Site icon السعودية برس

انطلاق محادثات حاسمة بين الصين وأميركا في السويد لتمديد هدنة الرسوم الجمركية

بدأ مسؤولون أميركيون وصينيون محادثات تستمر يومين تهدف إلى تمديد هدنة التعريفات الجمركية بين البلدين إلى ما بعد الموعد النهائي المقرر في منتصف أغسطس، وبحث سبل الحفاظ على العلاقات التجارية مع ضمان الأمن الاقتصادي.

يقود نائب رئيس الوزراء الصيني خه ليفنغ ووزير الخزانة الأميركي سكوت بيسينت الوفدين حتى يوم الثلاثاء في العاصمة السويدية ستوكهولم، في ثالث لقاء بينهما خلال أقل من ثلاثة أشهر. ويتضمن جدول الأعمال مناقشات حول مدة التمديد الممكنة لهدنة التعريفات الحالية، إلى جانب الرسوم الأميركية المرتبطة بتهريب مادة الفنتانيل، وشراء الصين للنفط الروسي والإيراني الخاضع للعقوبات.

موقف ترمب من الصين

بدأت المحادثات بعد يوم من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي قبل الموعد النهائي في الأول من أغسطس لإبرام صفقات مع عشرات الدول. أما المحادثات مع بكين فهي تسير في مسار منفصل، إذ لا تزال الرسوم الجمركية المفروضة على الصين أعلى بكثير من تلك المطبقة على الاقتصادات الكبرى الأخرى.

وقال الممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير في مقابلة مع قناة MSNBC يوم الإثنين، قبل وصوله إلى مكان الاجتماع مع بيسينت: “ندخل هذه الاجتماعات ونحن في موقف قوي، بعدما أبرمنا صفقات مع الاتحاد الأوروبي واليابان والعديد من الدول الأخرى. إن اجتماعنا المتكرر معهم لمناقشة هذه القضايا يمنحنا موقعاً جيداً للتفاوض”.

وفي حديثه من اسكتلندا يوم الأحد للإعلان عن صفقة الاتحاد الأوروبي، قدّم ترمب تحديثاً مقتضباً عن العلاقات مع بكين، قائلاً: “نحن قريبون جداً من التوصل إلى اتفاق مع الصين. لقد أبرمنا بالفعل نوعاً ما من الاتفاق معها، لكننا سنرى إلى أين تسير الأمور”، دون أن يوضح المزيد.

هدف بيسينت من الجولة

في تصريحات أدلى بها مؤخراً، قال بيسينت إن الولايات المتحدة ستستخدم هذه الجولة من المحادثات للتوصل إلى ما وصفه بـ”تمديد محتمل” لهدنة الرسوم الحالية، مضيفاً: “أعتقد أن التجارة مع الصين في وضع جيد جداً”.

وقد يمهّد أي اختراق في هذه المحادثات الطريق للقاء محتمل بين ترمب ونظيره الصيني شي جينبينغ، ربما على هامش قمة كبرى تُعقد لاحقاً هذا العام في كوريا الجنوبية. وكان الزعيم الصيني قد وجّه دعوة إلى ترمب، برفقة السيدة الأولى ميلانيا ترمب، لزيارة الصين خلال مكالمة هاتفية الشهر الماضي، لكن لم يتم تحديد موعد بعد.

وقالت شخصان مطلعان إن وزير التجارة هوارد لوتنيك لم يكن حاضراً في ستوكهولم عند انطلاق المحادثات الإثنين، رغم أنه ألمح خلال مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ الأسبوع الماضي إلى أنه يعتزم الحضور.

ضوابط التصدير

شارك لوتنيك في جولة لندن في يونيو، حيث أُدرجت ضوابط التصدير ضمن المحادثات التجارية للمرة الأولى؛ وهو خرق للسوابق المتبعة التي تعتبر الإجراءات المتعلقة بالأمن القومي غير قابلة للتفاوض.

ويؤيد وزير التجارة تخفيف القيود الأميركية المفروضة على شريحة H20 من شركة “إنفيديا”، وهي خطوة وافق عليها ترمب في وقت سابق من هذا الشهر، ويدفع باتجاه صفقة شراء مع بكين لا تتطرق إلى العوامل النظامية في العلاقة بين البلدين، وفقاً لأشخاص مطلعين على المناقشات الداخلية.

وفي لمحة غير مباشرة عن الترتيبات اللوجستية للمحادثات بين البلدين، كتبت وزيرة المالية السويدية إليزابيث سفانتيسون في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي أن ممثلين من الولايات المتحدة والصين تواصلوا معها خلال اجتماع لمجموعة العشرين في جنوب أفريقيا مطلع الشهر لاقتراح استضافة السويد لمفاوضات الرسوم الجمركية.

لب الخلاف التجاري

تتمحور الخلافات بين أكبر اقتصادين في العالم حول الهيمنة الصينية على مغناطيسات المعادن النادرة المستخدمة في تصنيع مجموعة واسعة تشمل السيارات الكهربائية والأسلحة عالية التقنية، إضافة إلى القيود الأميركية المفروضة على الرقائق المتطورة الضرورية لتقنيات الذكاء الاصطناعي. وقد أصبحت معركة ضوابط التصدير عنصراً محورياً في المحادثات التجارية.

ووفقاً لمذكرة كتبها محللو مجموعة أوراسيا الأسبوع الماضي، فإن خفض الرسوم الجمركية بنسبة 20% التي فرضها ترمب على خلفية مزاعم تفيد بأن شركات صينية توفر مواد كيميائية تُستخدم في تصنيع الفنتانيل، يمثل أولوية قصوى لبكين. وذكر المحللون أن مسؤولي وزارة الأمن العام الصينية سافروا إلى جنيف في مايو لحضور المحادثات، ومن المرجح أن يشاركوا في محادثات ستوكهولم أيضاً.

الخطوات الصينية بشأن الفنتانيل

ورغم نفي الصين مسؤوليتها عن تدفق هذه المادة القاتلة، شددت الشهر الماضي الرقابة على مادتين كيميائيتين يمكن استخدامهما في تصنيع هذا الأفيون الاصطناعي. وأشاد ترمب بهذه الخطوة أوائل هذا الشهر، قائلاً للصحفيين: “الصين تساعدنا. نحن نتحدث معهم وهم يحرزون تقدماً كبيراً”.

لكن من وجهة نظر واشنطن، فإن الخطوات الصينية الأخيرة لا تكفي، إذ إنها مطلوبة أصلاً بموجب إجراءات صادرة عن الأمم المتحدة، وفقاً لشخص مطلع على المحادثات. وأضاف هذا المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته نظراً لحساسية الموضوع، أن احتمال خفض الرسوم الجمركية في هذه الجولة ضعيف جداً، رغم أنه أشار إلى أن كل شيء قد يتغير وفقاً لأهواء ترمب.

وقال سون تشينغهاو، أستاذ في جامعة تسينغهوا في بكين، إن الصين ستكون مستعدة لتقديم المزيد من التعاون بشأن الفنتانيل، ولكن بشرط أن ترفع الولايات المتحدة الرسوم المرتبطة، وتتوقف عن تحميل بكين مسؤولية مشكلة تعتبرها محلية أميركية، وتقدّم أدلة ملموسة على الجرائم.

ولا تزال الأوساط الاقتصادية الأميركية تأمل بتحقيق تقدم، حيث صرّح شون ستاين، رئيس مجلس الأعمال الأميركي-الصيني، لقناة بلومبرغ التلفزيونية بأن التقدم في ملف الفنتانيل يمثل “أكبر فرصة” ضمن المحادثات الجارية.

وقال: “هذا من شأنه أن يخفض الرسوم الجمركية من جانبنا، ما يفتح الباب أمام الصين لخفض رسومها، ويسمح لنا ببيع المنتجات الزراعية والطائرات والسيارات والطاقة”.

خلاف مشتريات النفط الروسية

وفي تصريحاته التي أعلن فيها بدء المحادثات، أشار بيسينت إلى أن المفاوضات يمكن أن تتوسع لتشمل مواضيع أوسع نطاقاً، بما فيها استمرار الصين في شراء النفط من روسيا وإيران رغم العقوبات المفروضة عليه.

لكن وسائل الإعلام الحكومية الصينية ردّت على هذه الفكرة، إذ قال لو شيانغ، خبير الشأن الأميركي في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، لصحيفة “غلوبال تايمز” الرسمية الأسبوع الماضي: “الصين لن تتعاون مع مثل هذه المحاولات لاستخدامها كسلاح ضد الاقتصاد الروسي”.

الصين تستورد نفطاً أميركياً أقل

وفي المقابل، انخفضت واردات الصين من ثلاثة منتجات طاقة رئيسية من الولايات المتحدة إلى الصفر تقريباً في يونيو، وهي المرة الأولى منذ ما يقرب من ثلاث سنوات التي لا تستورد فيها الدولة الآسيوية أي نفط خام من خصمها الأول. ولا تزال واردات الصين من النفط الخام الأميركي، والغاز الطبيعي المسال، والفحم، خاضعة لرسوم جمركية تتراوح بين 10% و15% منذ فبراير.

وقد بدأت حكومة شي بالتراجع عن بعض إجراءاتها الانتقامية منذ اجتماع الطرفين الشهر الماضي في لندن. ومن الخطوات المهمة، قيام بكين بزيادة صادراتها من مغناطيسات المعادن النادرة، فيما خففت الولايات المتحدة القيود على بيع أشباه الموصلات الأقل تطوراً إلى الصين.

ما هي مغناطيسات المعادن النادرة؟ ولماذا دخلت الحرب التجارية؟

وفي بادرة محتملة لحسن النية، أعلنت الصين عن تعليق تحقيق مكافحة الاحتكار الذي كانت تجريه بحق الفرع المحلي لشركة “دو بون دي نيمور” (DuPont de Nemours Inc) الأميركية المختصة بالصناعات الكيميائية، بالتزامن مع الإعلان عن محادثات السويد هذا الشهر.

كما سيكون فائض الإنتاج الصناعي الهائل في الصين أحد النقاط الأساسية على طاولة فريق ترمب التفاوضي.

وقال بيسينت إن الولايات المتحدة تأمل أن تقوم الصين “بالتراجع عن بعض هذا الفائض التصنيعي والتركيز على بناء اقتصاد استهلاكي”.

Exit mobile version