Site icon السعودية برس

الأخبار السيئة.. تبقى سيئة: بيانات الوظائف الأميركية تربك الأسواق وتضاعف الضغط على الفيدرالي

على مدى أشهر، تجاهلت وول ستريت تأثير الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى جانب تمسك الاحتياطي الفيدرالي بموقفه المتشدد حُيال أسعار الفائدة، في ظل ثقة بأن الاقتصاد الأميركي سيظل صامداً بما يكفي لدعم الأسواق. لكن هذه الثقة بدأت تتصدع هذا الأسبوع.

تقرير الوظائف يهز الأسواق

بيانات الوظائف الضعيفة، إلى جانب حزمة جديدة من الرسوم الجمركية التي أعلنها ترمب، هزّت ثقة المستثمرين، ما ضاعف الضغط على رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لخفض أسعار الفائدة، وكشف عن توتر متزايد حيال توجهات البيت الأبيض الحمائية.

تقرير الوظائف الذي صدر يوم الجمعة، والذي أظهر تباطؤاً حاداً في سوق العمل، أنهى ثلاثة أشهر من الهدوء النسبي في الأسواق. سارع المتداولون إلى اللجوء لأدوات التحوط، فتراجع العائد على سندات الخزانة لأجل عامين إلى 3.68%، في أكبر انخفاض يومي منذ ديسمبر 2023. في الوقت ذاته، ازدادت رهانات السوق على خفض سعر الفائدة الشهر المقبل، وهبط الدولار، بينما واصل مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” تراجعه مسجلاً أسوأ أسبوع له منذ مايو.

قال جيف شولز، رئيس استراتيجية الاقتصاد والأسواق لدى “كليربريدج إنفستمنتس” (ClearBridge Investments): “بيانات اليوم تمثل أوضح مثال على مقولة: ‘الأخبار السيئة هي أخبار سيئة’. مع تراجع وتيرة خلق الوظائف واقتراب تأثير الرسوم الجمركية، هناك احتمال قوي لصدور تقرير وظائف سلبي خلال الأشهر المقبلة، ما قد يثير مخاوف من حدوث ركود”.

ترمب يقيل مفوضة الإحصاءات

نتائج التوظيف المخيبة دفعت ترمب إلى توجيه أوامر بإقالة مفوضة “مكتب إحصاءات العمل” إريكا ماكنتارفر، متّهماً إياها من دون دليل بأنها سيست البيانات.

وقال نيل دوتا، رئيس قسم الاقتصاد في “رينيسانس ماكرو ريسيرش”: “الإحصاءات العامة في الولايات المتحدة تمثل المعيار الذهبي. الطعن فيها لمجرد أنها لا تعجبك يقوّض ثقة السوق”.

تصاعد التوترات الجيوسياسية

التوترات الجيوسياسية أضافت إلى حالة النفور من المخاطرة في الأسواق. فقد أعلن ترمب أنه أمر بنشر غواصات نووية في “المناطق المناسبة”، رداً على تصريحات “استفزازية جداً” من الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف.

تطورات هذا الأسبوع شكلت تحولاً حاداً مقارنةً بشهر يوليو، عندما سجل الدولار مكاسب، وتراجعت الملاذات الآمنة، وتفوقت الأسهم الأميركية على نظيراتها العالمية مدعومة بأرباح قوية واقتصاد لا يزال متماسكاً.

لكن مع نهاية الأسبوع، باتت هذه الرواية أكثر هشاشة. فقد جاءت الرسوم الجمركية الجديدة التي زادها ترمب- والتي رفعت متوسط الرسوم الأميركية على الواردات العالمية إلى 15%، وهو أعلى مستوى منذ ثلاثينيات القرن الماضي؛ في وقت أظهرت فيه البيانات أن نمو الوظائف بلغ متوسطه 35,000 وظيفة فقط خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهو الأسوأ منذ الجائحة. ويُعزى جزء من هذا التباطؤ إلى جهود ترمب للحد من الإنفاق الحكومي.

هذا التباطؤ عزز توقعات السوق لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر، حيث ارتفعت احتمالات ذلك إلى 91%، مقارنة بـ40% فقط في بداية الأسبوع.

الأنظار نحو باب الخروج

قال جو سالوزي، الرئيس المشارك لتداول الأسهم في “ثيميس تريدينغ” (Themis Trading): “الكثير من الناس باتوا يترقبون فرصة الخروج. أرقام الوظائف الضعيفة تعزز سيناريو خفض الفائدة في سبتمبر، لكن هناك قلق من أن الاحتياطي الفيدرالي قد ينتظر طويلاً”.

تراجع الدولار بنسبة وصلت إلى 1%، في أسوأ انخفاض يومي منذ أبريل. وقادت الشركات الحساسة اقتصادياً التراجع في مؤشر “ستاندرد آند بورز 500”، وسط تصاعد القلق بشأن النمو. أما مؤشر “راسل 2000” للشركات الصغيرة، فقد سجل تراجعاً لليوم الخامس على التوالي، ليغلق أسوأ أسبوع له منذ أكثر من شهرين.

وأظهرت البيانات الأخيرة أيضاً أن قطاع التصنيع في الولايات المتحدة انكمش بأكبر وتيرة خلال تسعة أشهر، ما يُبرز المعضلة التي تواجه جيروم باول وبقية أعضاء لجنة تحديد أسعار الفائدة خلال الأسابيع المقبلة، في ظل تصاعد انتقادات إدارة ترمب بأن البنك المركزي لا يتحرك بالسرعة الكافية.

ويرى العديد من الاقتصاديين أن الرسوم العقابية التي يفرضها ترمب، وسعيه لإعادة كتابة قواعد التجارة الدولية من طرف واحد، باتت تقوّض الاقتصاد الذي يُفترض أن يستفيد من خفض أسعار الفائدة، وذلك من خلال زيادة تكاليف الإنتاج على الشركات الأميركية، وفرض “ضريبة” فعلية على المستهلكين. في الوقت ذاته، قد تؤدي هذه الرسوم إلى دفع التضخم للارتفاع، ما يمنع “الاحتياطي الفيدرالي” من خفض الفائدة رغم ضعف سوق العمل.

ثقة المستثمرين على المحك

حالة الترقب وعدم اليقين هذه ضربت ثقة المستثمرين في اتجاه الاقتصاد الأميركي، وبالتالي في مسار أسعار الأصول.

تقلبت الأسواق بقوة مع إعادة تقييم المتداولين للواقع الاقتصادي، خاصة بعد أن أضيفت قرابة 15 تريليون دولار إلى القيمة السوقية للأسهم منذ أبريل. وقفز مؤشر التقلب “فيكس” (Cboe Volatility Index) فوق مستوى 20 للمرة الأولى منذ موجة التراجع المرتبطة بالرسوم في أبريل. وشهدت مؤشرات التقلب في سوقي السندات عالية العائد والاستثمارية ارتفاعاً مماثلاً.

وقال تشارلي ريبلي، كبير استراتيجيي الاستثمار في “أليانز إنفستمنت مانجمنت”: “يبدو أن المستثمرين أصبحوا مفرطي الاطمئنان بينما كانوا ينتظرون تأثيرات التباطؤ الاقتصادي الناتج عن الرسوم وارتفاع أسعار الفائدة. الآن بدأ تأثير التباطؤ الاقتصادي بالظهور. ظروف سوق العمل الضعيفة يجب أن تدق ناقوس الخطر لدى الاحتياطي الفيدرالي. ومع تاريخ البنك في التحرك المتأخر، يمكن توقع تحرك في الأشهر المقبلة”.

المراهنة ضد الدولار.. الخطأ الجسيم

أدى التراجع المتزامن في كل من الدولار والأسهم الأميركية إلى تذكير الأسواق بأن الأصول الأميركية ليست في مأمن من الصدمات الاقتصادية والجيوسياسية. وقد تبيّن أن المراهنة ضد الدولار — التي صُنفت كأكثر “تجارة مزدحمة” وفق استطلاع “بنك أوف أميركا” لمديري الأصول — كانت خطأً جسيماً، إذ سجّل الدولار أول مكاسب شهرية له منذ تولي ترمب منصبه. وفي الوقت ذاته، تراجعت رهانات المتشائمين تجاه الأسهم الأميركية، بعد أن تفوق أداء مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” على باقي الأسواق العالمية لثلاثة أشهر متتالية.

سلبيات كبيرة في الأفق

بالنسبة لأولئك الذين ركزوا على الأصول غير الأميركية مؤخراً، فإن هذا الضعف المتجدد في السوق قد يكون خبراً مرحباً به.

وقال ريتش فايس، كبير مسؤولي الاستثمار في “أميركان سينشري إنفستمنت مانجمنت”: “ما زلت أقل تعرضاً للأسهم الأميركية، نظراً للمبالغة في تقييمها”. وأضاف: “هناك سلبيات محتملة كبيرة مثل العجز، الرسوم، والتضخم. والتقلب العام الذي يخلقه الرئيس ترمب بنفسه في المشهد الاقتصادي يدل على أنه ينبغي أن نظل حذرين”.

هذا التذبذب ما بين التركيز على مبدأ “أميركا أولاً” في التجارة، والشكوك حيال قوة الاقتصاد الأميركي، يخلق معاناة لمديري الأموال الذين يجدون صعوبة في مواكبة تغيّر السرديات السوقية.

خذ على سبيل المثال أولئك الذين يستثمرون وفقاً لاتجاهات الاقتصاد الكلي والأسواق. فقد انخفض مؤشر HFRX Macro/CTA بنسبة 3% هذا العام، في طريقه لتسجيل أسوأ أداء سنوي منذ 2018.

وقال جيفري بالما، رئيس حلول الأصول المتعددة في “كوهين أند ستيرز” (Cohen & Steers): “رغم أن النمو كان متماسكاً، وكان المستثمرون أكثر هدوءاً حيال الرسوم خلال الأشهر الماضية، فإن مزيج بيانات التوظيف الضعيفة والغموض المتعلق بالرسوم يشكل تحدياً كبيراً”. وأضاف: “هذا المشهد يذكّرنا بأن هناك مخاطر كبيرة أمامنا”.

Exit mobile version