Site icon السعودية برس

تأميم أم تأمين.. لماذا تسعى الحكومة الأميركية وراء حصص في شركات استراتيجية؟

في تحوّل لافت عن تقاليد السوق الحرة، تكثّف واشنطن تدخلها المباشر في قطاعات حيوية، من التعدين والصناعات الدفاعية إلى التكنولوجيا المتقدمة، إذ لم تعد الإدارة الأميركية تكتفي بتمويل المشاريع أو تقديم الحوافز الضريبية، بل باتت تسعى لامتلاك حصص ملكية فعلية في شركات استراتيجية، في خطوة تهدف إلى تأمين سلاسل الإمداد وكسر هيمنة المنافسين الدوليين، وعلى رأسهم الصين. 

الليثيوم على رأس الأولويات

في أحدث الخطوات على هذا الصعيد، تسعى واشنطن إلى الحصول على حصة تصل إلى 10% في شركة “ليثيوم أميركاز” (Lithium Americas)،  التي يُعد منجمها “ثاكر باس” في نيفادا أحد أكبر رواسب الليثيوم في الولايات المتحدة، وذلك في إطار إعادة التفاوض على شروط قرض بقيمة 2.3 مليار دولار من وزارة الطاقة. من شأن ذلك أن يمنح الحكومة نفوذاً في أهم مشروع لإنتاج الليثيوم محلياً. تستهدف الحكومة من ذلك ضمان أمن التوريد لمكونات البطاريات اللازمة للتحول إلى الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الواردات في واحدة من أكثر سلاسل الإمداد حساسية.

صناعة الرقائق وصفقة في “إنتل”

في تحرك نادر من نوعه، استحوذت الحكومة الأميركية على 10% من شركة “إنتل” لصناعة الرقائق المتعثرة. وفي أعقاب ذلك، تلقت الشركة دفعة استثمارية كبيرة، إذ أعلنت “إنفيديا” (Nvidia) عن استثمار 5 مليارات دولار في الشركة كما قالت إنهما ستطوران معاً شرائح للكمبيوترات الشخصية ومراكز البيانات، في خطوة مفاجئة لدعم منافس يعاني من صعوبات. كما ضخت مجموعة “سوفت بنك” (SoftBank Group) اليابانية استثماراً بقيمة ملياري دولار في الشركة. 

يبني الرئيس دونالد ترمب فيما يبدو نهجاًَ اقتصادياً جديداً مع الشركات، إذ أعلن في أوائل أغسطس عن اتفاق محل جدل قانوني مع شركتي “إنفيديا” و”أدفانسد مايكرو ديفايسز” (AMD)، يقضي بأن تمنح الشركتان الحكومة الأميركية 15% من العائدات الناتجة عن مبيعات رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين، بحسب “بلومبرغ”. 

شركات الدفاع تحت المجهر

تدرس إدارة ترمب خطوة بلا سابقة هي الاستحواذ على حصة في شركات صناعات دفاعية، تحديداً شركة ”لوكهيد مارتن“، بغرض تعزيز إنتاج الذخائر. سيكون التدخل الحكومي المباشر في شركة دفاع مدرجة في البورصة، إن حصل، هو الأول من نوعه. وسيتبع هذه الخطوة المحتملة النمط الحديث لسياسة صناعية في واشنطن تتسم بزيادة التدخل المباشر المتزايد، ما يوسع وجود الإدارة في قطاع الدفاع الأميركي ويثير احتمالية التأميم التدريجي لقطاع الدفاع.

اقرأ المزيد: ماذا يعني استحواذ الحكومة الأميركية على حصة في شركة دفاعية؟

البنتاغون ومعادن نادرة

في إطار تعزيز استقلالية سلاسل التوريد، استثمر البنتاغون 400 مليون دولار في شركة “إم بي ماتيريالز” (MP Materials Corp)، لإنتاج مغناطيسات المعادن النادرة، بهدف كسر الهيمنة الصينية على السوق العالمية لهذه المواد الحيوية لصناعات الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة، في خطوة تهدف إلى حماية الصناعات الأميركية من أي صدمات جيوسياسية محتملة.

صفقات المعادن الحيوية

في السياق ذاته، تُجري الولايات المتحدة محادثات لإنشاء صندوق بقيمة 5 مليارات دولار للاستثمار في التعدين، في ما سيكون أكبر تحرك للحكومة لإبرام صفقات من أجل تعزيز إمدادات المعادن الحيوية. روّج ترمب لاحتمال إبرام صفقات معادن في أوكرانيا وغرينلاند، في حين يسعى البيت الأبيض أيضاً إلى تشجيع الاستثمارات الأميركية في صناعة التعدين بجمهورية الكونغو الديمقراطية. لكن الصندوق المقترح سيوفر مساراً جديداً للحكومة للانخراط في صفقات واسعة النطاق بنفسها.

دلالات اقتصادية وسياسية

تعكس هذه التحركات توجهاً أميركياً متنامياً نحو  شراكة أوثق بين الدولة والقطاع الخاص في القطاعات ذات الأهمية للأمن القومي. كما تعكس تحوّلاً في فلسفة السوق الحرة نحو تدخل مباشر عليه أن يوازن بين الربحية التجارية وحماية المصالح الاستراتيجية.

 جذور تاريخية

هذا التدخل ليس جديداً على الاقتصاد الأميركي؛ ففي الحرب العالمية الثانية لعبت الحكومة دوراً محورياً في إدارة الإنتاج الصناعي وتخصيص الموارد. وفي الخمسينيات أسست واشنطن وكالة “داربا” (DARPA) التي موّلت مشاريع أحدثت ثورة تكنولوجية مثل الإنترنت ونظام تحديد المواقع العالمي “جي بي إس” (GPS). واليوم تعيد الولايات المتحدة استخدام أدوات شبيهة، لكن مع تركيز جديد على الطاقة النظيفة والتقنيات المتقدمة في مواجهة التحديات الجيوسياسية مع الصين.

Exit mobile version