Site icon السعودية برس

تأخر تفعيل برنامج دعم الصادرات يربك خطط صناعيي مصر

أرجأ عدد من المصدرين في مصر توقيع تعاقدات تصديرية جديدة لحين بدء تفعيل البرنامج الجديد لدعم الصادرات، مع استمرار تأخر التطبيق الرسمي رغم مرور أكثر من شهر على الموعد المقرر في يوليو الماضي، وفق ما ذكره مسؤولو شركات ومجالس تصديرية لـ”الشرق”.

كانت وزارتا المالية والاستثمار والتجارة الخارجية قد أعلنتا الشهر الماضي تفاصيل برنامج رد أعباء التصدير لعام 2025-2026، غير أن تأخر تفعيله أثار انتقادات من المصدرين وأدى إلى تأجيل غالبية العقود المستقبلية.

شكاوى من تدني نسب الدعم

شريف الصياد، رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية، قال لـ”الشرق” إن البرنامج الجديد كان من المفترض أن يبدأ مطلع يوليو، لكنه “لم يُطبق رسمياً حتى الآن”. وأضاف أن “النسبة الحالية لدعم الصادرات ضعيفة جداً ولا تحفز الشركات على التصدير”، موضحاً أن البرنامج الجديد يرفع الدعم للصناعات الهندسية من 3% في العام المالي الماضي إلى 4.5% في 2025-2026، لكنها ما تزال “غير مرضية” بسبب بطء الصرف.

يأتي ذلك رغم مضاعفة الحكومة مخصصات دعم الصادرات في موازنة العام المالي الجاري إلى 45 مليار جنيه، مقارنة بـ23 مليار جنيه مستهدف تحقيقها بنهاية العام المالي المنتهي في يونيو الماضي.

وسجلت الصادرات السلعية المصرية ارتفاعاً بنسبة 22% في النصف الأول من 2025 لتصل إلى 24.5 مليار دولار، إلا أن بيانات التجارة تكشف خللاً في هيكل الصادرات؛ إذ استحوذ قطاع الذهب وحده على أغلب هذه الزيادة بعد نمو صادراته 194% لتصل إلى 4 مليارات دولار ما يعادل أكثر من 16% من الصادرات الكلية.

اقرأ المزيد: الصادرات تخفض العجز التجاري لمصر لأدنى مستوى في 6 سنوات

تأخر التطبيق يثير انتقادات

ورغم استمرار إدراج قطاع السيارات ضمن برنامج دعم الصادرات الجديد، إلا أن عدداً من الشركات المصنعة في السوق المصرية يعزف عن التصدير بسبب تدني نسب الدعم، وفق ما ذكره مسؤول في إحدى كبرى الشركات العاملة في القطاع لـ”الشرق”.

وأوضح المسؤول أن بعض شركات السيارات تعكف حالياً على إعادة تقييم خططها التصديرية، وأن الشركات التي أعلنت سابقاً نيتها دخول أسواق خارجية قد تعيد حساباتها في ضوء التعديلات الأخيرة على البرنامج.

ويعتمد برنامج رد أعباء التصدير للعام المالي 2025-2026 على نموذج اقتصادي لتوزيع المخصصات بين المجالس التصديرية، يشمل القيمة المضافة بنسبة 50%، ومعدل نمو الصادرات بنسبة 30%، والطاقة الإنتاجية بنسبة 10%، وعدد المشتغلين بنسبة 10%. كما يأخذ البرنامج في اعتباره مؤشرات إضافية مثل دعم المعارض، الشحن، العلامات التجارية، المعايير البيئية، والنقل، مع مرونة في تحديد أوزان هذه المؤشرات بحسب خصوصية كل قطاع.

ويضم البرنامج موازنة مرنة بقيمة 7 مليارات جنيه لدعم المنتجات ذات التعقيد الاقتصادي وتحقيق قفزات في التصدير، إلى جانب رفع إجمالي مخصصاته إلى 45 مليار جنيه، مع الالتزام بسداد المستحقات خلال 90 يوماً من دون خصم أي مديونيات ضريبية.

أما البرنامج السابق للعام المالي 2024-2025، فبلغت مخصصاته 23 مليار جنيه، ووزعت حصصه على القطاعات التصديرية دون أثر رجعي. وشهدت الدفعة الأولى صرف المساندة التصديرية كاملة خلال 90 يوماً، من دون خصم ضرائب، في خطوة مثلت تحسناً في سرعة وآلية التنفيذ.

وقال خالد أبو المكارم، رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة، لـ”الشرق”، إن تأخر تطبيق البرنامج الجديد يحد من قدرة الشركات على دخول أسواق جديدة تحتاج إلى أسعار تنافسية. وأضاف أن نسب الدعم لشركات القطاع ستكون بين 4% و5%، مشيراً إلى أنه لم يتم حتى الآن إعلان النسب النهائية في صورتها التطبيقية، ما يجعل من المبكر تقييم أثر البرنامج أو التعليق على آلياته. وتوقع أن يسهم البرنامج في تعزيز تنافسية القطاعات المختلفة، مع التأكيد على أهمية وضوح الرؤية واستقرار السياسات لدعم خطط التصدير.

الاعتماد على الصادرات الصناعية لزيادة النقد الأجنبي  

تستهدف الحكومة المصرية تعزيز تدفقات النقد الأجنبي إلى 145 مليار دولار بحلول 2030، منها صادرات صناعية بنحو 118 مليار دولار.

ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة في مارس الماضي، ارتفعت الصادرات المصرية في 2024 بنسبة 5.4% إلى 44.8 مليار دولار، بينها صادرات غير بترولية بقيمة 39.4 مليار دولار، ما ساعد على تعويض جزء من تراجع إيرادات قناة السويس نتيجة هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر.

علاء الوكيل، عضو المجلس التصديري للصناعات الغذائية ومدير عام شركة المنصور للتجارة والتوزيع “سيكلام”، قال لـ”الشرق” إن المجلس تلقى العديد من التساؤلات من الشركات بشأن موعد تطبيق برنامج رد أعباء الصادرات وإصدار لائحته التنفيذية، مشيراً إلى أهمية ذلك لتحديد تسعير المنتجات المصدرة، خاصة في قطاع الصناعات الغذائية الذي يعتمد على هامش ربح منخفض وسرعة دوران رأس المال.

وأضاف أن رفع نسبة الدعم من 3% في البرنامج السابق إلى 6% في البرنامج الجديد يمنح الشركات فرصة لزيادة صادراتها، لكن تأخر التطبيق أو اللائحة التنفيذية يؤثر سلباً على العقود الجديدة وقرارات المشاركة في المعارض. وأوضح أن شركات الصناعات الغذائية لم تتوقف عن التصدير، لكن هناك تأثيراً على التعاقدات المستقبلية.

وزير الاستثمار والتجارة الخارجية حسن الخطيب، أشار في مؤتمر صحفي عقد في يناير الماضي، إلى ضعف تنافسية التجارة المصرية، موضحاً أن الصادرات تمثل نحو 10% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من أدنى النسب عالمياً، مع استهداف رفعها إلى ما بين 20% و30%. كما أوضح أن الواردات تعادل نحو 20% من الناتج المحلي، واصفاً هذه النسبة بأنها “غير مرتفعة”.

وتخطط الحكومة لربط برامج دعم الصادرات بزيادة تدريجية سنوية لا تقل عن 5% في المكون المحلي، مع الحفاظ على الحد الأدنى الحالي عند 35%.

وكشف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن اعتزام الحكومة الإعلان قبل نهاية العام الجاري عن رؤيتها لاقتصاد مصر حتى 2030، والتي ستتضمن أرقاماً تفصيلية ومستهدفات وحجم الاستثمارات الأجنبية والمحلية.

وتعتمد مصر على خطط خمسية منذ عام 1960، لكنها توقفت في فترات عدة بسبب الحروب، فيما شهدت تسعينيات القرن الماضي محاولات لوضع رؤية حتى 2020 لكنها لم تكتمل.

وفي الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الاستثمار عن خطة خمسية تركز على تنويع الفرص الاستثمارية وقاعدة الصادرات، وتحديد القطاعات ذات الأولوية، مع استهداف زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 60 مليار دولار بحلول 2030، ورفع الصادرات السلعية إلى 145 مليار دولار.

اقرأ أيضاً: رغم رسوم ترمب.. مصر تسعى لزيادة صادراتها إلى أميركا 10% هذا العام

انخفاض مفاجئ في دعم المكرونة

قال أحمد السباعي، المدير العام للمجموعة المصرية السويسرية للمكرونة والطحن والمركزات، لـ”الشرق”، إن التغييرات الأخيرة في سياسات دعم الصادرات للقطاع الخاص، وخاصة للمنتجات الغذائية، كانت “مخيبة للآمال”.

وأوضح أن هذه التغييرات بدأت منذ يونيو من العام الماضي، حيث جرى خفض الدعم فجأة من 13% إلى 3% على منتجات مثل المكرونة، وتم تطبيق القرار بأثر رجعي اعتباراً من ذلك الشهر، ما أثر بشكل كبير على إيرادات الشركات.

وأشار السباعي إلى أن القطاع الخاص كان يتوقع أن تدعم الحكومة التصدير بقوة في ظل التطورات الإقليمية في السودان وغزة وليبيا، والتي تعزز فرص صادرات الصناعات الغذائية، “لكن ما حدث كان عكس ذلك، إذ انخفض الدعم، ولم يتم تطبيق البرنامج الجديد الذي كان مقرراً في الأول من يوليو الجاري”.

وأضاف أن هذا الوضع دفع العديد من الشركات إلى التراجع عن التصدير، مفضّلة البيع في السوق المحلية، لافتاً إلى أن السياسات الحالية تجبر المصنعين على التسعير بناءً على التكلفة فقط، ما يقلل من فرص التصدير وقدرتهم على جلب العملة الصعبة. وقال: “غياب الدعم أو تأخره يحرم الشركات من هامش ربح متوقع، وإذا وصل الدعم، فإنه يصل بعد سنوات، ما يجعله عديم الفائدة حالياً”.

أزمات صرف المستحقات القديمة

وبحسب السباعي، فإن البرنامج الحالي لصرف الأعباء القديمة المستحقة للشركات يواجه مشكلات، إذ يتم خصم 50% من المبالغ المستحقة لصالح الضرائب والرسوم الحكومية، حتى للشركات التي لا توجد عليها التزامات ضريبية، بينما يُصرف النصف الآخر على دفعات كل ثلاثة أشهر، لمستحقات تعود إلى سنتين أو ثلاث سنوات.

وكان وزير المالية المصري أحمد كجوك أعلن في نهاية يوليو الماضي أن 2000 شركة مصدّرة ستتلقى، في الأسبوع الأول من أغسطس، نحو 5 مليارات جنيه تمثل الدفعة الأولى من نسبة الـ50% المحددة نقداً وفق الآلية الجديدة المقررة من مجلس الوزراء لسداد المستحقات المتأخرة للمصدرين لدى صندوق تنمية الصادرات عن الشحنات حتى نهاية يونيو 2024.

ومنذ 2019، أطلقت الحكومة عدة مبادرات لدعم المصدرين، من بينها مبادرة “السداد الفوري النقدي” بمراحلها السبع، التي استفاد منها نحو 3000 شركة مصدّرة بقيمة إجمالية تقارب 70 مليار جنيه.

وفي سياق متصل، قال مسؤول في إحدى شركات السيارات المشاركة في البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات، إن الشركة تعيد حالياً تقييم موقفها بشأن الاستمرار في البرنامج من عدمه، بسبب عدم تحديد نسب دعم الصادرات. وأضاف أن “التحدي الرئيسي يتمثل في حجم الإنتاج السنوي الكبير، والذي يشترط البرنامج زيادته تدريجياً حتى يصل في السنة السابعة إلى 50 ألف وحدة”، موضحاً أن هذا الرقم لا يتناسب مع الطاقة الاستيعابية للسوق المحلية، ما يفرض ضغوطاً على الشركة في ظل غياب حوافز تصديرية واضحة.

Exit mobile version