Site icon السعودية برس

أزمة ديون فرنسا تتفاقم وسط خفض “فيتش” لتصنيفها الائتماني

خفضت وكالة “فيتش ريتنغز” (Fitch Ratings) التصنيف الائتماني لفرنسا، موضحة أن الاضطرابات الناتجة عن تكرار انهيار الحكومات دفعت البلاد إلى مواجهة طويلة الأمد لاحتواء عبء ديون متفاقم.

“فيتش ريتنغز” خفضت تصنيف فرنسا الائتماني إلى “A+” من “AA-“، لتضع البلاد عند درجة أدنى من المملكة المتحدة ومتساوية مع بلجيكا. وبذلك يُعد تصنيف “فيتش” لفرنسا الأدنى بين وكالات التصنيف الرئيسية للدول المقترضة السيادية، ويفوق تصنيف الديون عالية المخاطر بست درجات فقط.

وجاء في بيان الوكالة الصادر يوم الجمعة أن “ارتفاع الدين العام في فرنسا يحد من قدرتها على مواجهة صدمات جديدة دون المزيد من التدهور في أوضاع المالية العامة”.

اضطراب سياسي ومالي في فرنسا

يأتي خفض التصنيف الائتماني في ختام أسبوع بدأ بانهيار حكومة فرنسية أخرى، بعدما عارض البرلمان خطط مواجهة ما أصبح أكبر عجز في الموازنة بمنطقة اليورو.

تولى سيباستيان لوكورنو منصب رئيس الوزراء يوم الأربعاء بتكليف من الرئيس إيمانويل ماكرون للتشاور مع أحزاب المعارضة بشأن الموازنة قبل تشكيل حكومة جديدة.

ماكرون يختار سيباستيان لوكورنو لرئاسة حكومة فرنسا.. التفاصيل هنا.

وتعهد رئيس الوزراء الجديد بإحداث تغييرات جوهرية في أسلوب التفاوض ومضمونه، عقب رفض المشرعين خطة الحكومة السابقة لخفض العجز بشكل كبير إلى 4.6% من الناتج الاقتصادي، بدلاً من 5.4% المتوقعة هذا العام.

غير أن المشرعين لم يُظهروا حتى الآن سوى استعداد محدود للتوصل إلى تسوية، إذ يطالب كثيرون بإعادة الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت العام الماضي، والتي قسمت البرلمان إلى ثلاث كتل متعارضة حالت دون إقرار مشروعات القوانين المالية. كما يدعو بعض الأطراف، بمن فيهم اليمين المتطرف واليسار المتطرف، إلى استقالة ماكرون قبل انتهاء ولايته في 2027، وهو ما رفضه الرئيس بشكل قاطع.

انقسام سياسي متصاعد

قالت “فيتش” إن “هزيمة الحكومة في تصويت الثقة يعكس حالة التشرذم والاستقطاب المتزايدة داخل المشهد السياسي الفرنسي”.

وأضافت: “منذ الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في منتصف 2024، تعاقبت على فرنسا ثلاث حكومات مختلفة. هذا الوضع يُضعف قدرة النظام السياسي على تنفيذ إصلاح مالي جوهري، ويجعل من غير المرجح خفض العجز المالي الرئيسي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2029، وهو هدف كانت تسعى إليه الحكومة السابقة”.

كما حذرت الوكالة من أن “الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية في عام 2027 ستقلص بدرجة أكبر فرص تحسين أوضاع المالية العامة على المدى القريب، مع احتمال كبير بأن يستمر الجمود السياسي حتى بعد الانتخابات”.

تعاني فرنسا من سجل ضعيف في الوفاء بأهداف خفض العجز التي حددتها حكوماتها. وعلى خلاف العديد من دول منطقة اليورو، واجهت البلاد صعوبة في كبح الإنفاق والاعتماد على الديون عقب الأزمات.

توقعات مالية قاتمة في فرنسا

تتوقع “فيتش” أن يظل عجز موازنة فرنسا فوق مستوى 5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2026-2027.

وأضافت الوكالة: “نتوقع أن تسفر مفاوضات الموازنة المقبلة عن حزمة ضبط مالي أقل تشدداً مما اقترحته الإدارة المستقيلة، فيما قد يؤدي عدم تمرير الموازنة قبل نهاية العام إلى الدخول في فترة ’الاعتمادات المصوّت عليها‘ (services votés)، والتي لا يمكن خلالها تنفيذ أي تدابير إصلاحية تقديرية جديدة”. (وفي تلك الفترة سيُسمح فقط بإنفاق النفقات الجارية التي سبق إقرارها، ولن يكون بالإمكان تطبيق إجراءات جديدة للتقشف أو خفض العجز).

اقرأ أيضاً: أداء فرنسا وإسبانيا يدفع اقتصاد منطقة اليورو لنمو غير متوقع

يأتي قرار خفض تصنيف فرنسا بعد أقل من عام على خفض”فيتش” نظرتها المستقبلية إلى “سلبية”، محذرة من مخاطر تتعلق بالسياسة المالية. وكان آخر خفض للتصنيف في عام 2023، أعقبته خطوات مماثلة في 2024 من جانب وكالتي “إس آند بي غلوبال ريتنغز” (S&P Global Ratings) و”موديز ريتنغز” (Moody’s Ratings).

أدى عدم اليقين السياسي والمالي في فرنسا إلى تراجع ثقة المستثمرين خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، ما أثار موجات بيع لأصول البلاد.

تمنح السندات المرجعية لأجل عشر سنوات في فرنسا واحداً من أعلى العوائد داخل منطقة اليورو، على غرار ليتوانيا وسلوفاكيا وإيطاليا. كما تضاعف الفارق بينها وبين السندات الألمانية تقريباً منذ دعوة ماكرون إلى الانتخابات العام الماضي، وهو ما يعكس ضعف إقبال المستثمرين.

رغم أن خفض “فيتش” لن يؤدي على الأرجح إلى عمليات بيع جديدة، نظراً لأن المستثمرين عادة ما يقيمون المخاطر مسبقاً، ولا تزال فرنسا تتمتع بتصنيف “AA” من الوكالتين الرئيستين الأخريين، إلا أن أي خفض إضافي في المستقبل قد يُضعف إقبال المستثمرين المقيدين بمتطلبات صارمة لشراء الأصول ذات التصنيف الأعلى.

مؤشرات اقتصادية متباينة

يتعارض خفض التصنيف الائتماني والصعوبات السياسية التي تشهدها فرنسا مع مؤشرات إيجابية على تعافي ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. فقد أظهرت البيانات الأخيرة إشارات إلى انتهاء ركود طويل في قطاع التصنيع، فيما أكد بنك فرنسا مطلع هذا الأسبوع أن وتيرة النمو القوية والمفاجئة التي تحققت في الربع الثاني مرشحة للاستمرار.

مع ذلك، حذرت وكالة الإحصاء الفرنسية يوم الخميس من أن استمرار تآكل الثقة جراء الاضطرابات السياسية يعني أن نمو فرنسا سيتخلف عن بقية دول منطقة اليورو هذا العام.

اقرأ أيضاً: رسوم ترمب الجمركية تهدد بتباطؤ نمو اقتصاد فرنسا

وفي المقابل، أبقت وكالة “فيتش” على توقعاتها الاقتصادية لفرنسا، مقدرة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بـ0.6% في العام الحالي، و0.9% في 2026، و1.2% في 2027.

وأضافت أن “انعدام اليقين السياسي الحالي قد يؤثر على الثقة الاقتصادية، لكن ارتفاع معدل ادخار الأسر وصلابة الميزانيات العمومية للشركات هناك سيسهمان في دعم الاستهلاك والاستثمار، لا سيما في بيئة التضخم المنخفضة الحالية”.

Exit mobile version