ورغم انتشارها على مساحات ساحلية ممتدة لملايين الهكتارات، إلا أن الناظر بالعين المجردة لا يكاد يلحظ تفاصيل روعتها على خريطة العالم الجغرافية بحريًّا؛ إذ تُمثِّل نحو 0.5% فقط من الشريط الساحلي للبحار والمحيطات.
وأصبح متطلب حمايتها والحفاظ عليها اليوم حاجة ضرورة لتحقيق الاستدامة للأنظمة البيئية، التي تعتمد عليها كمصدر وجودي، والوقوف أمام أي تهديد يضر هذا الكنز الطبيعي الثمين، وهو النهج الواضح والقويم، الذي انتهجته منظومة البيئة في المملكة العربية السعودية محليًّا، وعلى رأسها وزارة البيئة والمياه والزراعة والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، وحددت ملامحه بمبادراتها النوعية إقليميًّا ودوليًّا.
سواحل البحار والمحيطات
على سواحل البحار والمحيطات ومصاب الأنهار والأودية الواقعة في المناطق الاستوائية والمدارية في جميع أنحاء العالم، يزدهر 73 نوعًا من أشجار المانجروف، يتركز نموها في منطقة المد والجزر، وتتميز تربتها بغناها بالمواد العضوية، التي كوَّنتها بقايا الأشجار المتحللة، التي امتزجت بحبيبات الطين، إضافة إلى مقاومتها الشديدة للملوحة.
غابات المانجروف تعد أحد أجمل وأروع الأنظمة البيئية الطبيعية على وجه الأرض، وتلعب دورًا حيويًّا في حماية الشواطئ من التآكل، وتنقية المياه من الملوثات، وتخزين الكربون، ما يساعد على مكافحة التغير المناخي، وتتميز أشجارها كذلك بجذورها الفريدة، التي تتفرع وتتشابك فوق سطح الماء وتحته، ما يمنحها مظهرًا ساحرًا يعكس جمال الطبيعة وأناقتها في لوحة فنية رائقة بلون مياهها الزرقاء.
وتتميز غابات المانجروف بتنوع بيولوجي نادر، يجعلها بيئة غنية ومهمة لدعم الحياة البرية والبحرية؛ إذ إنها تشكل موطنًا لمجموعة متنوعة من الكائنات الحية، تشمل الطيور، والأسماك، إضافة إلى أنها توفر مأوى آمنًا لصغار العديد من الأنواع البحرية، ما يعزز من دورة الحياة البحرية، وتسهم في استدامة الثروة السمكية.
ولا تقتصر أهمية غابات المانجروف على الجانب البيئي فقط، بل تمتد لتشمل الفوائد الاقتصادية والاجتماعية، فهي مصادر رزق للعديد من المجتمعات المحلية، التي تعتمد على صيد الأسماك وجمع القشريات، فضلًا عن أنها وجهة سياحية جذابة لعشاق الطبيعة والمغامرة؛ إذ يمكن للزوار الاستمتاع بالتجديف بين أشجارها، واستكشاف الجمال الطبيعي لهذه الأماكن الساحرة.
أشجار المانجروف في السعودية
ولما لأشجار المانجروف من أهمية كبيرة في المملكة في التخفيف من تغير المناخ ودعم التنمية المستدامة وهو أمر محوري في تحقيق هدف الحياد الصفري، فإنها أخذت على عاتقها وجوب تنميتها، فحققت نجاحات كبيرة في استزراع المانجروف في مناطق متعددة على ساحلي البحر الأحمر والخليج العربي لإعادة تأهيل المواقع المتدهورة، أو لتكثيف أشجار المانجروف في الأماكن ذات الانتشار المحدود تحقيقًا لأهداف مبادرة السعودية الخضراء.
واعتمدت في الزراعة على التجارب الحقلية، إضافة إلى الأبحاث الحديثة في هذا لمواجهة التحديات في استعادة المانجروف في البيئات القاسية.
ومع تعدد الأنواع النباتية لأشجار المانجروف، التي تصل إلى 73 نوعًا، هناك نوعان هما القرم والقندل، وينموان على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي.
وطرح المركز مشروع نوعي لتقييم غابات المانجروف على سواحل المملكة، ورسم خرائط لها، وتحديد مساحاتها الفعلية الطبيعية، عبر استخدام أحدث التقنيات العالمية، وإجراء التأكيدات الحقلية لنتائج الدراسة.
ساحل الخليج العربي
وتمثل أشجار المانجروف، التي تنمو على ساحل الخليج العربي، مورد رزق لكثير من النحالين؛ حيث تُعَدُّ مرعى طبيعيًّا خالصًا لغذاء للنحل.
واستفاد من تربية ورعي النحل على المانجروف 45 نحالًا ونحالة، ومع ندرة وأهمية وحيوية أشجار المانجروف للنظام البيئي، إلا أنها تعرضت – وما زالت – في العديد من المناطق حول العالم للتدمير، بسبب الأنشطة البشرية المجحفة في حق البيئة والطبيعة، ومنها رعي الإبل، والتلوث الناتج عن البناء والتصنيع، والصرف الصحي، والتغيرات في استخدام الأراضي، واستزراع الجمبري، والتوسع الحضري، والصيد الجائر، الأمر الذي أدى إلى تضررها من آثار التلوث النفطي، وانحسار أعدادها أو موت أو تشوُّه كمية كبيرة من الجذور الهوائية أو فقدان الأشجار مباشرة.
وتأتي جهود المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر للوقوف حصنًا منيعًا أمام هذه التعديات عبر سن القوانين والتشريعات التي تجرم مثل هذا الإضرار، إضافة إلى تنمية غابات المانجروف وإعادة تأهيلها بوصفها ضرورة مُلِحة للحفاظ على هذه البيئة الطبيعية وضمان استدامتها للأجيال القادمة.
تعزيز التنوع البيولوجي
ويعمل المركز حاليًّا على زراعة 13 مليون شجرة على سواحل المملكة، تشمل البحر الأحمر والخليج العربي، تحقيقًا للمستهدفات الوطنية بزراعة 100 مليون شجرة بحلول عام 2030، إضافة إلى جهوده في توعية المجتمعات المحلية بأهمية هذه الغابات وكيفية الحفاظ عليها، الأمر الذي يسهم في تعزيز التنوع البيولوجي.
وتتطلب إعادة تأهيل غابات المانجروف تعاونًا مشتركًا بين الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمعات المحلية.
ويمكن أن تشمل هذه الجهود وضع سياسات قانونية لحماية الغابات، وتشجيع البحث العلمي لدراسة أفضل الطرق لإعادة التأهيل، وتوفير التمويل اللازم لتنفيذ المشاريع.
ومن خلال هذه الجهود المتكاملة، يمكن تحقيق تقدُّم ملموس في الحفاظ على غابات المانجروف واستعادة دورها الحيوي في النظام البيئي العالمي.
ومن هذا المنطلق الإستراتيجي دوليًّا، جاء الاحتفال باليوم الدولي لصون النظام الإيكولوجي لغابات المانجروف كل عام في 26 يوليو للتأكيد على المستهدفات وتحقيق التعاون والتعاضد لتنفيذها.