فيرناس حفظي
علّقت مُحامية الأمن القومي الأمريكي، إيرينا تسوكرمان، على الاتفاق الذي جرى في القاهرة بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران، مؤكدة أن الاتفاق النووي ليس مجرد خطوة إجرائية في المفاوضات التي لا تنتهي حول البرنامج النووي الإيراني، بل يمثل لحظة من المناورة التكتيكية، حيث يسعى الطرفان إلى كسب الوقت والظهور الإعلامي أكثر من إحداث تحوّل حقيقي في المواقف.
وأكدت “تسوكرمان”، في تصريحات خاصة لموقع “صدى البلد”، أن إيران المُنهكة اقتصاديًا وسياسيًا تسعى لاستعادة بعض مجالات التنفّس، فيما تحاول الوكالة إعادة فرض سلطتها بعد سنوات من المماطلة ونصف الإجراءات وعمليات التحدي الصريحة. وأوضحت أن اختيار القاهرة كمكان للتوقيع لم يكن صدفة؛ إذ يشير إلى محاولة وضع الاتفاق في إطار إقليمي أوسع، حيث ترى الدول العربية نفسها بشكل متزايد كأطراف معنية بملف الدبلوماسية النووية.
المكاسب الإيرانية
أضافت محامية الأمن القومي الأمريكي أن الاتفاق يمنح إيران عدة فوائد فورية، فهو يخفف الضغط الدولي في لحظة تواجه فيها طهران اضطرابات داخلية وصراعات فئوية وتراجعًا في نفوذها في سوريا ولبنان. ومن خلال إظهار بعض التعاون مع الوكالة، تستطيع إيران الادعاء بأنها ملتزمة بالمعايير الدولية، حتى وهي تواصل سياسة التعتيم.
وأشارت إلى أن مثل هذه الاتفاقات تكررت في سجل إيران، إذ تمنح وصولًا محدودًا للمفتشين لخفض التوتر، مع الحفاظ على الغموض الاستراتيجي بشأن نطاق أنشطتها الحقيقية. هذا التكتيك أثبت نجاحه سابقًا، إذ منح إيران وقتًا للتقدم التقني الذي يفاجئ المجتمع الدولي لاحقًا.
الوكالة الدولية تبحث عن دور
قالت تسوكرمان إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أمسّ الحاجة لإثبات أنها لم تصبح مؤسسة هامشية. فلقد اشتكى مفتشوها لسنوات من محدودية الوصول، ومن آثار يورانيوم غير مفسرة، ومن أسئلة عالقة حول منشآت غير معلنة. عبر صفقة القاهرة، تسعى الوكالة لإظهار قدرتها على إبقاء إيران على طاولة الحوار. غير أن التفاصيل تظل حاسمة؛ إذ إن وصولًا محدودًا إلى بضعة مواقع لا يمكن أن يعادل نظام تحقق شامل، ومن دون القدرة على القيام بعمليات تفتيش مفاجئة وواسعة النطاق، قد تمنح الوكالة شرعية لواجهة شكلية من الامتثال.
الانعكاسات الإقليمية
أشارت تسوكرمان إلى أن الأطراف الإقليمية ستنظر إلى اتفاق القاهرة بمزيج من الشك والقلق؛ فإسرائيل ترى في أي ليونة تجاه طهران إشارة خطر، إذ لطالما اعتبرت أن إيران تستخدم المفاوضات غطاء لتطوير برنامجها النووي. أما السعودية ودول الخليج، فترى في ذلك نمطًا يتكرر: مكافأة إيران على التعطيل، بينما يتم تجاهل دعواتهم إلى تشديد تطبيق الضمانات. هذه المعادلة قد تعزز الأصوات في الرياض وأبوظبي المطالبة بالسعي وراء قدرات نووية موازية.
الموقف الأمريكي
أردفت تسوكرمان أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ستتعامل مع الاتفاق ببراغماتية مزدوجة؛ فمن ناحية، لا تريد إضعاف الوكالة وهي تعيد صياغة تحالفاتها الإقليمية مع إسرائيل والسعودية ومصر، ومن ناحية أخرى، ترى فيه مجرد بادرة شكلية لا تعالج التهديد الحقيقي. واشنطن لن تعرقل الاتفاق مباشرة لكنها ستضغط من أجل مزيد من الشفافية، مدركة أن نمط “الامتثال الجزئي” الإيراني مصمم لإحباط الأهداف الأمريكية.
مصر كلاعب جديد
ولفتت إلى أن الدور المصري يحمل بعدًا رمزيًا، إذ تسعى القاهرة إلى تقديم نفسها وسيطًا ليس فقط في قضايا الأمن الإقليمي، بل في الملف النووي أيضًا، لتحتل مساحة لطالما كانت حكرًا على فيينا وجنيف ونيويورك. وبالنسبة للرئيس السيسي، فإن استضافة الاتفاق ترفع مكانة مصر كلاعب محوري في معمار الأمن الإقليمي.
انتقادات جوهرية
عقبت قائلة: إن المنتقدين يرون أن الاتفاق لا يعالج القضايا الأعمق، مثل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، ومخزونات اليورانيوم المخصّب، وبرنامج الصواريخ الباليستية. وهم محقون؛ إذ لا يعدو الاتفاق أن يكون زر إيقاف مؤقت لا إعادة تشغيل، وما يحققه هو تهدئة مؤقتة تمنح الطرفين فرصة الادعاء بالتقدم دون معالجة جوهر الخلافات.
الاختبار الحقيقي: التنفيذ
شددت تسوكرمان على أن الاختبار الحقيقي سيكون في التنفيذ؛ فإن التزمت إيران بالسماح بالوصول في الوقت المناسب ومن دون عرقلة، فقد ينمو قدر محدود من الثقة. لكن إذا واجه المفتشون مماطلات أو زيارات مُدبَّرة بعناية، فسيتضح سريعًا أن الاتفاق مجرد لفتة فارغة. بالنسبة لإيران، حتى وهمية التعاون تستحق العناء إذا أبطأت الدعوات إلى فرض عقوبات أو إجراءات أكثر صرامة. أما الوكالة، فمخاطرتها أن يكون الانخراط المحدود أفضل من العزلة الكاملة.
واختتمت محامية الأمن القومي الأمريكي حديثها بالتأكيد على أن اتفاق القاهرة يعكس أكثر من أي شيء آخر حالة اليأس لدى الطرفين، لا التزامهما بحلول دائمة؛ فإيران يائسة لنيل شرعية وتخفيف العزلة، والوكالة يائسة لتبقى ذات صلة. أما الولايات المتحدة وحلفاؤها، فيرون فيه وقفة تكتيكية لا أكثر. ويبقى السؤال الاستراتيجي بلا إجابة: إلى أي مدى ستذهب طهران؟ ومتى سيتوقف المجتمع الدولي عن لعبة كسب الوقت ويبدأ بفرض العواقب؟