اجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الرئيس التنفيذي لشركة “إنتل” (Intel) ليب-بو تان في البيت الأبيض لوضع اللمسات النهائية على اتفاق يمنح الحكومة الأميركية حصة تقارب 10% من أسهم شركة صناعة الرقائق المتعثرة.
تفاصيل الاتفاق
وبموجب الاتفاق الموقع يوم الجمعة، ستحصل الولايات المتحدة على 433,323,000 سهم عادي، وهو ما يعادل 9.9% من إجمالي الأسهم العادية المخففة للشركة، مقابل تعهد الحكومة بإطلاق تمويل يقارب 8.87 مليار دولار بموجب “قانون الرقائق والعلوم”، وفقاً لأشخاص مطلعين على تفاصيل الصفقة طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم قبل الإعلان الرسمي عنها.
يمثل ذلك ما تبقى من أموال “قانون الرقائق” المخصصة لـ”إنتل” والتي لم تُصرف بعد، بحسب قولهم. وستكون الأسهم بلا حقوق تصويت، ولن تحصل الحكومة الأميركية على مقعد في مجلس الإدارة، وفقاً للمطلعين. وحضر “تان” إلى مقر وزارة التجارة يوم الجمعة لإنهاء تفاصيل الاتفاق.
ترمب قال للصحفيين في البيت الأبيض قبل الحدث: “لقد وافقوا على القيام بذلك وأعتقد أنها صفقة رائعة بالنسبة لهم”، واصفاً الاتفاق بأنه سيُنعش الشركة.
ترمب: “إنتل” وافقت على منح الحكومة الأميركية حصة 10% من أسهمها
ارتفع سعر سهم “إنتل” بنسبة 7.2% يوم الجمعة.
اتفاق غير تقليدي.. لماذا؟
هذه الملكية الجزئية تمثل تدخلاً لافتاً من الحكومة في شركة أميركية، بما يتعارض مع مبادئ الرأسمالية الحرة التي طالما اعتبرها المستثمرون وصناع السياسات خط أحمر، عدا حالات استثنائية مثل الحروب أو الأزمات الاقتصادية النظامية.
لكنها، في الوقت نفسه، تتيح لترمب أسلوباً جديداً لاستخدام أموال “قانون الرقائق”، بعدما انتقد مراراً القانون الذي وقّعه سلفه جو بايدن، معتبراً أن دعم مصنّعي الرقائق لا يحقق أي عوائد لدافعي الضرائب. وكانت “إنتل” بالفعل المرشح الأكبر للاستفادة من أموال القانون.
قال الرئيس إن “إنتل” كانت “متخلفة” عن منافسيها في صناعة الرقائق، وإنه طرح فكرة الاستحواذ على حصة بالشركة خلال لقائه تان مطلع الشهر. ويمثل الاتفاق تحولاً دراماتيكياً بعدما دعا ترمب في وقت سابق هذا الشهر إلى إقالة تان واتهمه بأنه “شديد التضارب” بسبب علاقاته السابقة بالصين. تلك التصريحات قادت إلى الاجتماع المباشر بين ترمب والرئيس التنفيذي.
إنقاذ ”إنتل“ سيعتمد على ترمب كمستثمر ومسوّق
قال ترمب: “قلت له تعلم ماذا؟ أعتقد أن على الولايات المتحدة أن تُمنح 10% من (إنتل). فأجاب: سأفكر في ذلك. فقلت: أود فعلاً أن تقوم بذلك”.
مكاسب للولايات المتحدة من تمويل الشركات
من جهته، أشار وزير التجارة هاورد لوتنيك إلى أن ترمب يريد أن يرى فوائد مباشرة للولايات المتحدة من تمويل الشركات الكبرى بدلاً من مجرد تقديم منح. وعمل لوتنيك منذ لقاء تان وترمب على إنجاز تفاصيل الاتفاق.
ورغم أن البيت الأبيض قدّم اتفاق “إنتل” كخطة يمكن تكرارها مع شركات أخرى، إلا أنه لم يحدد أسماءها. وقال مسؤول أميركي إن الشركات التي تعزز استثماراتها داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك “تايوان لصناعة أشباه الموصلات” (TSMC) و”مايكرون تكنولوجي”، لن تُجبر على تقديم حصص ملكية مقابل التمويل.
إنعاش “إنتل”
ومع أن الإدارة لمّحت في الأسابيع الأخيرة إلى نيتها بشأن “إنتل”، إلا أن هذه الخطوة تطرح مخاطر هائلة قد تُربك الأسواق وتدفقات رأس المال، فضلاً عن احتمال تكبد دافعو الضرائب خسائر ضخمة. لكنها قد تحقق عوائد ضخمة إذا نجحت رهانات الحكومة على الشركة التي كانت رائدة في الصناعة. فقد شهدت “إنتل” فترة مضطربة وسط قلق المستثمرين من فقدانها للتفوق التكنولوجي وتراجعها كثيراً خلف المنافسين.
“إنتل” من أيقونة سيليكون فالي إلى العناية الفائقة برعاية ترمب
الدفعة الجديدة البالغة نحو 9 مليارات دولار تعزز فوراً فرص نمو الشركة، كما تفتح المجال لشراكات حيوية لتطوير الملكية الفكرية والتكنولوجيا، وهي المجالات التي تراجعت فيها “إنتل” خلال السنوات الماضية.
الإنقاذ لا يتوقف على المال فحسب
لكن، لكي تؤتي الملكية الحكومية ثمارها، على ترمب أن يفعل أكثر من مجرد امتلاك حصة. فمحللو “وول ستريت” لا يتوقعون أن يحقق المال وحده تحولاً في الشركة التي عانت سنوات من تراجع المبيعات وحصتها السوقية. مع ذلك، ثمة احتمال أن يساعد ضغط ترمب على جلب المزيد من العملاء لذراع التصنيع في “إنتل”، ما قد يبرر تكاليف التوسع في الإنتاج المحلي.
قال دان مورغان، مدير المحافظ الأول في “سينوفوس ترست”، الذي يغطي الشركة منذ تسعينيات القرن الماضي: “ترمب يصبح نوعاً ما رجل المبيعات لديكم”.
هل تستعيد “إنتل” ريادتها باستثمار 20 مليار دولار في صناعة الرقائق؟
لكن جذب مزيد من العملاء لـ”إنتل” قد يكون مهمة صعبة لترمب. فذراع تصنيع الرقائق لدى الشركة يُنظر إليه على نطاق واسع بأنه أضعف من منافسيه، ولا يزال بحاجة إلى بناء مصانع جديدة متطورة.
قال محلل “بيرنشتاين” ستايسي راسغون في مذكرة للعملاء: “بجانب المال، تحتاج (إنتل) إلى زبائن. فتمويل التوسع من دون زبائن قد ينتهي بشكل سيئ للمساهمين، والولايات المتحدة ستكون أكبرهم في هذه الحالة”.
نهج ترمب الجديد في عقد الصفقات
يجسد اتفاق “إنتل” كيف تبنى ترمب نهجاً جديداً في “الدبلوماسية الاقتصادية” خلال ولايته الثانية، إذ يسعى إلى تعزيز التصنيع المحلي، وإعادة توازن العلاقات التجارية، وضمان هيمنة أميركا في القطاعات الحيوية.
ففي أوائل أغسطس، أعلن ترمب عن اتفاق محل جدل قانوني مع شركتي “إنفيديا” (Nvidia) و”أدفانسد مايكرو ديفايسز” (AMD)، تقضي بأن تمنحا الحكومة الأميركية 15% من العائدات الناتجة عن مبيعات رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين.
“إنفيديا” و”AMD” ستدفعان لأميركا 15% من عائدات الرقائق المباعة إلى الصين
كما سبق ذلك انتزاع ترمب “السهم الذهبي” من شركة “نيبون ستيل” اليابانية يمنحه سلطة اتخاذ قرارات بشأن “يو إس ستيل”، التي استحوذت عليها الشركة اليابانية. وفي الشهر الماضي، أعلن البنتاغون عن الاستحواذ على حصة قيمتها 400 مليون دولار في شركة أميركية صغيرة للمعادن النادرة هي “إم بي ماتيريالز”.