتيجية وأخلاقية.
ومثلما دائمًا، تتقدّم مصر الصفوف، لكنها لا تستطيع أن تكون وحدها؛ فالمطلوب اليوم موقف عربي متماسك، يستثمر هذه اللحظة، ويمنع تمرير ما خُطّط لغزة وأهلها. إن ما يجري لا يهدد فلسطين وحدها، بل يهدد مستقبل المنطقة واستقرارها، ويقوض كل أسس السلام الممكنة.
لذلك، جاءت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي كـ جرس إنذار في زمن اللامبالاة، ونداء ضمير في وجه الحرب والدمار، ووثيقة سياسية وإنسانية تعبّر عن الموقف المصري الأصيل، وعن روح القيادة التي لا تغيب في اللحظات الصعبة.
ومع كل الضغوط، تظل مصر واقفة حيث يجب أن تقف، مدافعة عن الحق الفلسطيني، ورافعة لراية العدل، ومؤكدة أن القضية الفلسطينية باقية مهما حاول البعض تصفيتها.
فحين يصمت العالم، يبقى صوت القاهرة عاليًا، لا يهدأ، ولا يساوم، بل ينحاز للإنسان ولقضية أمة، ولشعب يستحق الحياة.