Site icon السعودية برس

إعادة إعمار غزة.. بين تحديات التمويل وهشاشة الوضع الأمني والسياسي

تتجه الأنظار نحو مرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة، وسط تسارع المشاورات الإقليمية والدولية لتحديد ملامح خطة الإعمار وآليات تمويلها.

تقدّر البيانات الأممية تكلفة إعادة الإعمار بنحو 70 مليار دولار، وترجّح أنها ستمتد لعقد من الزمان أو أكثر، مع التأكيد على الحاجة إلى تأمين 20 مليار دولار منها للمرحلة الأولى التي تتضمن تأهيل المساكن والبنى التحتية.

ومع استعداد القاهرة لاستضافة مؤتمر دولي خلال نوفمبر المقبل، تبرز أمام المجتمع الدولي أسئلة صعبة حول حجم التمويل المطلوب وضمانات الاستقرار السياسي والأمني في القطاع، بحسب عدد من الخبراء والمسؤولين تحدثوا لـ”الشرق” ضمن برنامج خاص حول إعادة إعمار غزة.

اقرأ أيضاً: إزالة الأنقاض المهمة الأصعب في إعمار غزة

خطة فلسطينية من 3 مراحل

وزير الاقتصاد في السلطة الفلسطينية محمد العمور أوضح أن خطة إعادة إعمار غزة تقوم على ثلاث مراحل، تبدأ بمرحلة الإنعاش والإغاثة العاجلة لتوفير المأوى والغذاء والمياه والكهرباء، بتكلفة تقدر بـ3.5 مليارات دولار ولمدة ستة أشهر.

المرحلة الثانية تركز على البنية التحتية، وتشمل إزالة الركام وإصلاح المستشفيات والمدارس، بينما تنصب المرحلة الثالثة على إعادة الإعمار الكامل من خلال بناء المساكن واستعادة الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلى ما هو أفضل مما كان عليه قبل الحرب، بحسب تصريحه.

تُشير التقارير الرسمية إلى أن الجيش الإسرائيلي تسبب في “دمار شامل” لقطاع غزة بنسبة تصل إلى 90%، فيما تتحدث التقديرات الأولية إلى أن عدد الضحايا والمفقودين بلغ 76 ألفا و639 فلسطينياً، فضلاً عن 169 ألفا و583 بين جريح ومصاب استقبلتهم المستشفيات. 

وأكد العمور أن “إسرائيل تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن الدمار الذي لحق بالقطاع”، باعتبارها الجهة التي تسببت في تدميره. وقال: “من دمر غزة يجب أن يتحمل تكلفة إعمارها”.

اقرأ أيضاً: ترمب موقعاً وثيقة شرم الشيخ: اتفاق غزة شامل وواضح وسيصمد طويلاً

وأضاف أن هناك توافقاً فلسطينياً عاماً بعد وقف إطلاق النار على أن تكون الأولوية المطلقة حالياً للإغاثة والإنعاش والإيواء. كما أشار إلى أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تضمنت رؤية لتشكيل حكومة انتقالية غير سياسية تحت إشراف “مجلس السلام”، موضحاً أن الحكومة الفلسطينية كانت منفتحة على تشكيل لجنة إدارية من التكنوقراط لإدارة قطاع غزة خلال المرحلة الانتقالية.

أسفرت مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى توقيع وثيقة بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ضمن قمة شرم الشيخ للسلام وقعها قادة مصر وقطر وتركيا، تمهيداً للانطلاق لمرحلة إعادة الإعمار في القطاع التي تتطلب حشداً كبيراً للتمويلات الضرورية.

التمويل بين السياسة والضمانات الأميركية

يبقى تدفق التمويل أحد أبرز التحديات التي تواجه خطة الإعمار، وسط رهانات متزايدة على الدور الأميركي في ضمان استمرارية العملية.

مدير مركز الأعمال العربي وائل كريم قال إن “الرهان حالياً على الدور الأميركي في تثبيت الاتفاق وضمان استمراريته”، مضيفاً أنه “لا يمكن لأي عملية سلمية أو اتفاق أن يستمر من دون تدفق سلس ومنتظم للمساعدات إلى القطاع”.




وأوضح أن إسرائيل تسعى إلى ربط الإعمار بمكاسب سياسية، خاصة ما يتعلق باتفاقيات أبراهام والعلاقات الإقليمية، مشيراً إلى أن “الإسرائيليين لا يريدون بدء عملية الإعمار قبل الحصول على امتيازات ومكاسب تعوض خسائرهم”.

تشير تقييمات تستند إلى بيانات الأقمار الاصطناعية الحديثة إلى احتمال وجود أكثر من 60 مليون طن من الأنقاض في غزة تنتظر إزالتها، من أجل البدء في إعادة إعمار غزة.

ولفت كريم إلى أن إسرائيل تنظر كذلك إلى البعد الاقتصادي، إذ تنتظر مساعدات أميركية مباشرة لدعم اقتصادها “كثمن لهذه الاتفاقية”، في ظل ارتفاع العجز المالي وتكاليف الحرب التي أضعفت الاقتصاد الإسرائيلي.

القاهرة تستعد… والمانحون يتريثون

على الجانب المصري، تتجه القاهرة لاستضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة منتصف نوفمبر، في خطوة يراها مراقبون أساسية لتنسيق الدعم العربي والدولي.

اقرأ أيضاً.. وزير الصناعة: مصر لديها فائض من الحديد والأسمنت للتصدير إلى غزة

عضو الجمعية المغربية للاقتصاد والتشريع محمد أنيس قال إن “مسار الإعمار يواجه عقبات كبيرة، أبرزها التمويل وهشاشة الاستقرار الأمني”، موضحاً أن إسرائيل ما زالت تسيطر على 58% من مساحة القطاع، إلى جانب قضية نزع سلاح حركة حماس، ما يجعل من عملية الإعمار رهينة للظروف السياسية والأمنية.




وأشار أنيس إلى أن نجاح جهود مصر يتطلب حشد ما بين 50 و60 مليار دولار لإعادة الإعمار، وهو رقم ضخم يثير تساؤلات المانحين حول جدوى الإعمار المتكرر في ظل غياب تسوية سياسية مستقرة. وأضاف أن “ضمان بيئة آمنة تمنع أي اجتياح إسرائيلي جديد، وتوفير سلطة سياسية مقبولة دولياً، يمثلان شرطين أساسيين لتفادي استنزاف المانحين”.

تُعدّ المياه النظيفة حاجة ملحة وعاجلة لسكان غزة. ووفقاً لتقديرات «اليونيسف»، فقد تضرر أو دُمّرت أكثر من 70 بالمئة من مرافق المياه والصرف الصحي الـ600 في القطاع، وأفاد الأطباء بأن غزة تعاني من معدلات مرتفعة من أمراض الإسهال، التي قد تودي بحياة الأطفال. بالإضافة إلى خطر الإصابة بالكوليرا في بعض المناطق.

الرياض تقود مبادرات الدعم 

في موازاة التحركات السياسية، تلعب السعودية دوراً محورياً في الدفع نحو استقرار المنطقة وربط جهود الإعمار بالحل السياسي.

رئيس ديوان الأعمال الأساسية للاستشارات الاقتصادية عمر باحليوه أكد أن “السعودية هي المبادرة لكل ما يحدث الآن على أرض الواقع”، مشيراً إلى وجود شقين سياسي واقتصادي في مقاربة المملكة، إذ “دفعت 140 دولة للاعتراف بحل الدولتين وإعادة الاستقرار للمنطقة”.

اقرأ أيضاً: إعادة إعمار غزة رهينة الضمانات والتمويل




وأضاف أن غزة تحتاج إلى قيادة إدارية وهيكلية واضحة لإدارة عملية الإعمار بمختلف جوانبها، بدءاً من إدارة البناء والمال والسياسات، وصولاً إلى إقناع المانحين بالمشاركة في العملية.

خلال الحرب، قدّر مركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية (يونوسات) أن نحو 283 ألف منزل وشقة سكنية في جميع أنحاء غزة قد تضررت أو دُمرت. لكن من المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع، لأنها لا تشمل العمليات العسكرية الأخيرة في مدينة غزة، مثل الدمار الذي لحق بحي الشيخ رضوان.

وقال باحليوه إن غزة تحتاج لإنشاء بنك مركزي وإقناع البنوك المركزية الدولية بدعم صناعة مالية فلسطينية مستقلة، بما يضمن “إبعاد الهيمنة الإسرائيلية عن الشأن المالي ودعم العملة الوطنية”. وأكد أن “الجميع متفق على دعم غزة وحل الدولتين”، مشيراً إلى أن دعم السعودية سيتجسد من خلال الشركات والمنتجات الصناعية والخدمات.

Exit mobile version