Site icon السعودية برس

حرب روسيا وأوروبا إذا اندلعت ستكلف العالم 1.5 تريليون دولار في سنة

يرغب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا التي دخلت عامها الرابع. ما الذي سيحدث بعد ذلك إن نجح؟ قد تشجع أي تسوية ترجح كفة موسكو على مزيد من العدوان. في المقابل، يُمكن للولايات المتحدة وأوروبا إن وحّدتا مواقفهما أن تضمنا سلاماً دائماً.

فيما يلي، ترسم “بلومبرغ إيكونوميكس” وتضع نماذج اقتصادية لأربعة سيناريوهات هي نشوب حرب بين روسيا وأوروبا، أو وقوع صراع أصغر، أو الوصول إلى تطبيع العلاقات، أو استمرار الوضع الراهن. في أقصى هذه الاحتمالات، قد يُؤدي غزو روسيا لدول البلطيق إلى خسارة 1.5 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في السنة الأولى وحدها.

في أكثر السيناريوهات تطرفاً، وهو أن تغزو روسيا إستونيا ولاتفيا وليتوانيا -فإن الدمار في منطقة الصراع، واضطرابات التجارة، وانقطاعات إمدادات النفط والغاز، وحالة من عزوف الأسواق المالية عن المخاطرة، قد تُؤدي إلى خسارة ما يصل إلى 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في السنة الأولى من الصراع- بتكلفة قدرها 1.5 تريليون دولار.

آلة بوتين العسكرية أصبحت جزءاً من الاقتصاد الروسي

بالنسبة لأوروبا، تُلحق الحرب ضرراً قدره 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من أن التحفيز الناتج عن زيادة الإنفاق الدفاعي سيُعوّض بعض هذا التأثير. كما ستُلقي هذه النفقات بديون بعض الدول على مسارٍ غير مُستدام.

بالطبع، هناك عدة طرق متباينة يُمكن أن تتطور بها علاقات روسيا مع الغرب. أي عمليات هجينة في دول البلطيق -تتحدى حدود التزام الناتو بالدفاع الجماعي- ستكون نتيجةً سيئةً لا ترقى إلى صراع يهزّ الاقتصاد.

لا ندّعي أن سيناريوهاتنا تُقدّم خريطةً شاملةً لجميع الاحتمالات. ما نأمل أن تُقدمه هو طريقةٌ للتفكير من خلال آليات التفاعل الجيوسياسية والاقتصادية والسوقية. خلاصة كل ذلك أن التكاليف قد تكون باهظة.

أسوأ حرب منذ 1945

سيكون الاحتراب بين روسيا وأوروبا أخطر صراع عسكري منذ الحرب العالمية الثانية، إذ يشمل قوىً مُسلحةً نووياً وشبكةً من التزامات التحالف. مع أن مثل هذا السيناريو قد يبدو بعيداً، إلا أنه يشغل بال القادة العسكريين في البنتاغون ومقرّ الناتو.

أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه ينظر إلى توسع حلف الناتو العسكري -وخاصة في دول البلطيق- كتهديد مباشر يجب عكسه، وليس قبوله. وتعتبر روسيا أجزاءً من أوروبا الشرقية أراضي مفقودة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، وتجري بانتظام تدريبات تحاكي الغزو. رداً على ذلك، يقوي الناتو جناحه الشرقي.

أربعة مسارات

وضعت “بلومبرغ إيكونوميكس” أربعة سيناريوهات للسنوات الخمس المقبلة، بدءاً من اندلاع الحرب بين روسيا وأوروبا ووصولاً إلى تطبيع العلاقات. ثم تستخدم مجموعة نماذج لتقدير التأثير على الناتج المحلي الإجمالي عبر الاقتصادات الكبرى والعالم، مع مراعاة التأثير المباشر للصراع، وصدمات سلاسل التوريد، وانقطاعات صادرات النفط والغاز الروسية، ورد فعل السوق المالية.


  • سيناريو حرب روسيا وأوروبا

تُقاس التكلفة الرئيسية للحرب بالمعاناة الإنسانية. لكننا هنا، نركز على التأثير الاقتصادي. نفترض أن روسيا، بعد تعزيزات جرأتها، تشن هجوماً على دول البلطيق الثلاث، وأن دولاً أوروبية أخرى تعتقد بوجود تهديد وجودي للأمن الإقليمي ستدافع عنها. وإليكم كيف يمكننا الوصول إلى ذلك:

يؤدي التوتر عبر الأطلسي وتفوّق روسيا في ساحة المعركة في أوكرانيا ورغبة واشنطن في إنهاء الحرب بسرعة إلى اتفاق سلام يرجح كفة روسيا بشدة. في هذه الأثناء، تنسحب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي، وتفشل أوروبا في أن تتحد على زيادة الإنفاق الدفاعي.

روسيا، بعد إعادة تشكيل جيشها، تبدأ في استخدام مزيج من الهجمات الإلكترونية وحملات التضليل والعمليات السرية في دول البلطيق؛ ظاهرياً لحماية السكان الناطقين بالروسية. تخفق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في الرد سريعاً، فيشن بوتين بعد أن تزيد جرأته هجوماً واسعاً على دول البلطيق.

ما الذي يمنع الناتو من إبعاد روسيا عن أجوائه؟

تهاجم القوات الروسية جنوب ليتوانيا لعزل دول البلطيق عن بقية دول حلف شمال الأطلسي، وتشن ضربات على قواعد في إستونيا ولاتفيا، وتشل البنية التحتية الحيوية في المنطقة، بما في ذلك خطوط الأنابيب والكابلات البحرية.

تحاول البحرية الروسية السيطرة على بحر البلطيق، ما يوقف الشحن التجاري. ترد دول البلطيق على الفور، وتنضم إليها فنلندا وبولندا والسويد. ترد روسيا على تلك الهجمات بوابل صواريخ. تقدم قوى أوروبية أخرى -فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة- دعماً عسكرياً ومالياً وتتجنب جميع الأطراف التصعيد النووي.

لتقدير الأثر الاقتصادي، نمذجت “بلومبرغ إيكونوميكس” الدمار الناجم عن الصراع، وصدمات سلاسل التوريد، وانقطاعات صادرات الطاقة الروسية، وردود فعل الأسواق المالية. تعتمد النتائج بشكل كبير على افتراضاتنا حول السيناريوهات، وبالتالي تنطوي على نطاق واسع من عدم اليقين. مع ذلك، نعتقد أنها توفر نقطة انطلاق مفيدة للتفكير في المخاطر. تشير تقديراتنا إلى أن التكاليف ستكون باهظة.

نفترض أن الناتج المحلي الإجمالي في دول البلطيق سينكمش بنسبة 43%، وهو ما يشبه تأثير القتال على المناطق التي تحتلها روسيا في أوكرانيا. بالنسبة لروسيا، تؤدي الاضطرابات في صادرات الطاقة والأسواق المالية إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5%. ارتفاع تكاليف الطاقة، والدمار في دول البلطيق، واضطرابات السوق، كل ذلك يؤدي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي بنحو 3%.

المملكة المتحدة، المعرضة لصدمة الطاقة والتي تواجه ظروفاً ماليةً أكثر صرامةً، مع علاقاتها الأمنية والتجارية والمالية الوثيقة مع أوروبا، تتلقى ضربة بنسبة 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي. تؤدي اضطرابات الأسواق المالية إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة 0.7%، بينما تكبح أسعار الطاقة المرتفعة إنتاجية الصين بنسبة 0.8%.

يُرجّح أن تزيد روسيا وعدة دول أوروبية الإنفاق الدفاعي استجابةً للأزمة، ما سيعوض جزئياً الضربة الأولية للناتج المحلي الإجمالي، مع إضافة عبء إضافي من الديون. مع أخذ كل ذلك، وتأثير التداعيات، في الاعتبار، فإن الناتج المحلي الإجمالي العالمي يتلقى ضربة بنسبة 1.3% تقريباً، أو 1.5 تريليون دولار.


  • سيناريو الحرب ضد مولدوفا

الهجوم على دول البلطيق ليس الاحتمال الوحيد. قد تختبر موسكو عزيمة الغرب بهجوم على مولدوفا، وهي ليست حليفاً في الناتو ولا عضواً في الاتحاد الأوروبي. لدى روسيا 1500 جندي في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية في مولدوفا، ويمكنها استخدامهم لشن هجوم أكبر.

 مع ذلك، فإن جغرافية المنطقة تعني أن السيطرة على كل أو جزء كبير من جنوب أوكرانيا سيكون شرطاً أساسياً لتدفق القوات عبر حدود مولدوفا.

تعطل المصانع بإقليم موالٍ لموسكو في مولدوفا بعد وقف ضخ الغاز الروسي

في هذا السيناريو، نفترض أن أوروبا تعزز الإنفاق الدفاعي وتقدم المساعدة، لكنها لا تتدخل بشكل مباشر. النتيجة: تداعيات اقتصادية عالمية محدودة. ونقدّر أن يكون هناك تأثير على الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.4% في السنة الأولى.


  • سيناريو التطبيع

في سيناريو متفائل، قد تتوسط الولايات المتحدة وأوروبا في سلام دائم في أوكرانيا، مع ضغط الصين على موسكو للامتثال.

هذا يفتح الباب لاستعادة العلاقات التجارية والاستثمارية. ونضع هذا في نموذج على أنه عودة إلى مستويات ما قبل عام 2021 تقريباً للتجارة والاستثمار عبر الحدود، بافتراض أن أوروبا والولايات المتحدة ستسقطان عقوباتهما وأن أوروبا ستستأنف مشترياتها من الطاقة الروسية.

مارك تشامبيون: هل سنرى ترمب يتشدد مع بوتين؟

إذا حدث كل ذلك دفعة واحدة، فسيعزز الناتج المحلي الإجمالي في روسيا والاتحاد الأوروبي في السنة الأولى بنسبة تصل إلى 0.5%، مع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.3%. في الواقع، يُرجح أن تُطبّع أوروبا الحذرة العلاقات الاقتصادية تدريجياً وجزئياً، وستتوزع أي فوائد اقتصادية.


  • سيناريو استمرار الوضع الراهن

إن اتساع نطاق الحرب في أوروبا، وعلى النقيض من ذلك، التسوية السلمية وتطبيع العلاقات هما احتمالان واردان. لكنهما ليسا الأكثر ترجيحاً. هناك عدد من العوامل التي تعزز الوضع الراهن:

حتى مع تضاؤل ​​الدعم الأميركي، تواصل أوكرانيا عرقلة تقدم روسيا بقدر كبير. لا يُرجح أن يحقق أي من الجانبين اختراقاً عسكرياً، ما يشير إلى أن التسوية التفاوضية هي السبيل الوحيد للمضي قدماً.

أخيراً.. بوتين يثير حنق ترمب

ما تزال أوكرانيا وروسيا متباعدتين بشأن الشروط الرئيسية لتلك التسوية. كما أجّلت موسكو جهود السلام، إذ رأت أن الوقت -والتقدم في ساحة المعركة- من صالحها.

وتنقسم الولايات المتحدة وأوروبا بشأن دفع روسيا للعودة إلى طاولة المفاوضات وتوفير دعم أمني لأي اتفاق. إن استمرار الصراع المسلح أو تجميده سيُركز اهتمام روسيا ومواردها العسكرية على أوكرانيا، ما يُقلل من موارد طموحاتها الأخرى، ويحول دون التطبيع الكامل للعلاقات مع الغرب.

قد يكون بوتين مُحقاً في أن حلف الناتو مُعرّض للخطر. مع انتشار القوات الأميركية في جميع أنحاء أوروبا، وزيادة الدول الأوروبية إنفاقها الدفاعي، فإن اختبار هذا الافتراض ستصاحبه مخاطر عالية جداً.

تخفيف التفاؤل بشأن أي جانب إيجابي مُحتمل من التسوية في أوكرانيا: بعد أن تضررت أوروبا بشدة من استراتيجيتها القائمة على “التغيير من خلال التجارة”، يُرجّح أنها لن تتعجل تطبيع العلاقات مع روسيا.

إن طيف الاحتمالات واسع. مع تزايد قلق أوروبا بشأن أمنها والدروس التي قد تتعلمها روسيا من أوكرانيا، يهدف تحليلنا إلى توفير نقطة انطلاق للتفكير في المسارات المُحتملة وتداعياتها.

Exit mobile version