تكثف سوق النفط مساعيها لتجاوز أزمة ديزل العالمية، وسط سباق مع الزمن لإعادة تعبئة المخزونات قبل أن تُقي~د الأعاصير وأعمال الصيانة الموسمية في المصافي القدرة الإنتاجية.

فمن ساحل الخليج الأميركي إلى روتردام وسنغافورة، بدأت مستويات التخزين في التعافي من مستوياتها المتدنية للغاية مؤخراً، وسط تحذيرات من المتداولين بأن الوقت يداهمهم في سباق صعب لإعادة تعبئة الخزانات. ومع بقاء تداعيات ارتفاع الأسعار خلال النزاع بين إسرائيل وإيران ماثلة في الأذهان، يستبعد معظم الفاعلين في السوق حدوث انخفاض كبير في الأسعار، بما يتوافق مع تحذيرات كل من مجموعة “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs Group) وعملاقة الطاقة “توتال إنرجيز” (TotalEnergies SE).

استهداف ترمب للهند يقلق أوروبا

يُشكل وقود الديزل عنصراً محورياً في الاقتصاد العالمي، إذ إن أي ارتفاع في أسعاره ينعكس بشكل مباشر على معدلات التضخم، ويضعف ثقة المستهلكين والشركات، خاصة في ظل تصاعد التكاليف المرتبطة بالحروب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

ويُتوقع أن يواجه المزارعون الأميركيون طلباً متزايداً على وقود الديزل خلال موسم الحصاد في الخريف لتشغيل الجرارات ومجففات الحبوب، في وقتٍ يدفع فيه السائقون أعلى أسعار للوقود منذ قرابة عام.

اقرأ أيضاً: شح إمدادات الديزل يدفع السوق للبحث عن البراميل

في غضون ذلك، يُفاقم إصرار ترمب على معاقبة الهند بسبب معالجتها للنفط الخام الروسي وتحويله إلى ديزل مخصص للأسواق العالمية من هشاشة موقف أوروبا، التي باتت أكثر اعتماداً على الإمدادات البعيدة بعدما فُرض حظر على وارداتها المباشرة من روسيا المجاورة.

وصرح رامي رمضان، الرئيس المشارك لوحدة نواتج التقطير المتوسطة العالمية في شركة تجارة السلع “بي بي إنرجي” (BB Energy): “نحن متفائلون حيال نهاية العام، لكننا بلا شك مقبلون على بعض الصدمات، نتيجة ابتعاد أوروبا عن أقرب مصادر إمداداتها”.

تهاوي مخزونات الديزل

في الولايات المتحدة، هوت مخزونات وقود الديزل، المستخدم في كل شئ من القاطرات والشاحنات إلى توليد الكهرباء والتدفئة، إلى أدنى مستوياتها الصيفية المسجلة خلال القرن الحالي. وعلى الرغم من أن المخزونات عادة ما ترتفع في فصل الصيف، إلا أن عوامل طويلة الأجل جعلت الوضع أكثر حدة في السنوات الأخيرة.

فقد أُغلقت عدة مصافٍ في الولايات المتحدة وأوروبا بعد انهيار سوق النفط جراء جائحة “كوفيد-19″، ما قلص الإمدادات في المراكز الرئيسية. ورغم أن هوامش الربح المرتفعة دفعت شركات مثل “فيليبس 66″ (Phillips 66) و”فاليرو إنرجي” (Valero Energy) إلى زيادة إنتاج الديزل، لم تبدأ المخزونات الأميركية في التحسن إلا خلال الأسابيع القليلة الماضية، متجاوزة بالكاد المستويات المتدنية التي سُجلت في صيف عام 2022، عقب شحن روسيا حرباً ضد أوكرانيا. وفي المقابل، لا تزال الأسواق الأوروبية تترقّب وصول شحنات من الديزل من الشرق الأوسط وآسيا.

تراجعت الأسعار إلى ما يقارب 90 دولاراً للبرميل بعد أن كانت قد وصلت إلى نحو 110 دولارات في أعقاب الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل على إيران. وكان لصعود أسعار الديزل خلال الصيف دور بارز في دعم أسعار الخام، في وقتٍ تسارعت فيه وتيرة استعادة إنتاج “أوبك+” بوتيرة فاقت التوقعات الأولية.

قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، نادراً ما تجاوز سعر وقود الديزل في أوروبا خام برنت بفارق 15 دولاراً للبرميل. غير أن هذا الفارق، المعروف في أسواق النفط بـ”الكراك”، بات منذ ذلك الحين نادراً ما ينخفض عن هذا الحد، إذ يسجل حالياً أكثر من 20 دولاراً في أوروبا، ويصل إلى نحو 30 دولاراً في الولايات المتحدة.

هوامش الديزل مرشحة للثبات

يرجّح بنك “غولدمان ساكس” بقاء الفارق السعري عند مستوياته الحالية حتى عام 2026، نظراً “لاستمرار التضييق الهيكلي في طاقة التكرير”، فيما أشارت شركة “توتال إنرجيز” إلى أن ارتفاع أسعار الديزل سيشكل “سمة دائمة” في سوق النفط العالمية.

من جهته، يرى غاري سيمونز، نائب الرئيس التنفيذي ومدير العمليات في شركة “فاليرو” (Valero)، خلال مكالمة لمناقشة الأرباح، أن “السوق ستشهد تفاعلاً قوياً في حال حدوث أي اضطراب في الإمدادات مع اقتراب موسم الأعاصير، وذلك بسبب انخفاض المخزونات.. نتوقع أن تظل هوامش ربح الديزل عند مستويات قوية”.

انتعاش الطلب على المنتجات المكررة

يندرج وقود الديزل ضمن فئة المنتجات المكررة المعروفة باسم “نواتج التقطير المتوسطة”، والتي تشمل أيضاً وقود الطائرات وزيت التدفئة. وقد يؤدي الطلب المرتفع من قطاع الطيران إلى تقليص توازن الإمدادات، وقد يتكرر السيناريو ذاته في الشتاء القارس البرودة.

قال ريك هيسلينغ، الرئيس التجاري التنفيذي لشركة “ماراثون بتروليوم” (Marathon Petroleum)، خلال مكالمة بشأن الأرباح: “نحن متفائلون بشأن استمرار هوامش أرباح الديزل المرتفعة عند مستويات مماثلة لما هي عليه حالياً خلال الأشهر الثلاثة إلى الأربعة المقبلة”، مضيفاً أن الطلب من قطاعي النقل بالشاحنات والزراعة “قوي جداً”.

اقرأ أيضاً: ترمب يريد بيع مليون برميل من احتياطي وقود الديزل

مع ذلك، لا يعتنق جميع المتداولين نفس النظرة التفاؤلية، حيث برزت في الأسابيع الأخيرة بعض المؤشرات على تحسن الأوضاع. فإلى جانب إشارات تعافي المخزونات، شهد يوليو تدفق عدد قياسي من شحنات وقود الديزل ووقود الطائرات من آسيا والشرق الأوسط نحو أوروبا، متجاوزاً أي مستوى تم تسجيله خلال الأشهر الإحدى عشرة الماضية، بحسب بيانات شركة “كبلر” (Kpler).

وتُبحر حالياً ناقلة عملاقة محملة بمليوني برميل من الديزل في اتجاه أوروبا، بينما تم حجز ناقلة أخرى، بحسب شخص مطلع على حركة الشحن، ما يُضفي زخماً إضافياً على جهود إعادة التوريد للقارة.

آمال معلقة على إمدادات “أوبك”

برايان مانديل، نائب الرئيس التنفيذي للتسويق والأعمال التجارية في شركة “فيليبس 66″، خلال مكالمة هاتفية لمناقشة الأرباح، أشار إلى أن “أحد الأمور التي نركز عليها حالياً هو مراقبة التطورات في الشرق الأوسط والهند، حيث يتوفر فائض عالمي من المقطرات التي يمكن توجيهها إلى أوروبا”.

وأوضح أن الأسعار قد تشهد تراجعاً تدريجياً مع ضخ منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) وحلفائها إمدادات إضافية من الخام الثقيل الأنسب لإنتاج الديزل. لكن هذا المسار يستغرق وقتاً، بدءاً من تحديد أهداف الإنتاج، مروراً بمرحلة الضخ الفعلي، ثم شحن البراميل وتكريرها، وحتى وصول المنتج النهائي إلى المستهلكين.

وأضاف: “نعتقد أن هوامش ربح المقطرات ستظل قوية طوال العام، قبل أن تبدأ بالتراجع تدريجياً مع عودة كميات إضافية من النفط الخام الثقيل إلى السوق”.

شاركها.