Site icon السعودية برس

بيسان فياض.. غزية ودعها أهلها شهيدة فتبين أنها أسيرة تنبض بالحياة

لم تكن حكاية بيسان فياض مجرد قصة خيالية أو سرد أدبي، بل واقعة حقيقية صادمة تجسد مرارة الواقع الذي يعيشه سكان غزة منذ 22 شهرا، في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية.

فبعد أن ودعتها عائلتها شهيدة وشيعت جثمانا قيل إنه يعود لها، انكشفت الحقيقة الصادمة، وهي أن بيسان ما زالت على قيد الحياة، أسيرة خلف قضبان الاحتلال الإسرائيلي وتعاني شللا نصفيا.

وبينما تقف عائلتها على حافة الأمل والخوف، تتكشف فصول سياسة إسرائيلية أوسع في الإخفاء القسري والتلاعب بالجثامين، موثقة في تقارير دولية، لتتحول مأساة فتاة واحدة إلى شاهد على جريمة ممتدة تطال مئات العائلات الفلسطينية.

دفن الجثمان والصدمة الأولى

في يناير/كانون الثاني 2024، تلقت عائلة فياض نبأ مأساويا يفيد بمقتل ابنتهم بيسان، وتسلمت جثمانا بداخله ملابسها وهويتها الرسمية.

ودّعت العائلة ابنتها باعتبارها شهيدة تحت القصف، وبدأت رحلة حزن ثقيلة امتدت لأشهر. ومنذ ذلك الحين، عاشوا على وقع الفقدان والحداد، قبل أن يكتشفوا لاحقا أن الحقيقة أكثر قسوة.

ففي 21 مارس/آذار 2025، تلقت العائلة اتصالا يؤكد أن بيسان ما زالت على قيد الحياة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. ومنذ ذلك اليوم، خاضت العائلة رحلة مريرة في البحث عن الحقيقة والتواصل مع المؤسسات المعنية بملف الأسرى والمفقودين.

وفي صباح الأحد 17 أغسطس/آب 2025، تأكدت العائلة بشكل نهائي من أن ابنتهم على قيد الحياة، لكنها تعاني وضعا صحيا بالغ الخطورة بعد إصابة في العمود الفقري تسببت لها في شلل نصفي، وفق المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرا.

صدمة ووجع العائلة

وعبّر شقيق بيسان -في منشور مؤثر على فيسبوك- عن حجم الصدمة قائلا: “بعد ما يقارب 8 شهور من لوعة الفقد، من لحظة دفن أختي بيسان بأيدينا وودعناها كشهيدة، وشربنا مرارة الحسرة على غيابها… اليوم انقلب حالنا من جديد. الخبر اللي وصلنا نزل علينا كالصاعقة… بيسان عايشة داخل سجون الاحتلال، جرحنا نزف مرة ثانية، والوجع صار أعمق من أول”.

وأضاف: “يا بيسان خبرك هزنا، صدقيني أصعب من خبر استشهادك. رجعتي لنا الأمل والضحكة، لكن بنفس اللحظة قلبنا يتمزق خوفا عليك. وصلنا بشكل أولي أنك مصابة بالعمود الفقري، وأن وضعك الصحي ليس بخير… وما لنا غير ندعي الك، يا سند البيت وضحكته وحنونته”.

وردا على تساؤلات بشأن تشييع جثمانها ودفنها سابقا، أوضح شقيقها: “للأسف أختي كانت جثة متفحمة لا يوجد أي معالم عليها. أنا شخصيا مُنعت من رؤيتها. فقط استدلينا على أنها بيسان من خلال بعض أغراضها: نصف هويتها المحروقة، سنسالها الذي يحمل اسمها، نصف محفظتها المحروقة… هذه الأغراض سلمتها لنا مستشفى ناصر باعتبارها كانت مع الجثمان”.

الإخفاء القسري نهج إسرائيلي

لم تكن حادثة بيسان استثناء، بل جزءا من سياسة أوسع اتبعها الاحتلال خلال حربه على غزة. فقد كشفت تحليلات صور أقمار صناعية -أجرتها وكالة سند للتحقق الإخباري في شبكة الجزيرة، إلى جانب تقارير دولية- عن تعرض 44 مقبرة في مختلف مناطق القطاع لأضرار كلية وجزئية، فضلا عن تسجيل عمليات دفن جماعي خلال العمليات العسكرية.

سرعان ما لاقت قصة بيسان انتشارا واسعا عبر منصات التواصل الاجتماعي بين نشطاء فلسطينيين وعرب، الذين اعتبروا حالتها نموذجا لعشرات المفقودين ولسياسة “الإخفاء القسري” التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة المستمرة.

ورأى مدونون أن ما جرى مع بيسان يجسد تلاعب الاحتلال بالجثامين الفلسطينية وإخفاءها قسرا، معتبرين ذلك “من أبشع الجرائم” التي تُرتكب وسط صمت دولي.

وكتب أحد النشطاء: “الشابة بيسان فياض تعود من الموت في غزة… نعم هذه قصة حقيقية من غزة”.

وأضاف آخر: “كل ما نشوف خبر بنقول يا وجعنا… بس هاد الخبر فاق كل الأخبار”.

فيلم إجرامي مرعب

وذكر مدونون أن العقل لم يعد يستوعب ما يحدث في قطاع غزة مع سماع قصص مأساوية كل يوم، معتبرين أن حادثة بيسان هي الأحدث والأكثر صدمة على الإطلاق.

وتساءل آخرون: “طيب، لما نستلم الجثمان، ما نعمل فحص حمض نووي (DNA)؟! كيف أهاليها لم يعرفوا البنت عند الدفن؟! هل الملامح لم تكن واضحة؟! وإذا كانت بيسان معتقلة، فمن تم تسليمها ودفنها؟”.

وأشار آخرون إلى ضرورة فتح تحقيق في قضية بيسان أمام محكمة الجنايات الدولية، متسائلين: “أين الحقوقيون الذين يتحدثون عن القانون الدولي وحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف؟”

وشبّه مدونون ما حدث مع بيسان بأنه فيلم إجرامي مرعب لم يستوعبه العقل، يحدث أمام مرأى ومسمع العالم الذي يدعي الإنسانية.

وربط آخرون قصتها بجرائم سابقة، فكتبت مدونة: “كنت أظن أن العالم سيصحو حين قُتلت الطفلة هند رجب بـ335 رصاصة… وكنت أظن أن العالم سيثور حين قُصفت الطفلة آمنة المفتي وهي بالكاد تحمل الماء… واليوم أظن أن العالم لن ينام حين يسمع قصة بيسان فياض المختفية في سجون الاحتلال”.

وأكد نشطاء أن قصة بيسان ليست حالة فردية، بل مرآة تعكس واقعًا صادمًا يعيشه سكان غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع، حيث تعاني مئات العائلات من فقدان أبنائها نتيجة سياسة الإخفاء القسري والتلاعب بالجثامين.

وطالب مدونون ونشطاء المجتمع الدولي، والمؤسسات الحقوقية والإنسانية، وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بتحمّل مسؤولياتهم في كشف مصير جميع المفقودين والمخفيين قسرا، ومحاسبة الاحتلال على هذه الممارسات اللاإنسانية.

Exit mobile version